تحرير الشام:بين رفض روسيا..وأولويات تركيا بعد سوتشي

منصور حسين
الإثنين   2021/10/11
عاد ملف هيئة تحرير الشام لتصدر المشهد الميداني السوري، بعد اجتماع الرئيسين التركي والروسي في سوتشي، نهاية شهر أيلول/سبتمبر الماضي، ومعه عاد الحديث عن الخيارات التركية المتاحة لحل هذه المعضلة التي تتخذها موسكو ذريعة دائمة لتصعيدها العسكري على إدلب.

وبالرغم من اتفاق الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، على تدعيم الوضع الراهن في إدلب، والحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه في آذار/مارس 2020،  إلا أن الجانبين أصرّا على تطبيق كامل بنود الاتفاق، المتضمنة تعهد تركيا بتفكيك هيئة تحرير الشام وبقية التنظيمات التي تعتبرها موسكو "إرهابية" في إدلب، مقابل التزام روسيا إبعاد "قسد" عن الحدود السورية التركية.

اندماج تحرير الشام
وفيما تشير المعطيات إلى تمسك الطرفين الروسي والتركي بأولوياتهما، تأتي الأنباء متضاربة حول إمكانية تبادل الانتشار بين فصائل الجيش الوطني المسيطرة على ريف حلب وهيئة تحرير الشام المسيطرة على إدلب، الأمر الذي يُنظر إليه على أنه بداية عملية دمج أو تعويم للهيئة وفق رؤية تركية.

وعلمت "المدن" من مصادر متعددة بوجود خطة مطروحة لإنشاء مقرات عسكرية تابعة لغرفة عمليات "عزم" التي تتشكل من فصائل أهمها الجبهة الشامية وفرقة السلطان مراد، في منطقة إدلب، مقابل السماح لهيئة تحرير الشام بافتتاح مقرات عسكرية تابعة لها في مدينة عفرين، الخاضعة لسيطرة فصائل الجيش الوطني.

وأشارت المصادر إلى أن هذه الخطوة قد تمت تجربتها العام الماضي، مع انتشار كتائب تابعة للجبهة الشامية وغيرها من الجيش الوطني على طول خطوط التماس مع قوات النظام في جبلي الزاوية والأربعين بريف إدلب الجنوبي، بموافقة الهيئة التي تسيطر على تلك المنطقة والتي أبدت تعاونها مع تلك الفصائل.

لكن المتحدث الرسمي باسم الجيش الوطني السوري وغرفة القيادة الموحدة "عزم" الرائد يوسف حمود نفى في حديثه ل"المدن"، وجود طرح خاص باندماج الفصائل العسكرية مع هيئة تحرير الشام، أو تذويب الهيئة ضمن تشكيلات الجيش الوطني.

وقال حمود إن "الموضوع لم يصل إلى هذا البعد الذي يتم الحديث عنه، حيث تمت قراءة إعلان غرفة 'عزم' عن وجود أكثر من أربعين نقطة رباط لها في ريف إدلب وحلب، بشكل خاطئ، واعتباره بداية لانتشار الفصائل في مناطق سيطرة تحرير الشام". وأكد أن الجيش الوطني موجود أصلاً في إدلب عبر مكونه الأساسي وهو الجبهة الوطنية للتحرير، وأنه منذ بداية الهجمة الروسية على قرى ريف حماة وإدلب وحلب، بدأ العديد من تشكيلات الجيش بالتوجه للقتال ضد قوات النظام.

رفض روسي للتعويم
ومع غموض سياسة أنقرة لجهة التعامل مع هيئة تحرير الشام، وتنامي دور فصائل الجيش الوطني في إدلب، تتزايد مخاوف موسكو من وجود نية تركية لدمج الهيئة ضمن القوى الموالية لها، وهو ما بدا واضحاً من تصريح وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بداية تشرين الأول/أكتوبر، حين أكد "ضرورة عزل الارهابيين في إدلب، وفي مقدمتهم هيئة تحرير الشام"، مشدداً على أن الهدف النهائي هو القضاء على هذه المجموعة نهائياً، كما اعتبر أن الإسراع في تنفيذ الاتفاق هو الحل الأفضل.

تصريح لافروف اعتبره الباحث في مركز "جسور" للدراسات وائل علوان أنه يمثل "رسالة واضحة  على استمرار استخدام الروس للهيئة كذريعة دائمة للضغط على أنقرة عسكرياً، وقصف إدلب بحجة استهداف مجموعات وقيادات ارهابية".

وقال علوان ل"المدن"، إن "الاتفاق الروسي-التركي كان واضحاً، فهو يؤكد على حل هيئة تحرير الشام والفصل بين الجماعات الراديكالية وبقية الفصائل العسكرية، باعتبار مناطق سيطرة المعارضة وتحرير الشام مناطق خاضعة للنفوذ التركي، وعليه تم توقيع اتفاق سوتشي 2018 وتدعيم اتفاق وقف إطلاق النار في آذار 2020، ثم في أيلول الماضي".

وأضاف أن "موسكو تضع الفصائل السلفية ذريعة للتصعيد العسكري واستهداف الفصائل جميعاً والحواضن المدنية، وهذه الذريعة ستستمر حتى بعد تذويب الهيئة، وهو ما تدركه أنقرة جيداً"، مشيرا إلى أن تركيا تتعامل مع ملف تحرير الشام ب"حكمة بالغة"، خاصة بعد التغيرات التي أحدثتها الهيئة في نهجها وسلوكها، حتى أنها لم تعد "تشكّل خطراً على دول المنطقة، وهو ما تنظر إليه تركيا على أساس إمكانية الاستفادة منها مستقبلاً".

وبالرغم من تأكيدات الكرملين على أن طرفي قمة سوتشي الأخيرة، شددا على التزاماتهما في ما يخص إخلاء إدلب من الارهابيين، رأى علوان أن "هدف تركيا من القمة كان تثبيت وقف إطلاق النار في إدلب، منعاً لحدوث كارثة إنسانية جديدة، في حين كان اهتمامها مركزاً على الحفاظ على أمنها القومي قرب حدودها الجنوبية، وتفكيك المشروع الانفصالي الذي تقوده قسد، وهذا ما تنتظره أنقرة باعتباره من بنود اتفاق سوتشي". 

أظهرت هيئة تحرير الشام مرونة كبيرة في التعاطي مع المصالح التركية في سوريا، ويبدو أنها تبدي كل ما يلزم لتسريع أي عملية اندماج محتملة مع فصائل الجيش الوطني في معادلة إدلب، خاصة بعد الحملات الأمنية التي شنتها ضد التنظيمات السلفية المتواجدة في مناطق سيطرتها خلال الأشهر الماضية، وهي رسائل يبدو أنها قد نالت رضا أنقرة، لكنها لم تُقنع قوى المعارضة الأخرى التي سبق للهيئة أن ارتكبت انتهاكات بحقها، فضلاً عن استمرار الموقف الدولي المتحفظ تجاهها.