خطة ترامب الإقتصادية: نسخة مطورة لرؤية "كيري-فياض"؟

أدهم مناصرة
الأربعاء   2019/06/26
الأناضول ©

حاول كبير مستشاري الرئيس الأميركي جاريد كوشنر أن يدغدغ مشاعر الفلسطينيين، عبر القول إن دونالد ترامب هو أمل الفلسطينيين، من خلال جملته "ترمب لن يتنازل عنكم"، التي نطق بها في كلمته الإفتتاحية لورشة البحرين الإقتصادية.

الصحافة الإسرائيلية انتهزت الفرصة في أعدادها الصادرة، الأربعاء، كي تستخدم في عناوينها جملاً معينة وردت على لسان كوشنر خلال إستعراضه لخطته الإقتصادية، الرامية إلى تحسين أوضاع الفلسطينيين وصولاً لإنهاء النزاع، كما يزعم.

وعنونت صحيفة "معاريف" صفحتها الأولى: " كوشنر في افتتاح ورشة البحرين: تخيلوا واقعاً جديداً في الشرق الأوسط". بينما ركزت القناة "11" على تأكيد البحرين التي أعلنت "سنكون أول من يقيم علاقات مع إسرائيل حال التقدم في عملية السلام". أما القناة "13" فقد سلطت الضوء على وجود كنيس يهودي في قلب البحرين.

والواقع، أن هناك جملاً ومفاهيم مغلوطة وخاطئة بعيدة عن الحقيقة والمهنية وردت في كلمة كوشنر، لدرجة أنه اعتبر جميع الفلسطينيين عبارة عن لاجئين يعتاشون من "الأونروا" أو المساعدات الدولية. ناهيك ان الفلسطينيين سكان الضفة الغربية وقطاع غزة تكفلوا بتعليم انفسهم وابنائهم من حرّ مالهم، وليس بسبب "دعم دولي" كما قال.

خطأ آخر ورد على لسان كوشنر حين تحدث عن نسبة الناتج القومي للضفة الغربية، فقد اعتبر أن المنطقة التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية ويقيم عليها السكان الفلسطينيون وتبلغ أقل من نصف مساحة الضفة، هي كل الضفة. وتناسى كوشنر بذلك أن الإحتلال الإسرائيلي يسيطر على الموارد المهمة على أكثر من 60 في المئة منها، ولا يستفيد منها الفلسطينيون بتاتاً.

وفي السياق، كشف مصدر كان قد عمل سابقاً في الرئاسة الفلسطينية لـ"المدن"، أنه قرأ خلال فترة عمله قبل سنوات العديد من الأفكار والمقترحات في سياق خطة إقتصادية سميت بـ"خطة فياض-كيري" وهي غير معلنة، تمت بلورتها من خلال رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق سلام فياض ووزير الخارجية الأميركية الأسبق جون كيري.

ويقول المصدر، إن ما فعله فريق دونالد ترامب أنه قام بتبني هذه الأفكار وتطويرها، وزيادة سقف التمويل لهذه المشاريع التنموية الفلسطينية إلى 50 مليار دولار، مروراً بإدخال الدول العربية الفاعلة والمجاورة إلى عمق هذه الخطة.

ويؤكد المصدر أن خطة "كيري-فياض" تقوم على أنه طالما فشل الحل العسكري ثم السياسي في إنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، فلننتقل إلى الحل الإقتصادي ولكن ذلك المرتبط برؤية سياسية تؤدي إلى إنهاء النزاع.

ويوضح المصدر أن حكاية الممر الذي يربط الضفة الغربية مع قطاع غزة موجودة في اتفاقية اوسلو ثم تطرقت إليها خطة "كيري-فياض"، ولكن إسرائيل رفضتها بحجج أمنية.

ووفق المصدر، فإن مشاركة فياض في هندسة الرؤية الإقتصادية المذكورة كان بالتنسيق مع وزارة الخارجية الأميركية، وساعده في ذلك أنه يحمل الجنسية الأميركية.

