استيراد محروقات إسرائيل بلا ضرائب:حلٌ لأزمة السلطة المالية؟

أدهم مناصرة
الجمعة   2019/08/23
Getty ©
جاء إعلان وزير الشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ ليؤكد رسمياً ما كشفته "المدن" في وقت سابق، وذلك بالقول "إن أزمة ضرائب البترول بين السلطة الفلسطينية واسرائيل قد انتهت بعد مفاوضات مضنية".

وقال الشيخ، الخميس، في "تويتر": "بدأت السلطة الفلسطينية في استيراد البترول من اسرائيل بدون ضريبة (البلو) بأثر رجعي عن الشهور السبعة الماضية، ولكن هذا لا يعني ان الأزمة المالية قد انتهت وإنما بقيت المليارات لنا محجوزة لدى إسرائيل".

وفور ذلك، زفّت الحكومة الفلسطينية البشرى لموظفيها- بعدما دأبت على صرف نصف راتب لهم طيلة الأشهر الخمسة الماضية على ضوء أزمة المقاصة التي نشبت إثر اقتطاع إسرائيل رواتب الأسرى وعائلات الشهداء، وذلك بالإعلان عن نيتها صرف ما نسبته 110% من رواتب الموظفين الحكوميين خلال آب/أغسطس.

وأوضح رئيس الحكومة محمد شتية، أن الصرف سيكون بواقع 50% عن الشهر الأول من الأزمة المالية (شباط/فبراير)، و60% عن شهر آب/أغسطس الحالي "دفعة واحدة".

لعل المراقب للمشهد من بعيد، سيسأل: ماذا يعني تحويل جباية ضريبة البلو للجانب الفلسطيني؟

الواقع أن إسرائيل كانت تجبي ضريبة البلو عن كل ليتر وقود يباع للجانب الفلسطيني. واعتبارا من أيلول/سبتمبر، بدأت وزارة المالية الفلسطينية بجباية ضريبة البلو عبر طواقمها بدلاً من الإسرائيلية. ووفق بيانات 2018، ضريبة البلو هي ثاني أكبر مورد جبائي للخزينة الفلسطينية بعد الجمارك.

وسيكون مبلغ 240 مليون شيكل كمتوسط إيرادات ضريبة البلو شهرياً، إيراداً محلياً ثابتاً للحكومة الفلسطينية خلال أزمة المقاصة، إلى جانب متوسط 400 مليون شيكل شهرياً ضرائب تتم جبايتها محلياً، علما أن الوضع الطبيعي يشير إلى أن متوسط نفقات الحكومة الفلسطينية بدون تقشف يبلغ 1.2 مليار شيكل شهريا.

بالفعل، حولت إسرائيل الى السلطة، الخميس، ملياري شيكل لمساعدتها على التعامل مع العجز المالي الذي خلفه اقتطاع أموال المقاصة.

ويعني هذا، أن اتفاق ضريبة المحروقات، أنه كان بمثابة مقترح إنقاذي للسلطة وتخفيف لأزمتها وفي وقت دخلت فيه مرحلة المجهول من الناحية المالية، وليس حلا لكامل الأزمة. غير أن مصدراً دولياً كشف لـ"المدن" أن بقية المقترحات الرامية إلى حل كلي للأزمة ومنع انهيار السلطة التدريجي، ستُستكمل بعد انتخابات الكنيست المقررة في أيلول/سبتمبر.

ويوضح المصدر، أن الجميع ينتظر مال ونتيجة الإنتخابات الإسرائيلية، حيث ستكون دافعاً آخر لتحويل مقترحات أوروبية تقدم للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى اتفاق عملي على غرار المحروقات.

ورفض المصدر توضيح طبيعة المقترحات المطروحة على طاولة البحث لكنه اكتفى بالقول إنها جاهزة، ولكنها بحاجة لمزيد من البحث والتوافقات؛ مبينا أنه تم قطع شوط فيها ولكن حسمها متروك لما بعد انتخابات الكنيست.

وألمح المصدر إلى أن أحد المقترحات يتعلق بأصل الأزمة، ألا وهو مستحقات الأسرى وعائلات الشهداء؛ إذ يتم طرح صيغة وآلية جديدة كأن تكون هذه الرواتب والمستحقات ضمن بند الشؤون الاجتماعية، أو صندوق ومسمى آخر؛ وذلك في محاولة لإنزال كل من إسرائيل والسلطة عن الشجرة.

ويبدو أن اتفاق ضريبة المحروقات شكلت إرهاصاً للنزول عن الشجرة تدريجيا سواء بالنسبة للسلطة أو اسرائيل. ويكشف قيادي من السلطة في رام الله، لـ"المدن"، عن دور مهم لأميركا في موافقة إسرائيل على المقترح الأوروبي الخاص بتحويل جباية ضريبة البترول للسلطة الفلسطينية مباشرة. فلولا الضغط الذي مارسته واشنطن على تل أبيب، لما حصل الاتفاق، وفق هذا القيادي.

ناهيك أن تحرك أوروبا بهذا الخصوص كان بإيعاز أميركي. لدرجة أن هذا القيادي الفلسطيني كشف لـ"المدن" عن موافقة إسرائيل في مرات سابقة عن رفع قيمة الصادرات أو استيراد بعض البضائع والمنتجات بالرغم من قيود باريس الاقتصادية كلما طلب الجانب الفلسطيني ذلك، وذلك "بفعل الضغط الأميركي على إسرائيل". ويتابع "الضغط الأميركي على تل ابيب، وحده الذي يجبر الأخيرة على الإستجابة والفعل".

بدوره، رأى المحلل الإقتصادي نصر عبدالكريم، في حديثه لـ"المدن"، أن سيناريو حل المحروقات، دليل على انعدام الحلول الفنية للأزمة، وأن الحلول السياسية وحدها الكفيلة بحل الأزمة.

وبيّن عبدالكريم أن السلطة تمر في وضع مالي وسياسي صعب، حيث يمثل "أكبر امتحان جدي" تخوضه السلطة منذ نشوئها قبل ربع قرن. ويفترض عبد الكريم أن هذا الإمتحان يُراد به أميركياً وإسرائيليا وإقليمياً أن يؤسس لمرحلة جديدة للفلسطينيين، وليس بالضرورة ارتباطاً بالتسوية النهائية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

ويعتقد عبدالكريم أن المطلوب ليس حل الأزمة لأنها ستتكرر كلما أرادت إسرائيل الابتزاز، وإنما حلول تصنع اقتصاداً مقاوماً ومستقلاً ومتحرراً من القيود الإحتلالية، وليس "تكييف" الاقتصاد الفلسطيني مع وقائع يفرضها الإحتلال.

والحق، أن إتفاق ضريبة البلو على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، قد أنضجته مخاوف مشتركة لدى إسرائيل والسلطة الفلسطينية وحتى المجتمع الدولي من أن تأزم الوضع المالي للسلطة وأنصاف الرواتب لموظفيها، سيقود إلى الانفجار في الضفة الغربية. وقد عبر عن هذه المخاوف تقارير أمنية فلسطينية، سلط الاعلام الاسرائيلي الضوء عليها قبل أيام.

وقد يكون هذا الدافع الاكبر لجميع الأطراف للنزول عن الشجرة ولو تدريجياً والتوصل الى الإتفاق الأخير كحل جزئي ولكنه مهم كونه يمنع الإنهيار ويؤجل الانفجار إن لم يكن قد وأده ولو بعد حين!