"تصعيد غزة المضبوط": تثبيت قواعد الاشتباك..لا الحرب

أدهم مناصرة
الثلاثاء   2020/02/25
© Getty
انتهت جولة التصعيد الجديدة في جبهة غزة، على غرار سابقاتها وفق منطق "هدوء مقابل هدوء" دونما تغيير لواقع غزة المحاصرة سواء كما يتمنى الاحتلال الإسرائيلي أو وفق آمال المقاومة بكسر الحصار المضروب منذ 2007.

عادت الأمور الى نقطة ما قبل التصعيد، حيث الهدوء الهشّ- كما وصفها رئيس أركان جيش الاحتلال يوآف كوخافي قبل ساعتين من بدء ساعة الصفر لوقف إطلاق النار الجديد، ثم عبّر عنها المبعوث الأممي لعملية السلام نيكولاي ميلادينوف بقوله "إن الأزمة الأمنية والإنسانية في غزة مستمرة".

الواقع هو نفسه الذي كانت تنتهي إليه جولات القتال المماثلة والتي نشهدها في القطاع بين الفينة والأخرى منذ أن وضعت حرب 2014 أوزارها.. لكنّ السؤال المركزي هو ما مخاض جولات القتال التي تبدو مضبوطة ومُتحكَّماً بها من الطرفين؟.. هل تنتهي بحرب شاملة أم تسوية كاملة؟

مصدر من الجهاد الإسلامي قال ل"المدن" إن جولة التصعيد الأخيرة قبيل انتخابات الكنيست بأسبوع، كانت متوقعة للجميع لأن وضع غزة غير مستقر، وبدليل أنّ تعليمات مُسبقة للمقاومة وقبل التصعيد بأسبوعين، تدعوها لضرورة توخّي الحذر خشية الاغتيال.

ووفق ما توفر من معطيات سياسية وأمنية ل"المدن"، فإن جولة القتال الأخيرة لم يكن مخططاً لها لا إسرائيلياً ولا فصائلياً، بيدَ أنّ صورة التنكيل بجثة أحد عناصر "الجهاد" صباح الأحد الماضي من قبل جرافة عسكرية إسرائيلية على حدود غزة بعد قتله، كانت مستفزة جداً، فاقتضت ضرورة الردّ من الحركة.

والحال، أنه لمجرد ذهاب جهات إسرائيلية لتبرير جريمة التنكيل بالجثة هذه، فإن ذلك يوحي أنه ليس بوارد اسرائيل الذهاب لهذا التصعيد في هذه الأثناء؛ إذْ زعمت تلك الجهات أنه "دائماً ما تفعل الجرافات الإسرائيلية ذلك عندما تجمع جثث الفلسطينيين على حدود غزة بعد قتلهم بحجة التسلل أو تنفيذ عملية على أمل مبادلتها لاحقاً ضمن صفقة مع حماس، ولكن المفارقة هذه المرة أنها كانت على مرأى الجميع وبث مباشر، في حين دأبت على ذلك في جنح الظلام في المرات السابقة".

وأكد قياديّ من حماس ل"المدن"، أنه بالرغم من عدم مشاركة حركته في التصعيدين الأخيرين مع "الجهاد الإسلامي"، إلا أنه يشدد على دعم "حماس" سياسياً لهذا الرد، والتنسيق بين الحركتين على ضرورة ضبط ايقاع مدى الصواريخ التي تطلق من غزة، بحيث يقتصر مداها على سبعة كيلومترات ولا تتعدى المستوطنات المحاذية للقطاع وبشكل لا يتسبب بقتلى إسرائيليين، لمنع الانجرار إلى الحرب الشاملة التي لا يريدها أي من الاطراف.

ويفسر هذا القيادي عدم حضور "حماس" في جولتي التصعيد الاخيريتن، عبر الإشارة إلى قرار لديها مفاده "بتوزيع الدور بينها وبين الجهاد، بحيث يكون دور حماس سياسياً، وأما الجهاد تتكفل بدور العامِل الميداني الضاغط لتنفيذ استحقاقات التهدئة وتخفيف الحصار عن غزة". ناهيك عن أن دخول حماس على خط التصعيد يعني زيادة احتمال المواجهة الشاملة.

ويذهب هذا القيادي إلى أكثر من ذلك حينما يكشف ل"المدن" عن "أنهم في غزة إذا أرادوا الضغط على دول عربية لتقوم بدورها في ما يتعلق بملفات تخفيف الحصار والتحسين الإقتصادي، فإنهم يضغطون على اسرائيل عبر البالونات الحارقة والتصعيد الميداني؛ كي تقوم هي بهذا الدور الضاغط ما دامت تريد هدوءاً ووقفاً للصواريخ والبالونات.. فليست مهمتنا الضغط على الدول العربية. إنه شأنُ إسرائيل".

اللافت، أن إسرائيل حاولت في قصفها لمواقع "الجهاد" في غزة ألا ينتج عن ذلك عدد كبير من الشهداء، باستثناء غارة دمشق التي أدت إلى استشهاد عنصرين من "الجهاد".. لكن، حتى موقعة دمشق، ترجح مصادر "المدن" أن تل أبيب حاولت أن تكون بصيغة تحذيرية وتوصل رسالة بأن رأس "الجهاد" المتمثل بأمينها العام زياد النخالة ونائبه أكرم العجوري ليسا بمنأى عن الإستهداف حينما تقتضي الضرورة وفي حال لم يتوقف إطلاق الصواريخ بأوامر منهما.

ووفق المصادر، فان تل ابيب كانت معنية بالتحذير من الاغتيال أكثر من تنفيذه بشكل فعلي الآن وقبيل الإنتخابات؛ للحيلولة دون انفجار الجبهة الجنوبية كلياً..

ولعلّ إسرائيل التي أكدت على لسان وزير جيشها نفتالي بينت ليل الاثنين، أن حكومته غير معنية بشن حرب واسعة على غزة الآن، تريد أن تقول- ضمناً "إن الحرب ستكون ولكن في الوقت الذي نحدده نحن، لا بتوقيت حماس والجهاد".

وبالغوص في طبيعة رد المقاومة، علمت "المدن" بوجود نقاش داخلي في الأروقة القيادية في غزة، يدعو إلى مراجعة طريقة رد المقاومة القائم على "العاطفة والغضب"، وبشكل لا يؤدي إلى ضرر في الجانب الآخر، مع التشديد على حق المقاومة في الرد.

لكن جهات قيادية في "حماس" تشدد على أن الأهمية في ردّ المقاومة هو الحفاظ على قواعد الإشتباك واستمرارية منطق "الرد بالرد.. والقصف بالقصف"، وليس بالضرورة إيقاع إصابات في صفوف الإسرائيليين، ناهيك عن الضغط على كل الجهات الإقليمية والدولية لجعل قضية غزة على الطاولة وتنفيذ وعودها بتحسين أوضاعها المعقدة.

بالمحصلة، لا أحد يستطيع أن يحسم مآلاً معينا لجولات التصعيد؛ فكل شيء متوقع في لحظة ما. وليس بالضرورة، ينتج عن جولات التصعيد المتكررة حرب أو اتفاق تهدئة شامل. ربما يستمر هذا المشهد لفترة إضافية، بموازاة دور الإطفائي الذي تلعبه مصر وجهات دولية؟