ولهذا يبدو أن دونالد ترامب، قام بتبني امور سابقة وترجمتها على أرض الواقع، مثلاً قرار نقل السفارة الاميركية من تل ابيب إلى القدس موجود سابقاً، ولكن ما فعله أنه حسم نقلها وحولها الى واقع بدلاً من تأجيل التنفيذ على مدار سنوات خلافاً لما فلعه أسلافه. وكذلك الأمر بالنسبة للحل الإقتصادي، فيبدو أن ترامب قد تبنى هذه الأفكار الإقتصادية السابقة بحكم أنه رجل أعمال وصفقات ويؤمن بنظرية إستعلائية هي "الفلوس بتغير النفوس"، حيث قام بتطويرها لا سيما وأن العديد منها تتساوق مع مشروع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المُسمى "السلام الإقتصادي".

ورصدت"المدن" على مدار اليومين الماضيين اقلاماً إسرائيلية كانت سباقة أكثر من غيرها، في التشكيك بجدوى ورشة البحرين، لدرجة أن مسؤولين امنيين وخبراء اسرائيليين سابقين قد انتقدوا الجزء الاقتصادي من خطة سلام ترامب، والتي تم عرضها في ورشة العمل المنعقدة في العاصمة البحرينية المنامة.


وانتقد نمرود غورين، مدير معهد Pathways، والمعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية، الاقتراح الأميركي الذي يعد الفلسطينيين بمستقبل اقتصادي أفضل، من دون معالجة التسوية الدائمة المستقبلية وتحقيق التطلعات من أجل الاستقلال.

من جهته، قال أهارون زئيفي فركش، رئيس مخابرات الجيش الإسرائيلي السابق إنه لا يتوقع أن يتمخض أي شيء عن مؤتمر البحرين. كما اعتبر الباحثان الإسرائيليان في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب تومر فدلون وساسون حداد، أن الإزدهار الاقتصادي ليس وصفة لحل النزاع الإسرائيلي–الفلسطيني.

وأوضح الباحثان "صحيح أن الاستعداد لرصد توظيفات هائلة في الاقتصاد، في البنى التحتية، في التعليم، في الصحة وفي الرفاه، في الضفة الغربية وفي قطاع غزة من المفترض أن يشكل بشرى سارة، وأن يكون جزءاً من سيرورة ترمي إلى خلق مناخ إيجابي ومريح يتيح التقدم نحو تحقيق الأهداف السياسية في السياق الإسرائيلي ـ الفلسطيني، إلاّ إنه في ضوء الفجوات السياسية والإقليمية الواسعة بين إسرائيل والفلسطينيين، وكذلك في ضوء مستوى الأداء المتدني في الأجهزة الفلسطينية (بما في ذلك الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة)، ثمة حاجة إلى برنامج سياسي خلاّق ومفيد للفلسطينيين".

ويختم الباحثان "الشواهد التاريخية تثبت أنه لا يجوز اعتبار الورشة الاقتصادية في البحرين والاستثمارات المستقبلية المخطط لها مفتاحاً لحل الصراع المستمر منذ سنوات طويلة جداً".

في المقابل، رأى المحلل الإقتصادي الفلسطيني نصر عبد الكريم، أنه لا يُمكن الحكم مسبقاً بفشل ورشة البحرين من عدمها، موضحاً أنه يجب أولاً الاتفاق على تفسير"معنى الفشل أو النجاح أولاً قبل أن نحكم".

ويقول عبد الكريم لـ"المدن"، إن "الماورائيات" التي تعتمد على لقاءات وترتيبات سرية وبناء على نهج "التراكمية ولو بعد حين"، هي التي تحكم نجاح أو فشل أي شيء. ويضرب مثلاً يكمن في اتفاقية كامب ديفيد 1979 التي أبرمت بين مصر وإسرائيل وانتقدتها منظمة التحرير الفلسطينية حينها، ثم وجدت نفسها بعد سنوات وقد وقّعت اتفاق أوسلو عام 1993 الذي حمل الكثير من الإنتقادات والتنصل من الجانب الإسرائيلي.