النظام يؤجل طرح أوراق نقدية كبيرة..لاعتبارات انتخابية

مصطفى محمد
السبت   2021/01/23
© Getty
أدّت صعوبة التعامل بالعملة السورية بفئاتها النقدية المتداولة في الأسواق، الناجمة عن تدني قيمة الليرة أمام الدولار الأميركي إلى ما يقارب ال3000، إلى زيادة الحديث عن ضرورة طرح فئات نقدية كبيرة بين الأوساط الاقتصادية الموالية للنظام السوري، في وقت يرى فيه محللون اقتصاديون أن حسابات كثيرة تجعل النظام متردداً في الإقدام على هذه الخطوة.

النقاش حول إصدار فئات نقدية كبيرة صار محط اهتمام وسائل الإعلام الموالية، بعد الجدل الذي أثاره رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية عابد فضلية، على خلفية توقعه بأن يتم طرح ورقة نقدية جديدة من فئة 5000 ليرة قريباً، مضيفاً أن "طرحها يجعل العد وحمل وتخزين العملة أفضل، وأن قرار طرحها يقرره المصرف المركزي فقط، ولا أؤكد أنها ستطرح".

وكانت غالبية التوقعات ترجح أن يبدأ النظام بطرح فئات نقدية كبيرة (5000-10000) مع دخول العام 2021، إلا أن النظام خالف ذلك. لكن المستشار الاقتصادي في مركز "جسور للدراسات" خالد التركاوي يؤكد أن النظام بدأ في وقت سابق بإجراءات إصدار الفئات الكبيرة، وأن النماذج الفنية الأولية لها جاهزة، لكنه لن يُباشر بهذه العملية في المدى المنظور، على أقل تقدير.

ويعزو اعتقاده هذا، خلال حديثه ل"المدن"، إلى خشية النظام من تكرار التجربة التي رافقت إصدار فئة ال2000 ليرة، حيث لم تجد هذه الفئة عند طرحها في العام 2017، وما زالت، قبولاً لدى غالبية السوريين، وتحديداً في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال غرب سوريا، وشمال شرقها.

 ويقول: "رافق طرح هذه الفئة النقدية أحاديث عن أنها عملة بدون رصيد، وأنها مزورة، ودون النظر إلى صحة ذلك، فإن التجربة غير مشجعة على إصدار فئات نقدية جديدة، وبالتالي الطبيعي أن تواجه الفئات الجديدة بنفور شعبي مماثل، وربما أكبر، لأننا نتحدث عن فئات كبيرة".

والأمر الآخر الذي يخشاه النظام من إصدار فئات نقدية كبيرة، حسب التركاوي، هو أن ذلك قد يشكل اعترافاً ضمنياً بأن أوضاع الليرة متجهة لمزيد من التدهور، موضحاً أن "طرح فئات نقدية كبيرة من فئتي 5000 و10000، سيقود الأسواق على الفور إلى مزيد من التضخم".

ورغم ذلك، يجزم التركاوي بأن النظام سينحّي هذه الحسابات جانباً، وسيُقدم مضطراً على إصدار الفئات النقدية الجديدة، في غضون العام الجاري، لأن الفئات النقدية الحالية ما عادت صالحة للتعاملات اليومية. ويقول: "في سوريا يُقبل الناس على شراء آلة عد النقود، لا لكثرة الأموال، بل لأن مبيعات الجملة والسلع المتوسطة باتت تتطلب وقتاً كثيراً لعد الثمن يدوياً، وقريباً قد يحتاج بائع الخضار المتجول إلى اقتناء مثل هذه الآلة".

ولعل من الأنسب للنظام تأجيل هذه الخطوة، كما يرى الباحث الاقتصادي يونس الكريم، الذي يعتبر أن طرح الفئات النقدية الكبيرة في هذا الوقت يبدو خياراً مؤجلاً، في وقت يشهد فيه سعر صرف الليرة السورية تذبذباً أمام العملات الأجنبية.

ويقول الكريم ل"المدن"، إن طرح الفئات النقدية الكبيرة دون احتواء سعر الدولار أولاً، لن يُحدث الحاجة المرجوة منها، طالما أن الليرة في تدهور مستمر، ولذلك قد تسبق هذه الخطوة محاولات من النظام لتحسين قيمة الليرة السورية، حتى يشعر السوري بالفرق الذي ستحدثه الفئات الجديدة في التعاملات اليومية.

كذلك، من شأن طباعة أوراق نقدية جديدة، زيادة أعباء النظام المالية، بسبب تكلفتها كبيرة (طباعة في روسيا)، وبالتالي المزيد من انخفاض قيمة العملة.

الخطوة مؤجلة
يُضاف إلى ما سبق، يرى الكريم أن طرح الفئات النقدية الكبيرة، لا يخدم حسابات النظام المتعلقة بإجراء الانتخابات الرئاسية، قائلاً إن "النظام يحتاج حتى إجراء الانتخابات، إلى تحسين الواقع المعيشي، وهذا لن يتم بطباعة فئات نقدية جديدة، وزيادة السيولة المالية مقابل ارتفاع معدلات التضخم".

ولا يقلل الباحث الاقتصادي في جامعة "يوزنجويل فان" التركية أحمد ناصيف من تأثير حسابات الانتخابات على اتخاذ قرار إصدار الفئات المالية الكبيرة، ويقول ل"المدن": "النظام قادر على تأجيل هذه الخطوة إلى ما بعد الانتخابات، فالنظام وروسيا يروّجان أن من شأن إجراء الانتخابات تحسين الواقع المعيشي".

ويضيف ناصيف أنه "من المعلوم أن طرح الفئات النقدية الكبيرة يؤدي إلى اختفاء الفئات النقدية الصغيرة من التداول، وهذا ما سيقود إلى ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات الفقر، والواضح أن هذا لا يصب في صالح النظام في هذه المرحلة، على أقل تقدير".

يبدو أن إصدار الفئات النقدية الكبيرة من جانب النظام، بات مسألة وقت، مع العلم بأن هذه الخطوة لن تُسهم في تقليل المعاناة الاقتصادية عن السوريين في مناطق النظام، وإنما ستزيد من حدتها.