الهاربون إلى تركيا:"التهريب المضمون" كذبة..والفصائل"شركات تأمين"!

أسامة الشهاب
الثلاثاء   2019/06/25
(المدن)
مع تصاعد القصف الروسي على جنوبي إدلب وشمالي حماة، وتهجير مئات آلاف المدنيين إلى شمالي إدلب، يحاول كل يوم المئات من السوريين دخول الأراضي التركية بطرق غير شرعية عبر "التهريب"، فارين من جحيم الموت. ويضطر السوريون للجوء إلى عصابات المهربين، التي تنشط على طول الشريط الحدودي.

المهربون وعصاباتهم

لعصابة التهريب النمطية رأس "المُهرّب"، وحوالي 5 "أدلاء" يعملون معه، ومجموعة "سماسرة". والمُهرب، صاحب العصابة، غالباً ما يكون من المناطق الحدودية، وتكمن مهمته إدارتها، وانتقاء طرق لإختراق الحدود، والإتفاق مع الزبائن، وإعطائهم الوعود بالأمان وسهولة التهريب، والتنسيق مع العميل التركي الذي يتسلم المُهرَّبين في تركيا. ولا يدخل رأس العصابة تركيا مع حمولته.

مهمة الدليل هي مرافقة المجموعة أثناء تهريبها عبر الحدود. في حين يعمل السماسرة للترويج للعصابة، واستقطاب الراغبين بالانتقال إلى تركيا مقابل نسبة يعطيها لهم المهرب.

مراحل التهريب

تتم عملية التهريب عبر ثلاث مراحل شاقة وخطرة، بحسب ما أكده لـ"المدن"، خالد النعيمي، الذي أمضى وعائلته شهراً كاملاً في محاولة اجتياز الحدود وتعامل مع عصابات متعددة، وباءت كل محاولاته بالفشل. ويقوم المهرب بتجميع زبائنه في بيت بإحدى القرى الحدودية، الرجال في غرفة والنساء في غرفة، حتى يكتمل العدد. وقد تستغرق هذه المرحلة أياماً يعيش فيها المُهرَّبون ظروفاً صعبة وخانقة كالمساجين.

وبعدها يقود المُهرِّبُ المجموعة إلى الحدود، ويرسل معها دليلاً ليرافقها لتبدأ المرحلة الثانية، حيث "تكمن قمة المعاناة والخطورة". تقول زوجة خالد؛ هالة الجميل، لـ"المدن": "كل مرة كنا نحمل أطفالنا، ونتبع الدليل، الذي يجعلنا نجتاز الحدود، ونقطع مسافات أحياناً زحفاً، وأحياناً ركضاً، ونتبع كل تعليماته، إلى أن نلتقي بدوريات الجندرما التركية التي تطلق النار علينا كل مرة".

وأغلب عمليات التهريب تفشل في المرحلة الثانية، حيث تقبض الجندرما على المجموعة وتعتقلها وتعيدها إلى سوريا. ومن ينجح من المجموعات بعبود الحدود، يصبح بعهده العميل التركي، الذي يقودها لإحدى القرى الحدودية في ولاية هاتاي، حيث تبدأ المرحلة الثالثة.

تهريب بسمنة وتهريب بزيت

تتراوح كلفة تهريب الشخص ما بين 375-2000 دولاراً، بحسب طريقة التهريب؛ "العادي" و"المضمون".

أحد المُهرِبين، على شريط حدود حارم وسلقين شمال غربي إدلب، أكد لـ"المدن"، أنه ياخذ 400 دولار على الشخص الواحد، في حمولة التهريب "العادي"، الذي يعتمد على اجتياز الحدود خلسة. أما التهريب "المضمون" فأجرته 1800 دولاراً، وفيه يجري اتفاق مع دورية تركية مناوبة، للسماح بدخول الناس مقابل حصة مالية.

"لا نأخذ أجراً حتى تصل البلدة التركية التي تريدها" هو شعار كل مهربي الحدود. وفعلاً لا يتقاضى المهربون أجورهم فوراً، بل توضع النقود لدى طرف ثالث، حتى تصل المجموعة إلى بلدة تركية، ويقوم العميل التركي بتصويرهم وإرسال فيديو للمهرب السوري، الذي يرسله للطرف الثالث، وعلى أساسه يتم تسليم المال.

المهرب نور، في حديثه لـ"المدن"، لا يعتقد أنه يستغل الناس، ولا يعتبر أنه يقوم بعمل خاطئ. فهو صاحب مهنة، مثل أي مهنة، وللتهريب تكاليفه. نور، يدفع 100 دولار للدليل، و100 دولار للعميل التركي و25 دولاراً للسمسار.

مخاطر الطريق

هذه الضمانات لا تحمي الناس من النصب والإحتيال. كثير من المهربين يخدعون زبائنهم بالحديث عن سهولة الطرق ويخفون عنهم المخاطر الكثيرة، ومنها القتل.

سمية الحمصية التي عدلت عن فكرة الذهاب لتركيا، بعد معاناتها مع المهربين على الحدود، أكدت لـ"المدن"، أن الواقع مختلف تماماً عما كان المُهربون يقولونه. سميّة غيّرت ثلاثة مهربين، والنتيجة ذاتها؛ الخديعة. في كل مرة كان المهرب يقول فيها أن الطريق آمن، كانت سميّة تعاني وتتعرض للخطر، وتعتقل من قبل الجندرما، التي تقوم بترحيلها.

"التهريب المضمون" هو الأكثر خطراً، إذ غالباً ما يدعي المُهرِّبُ أنه اتفق مع حرس الحدود التركي ليأخذ أجراً مرتفعاً. وإن عبرت المجموعة مع الدليل، انطلت حيلته عليهم، وإن فشلت فالأمر لا يكلفه شيئاً، بحسب ما أوضح لـ"المدن" مصدر مطلع في فصائل الشمال.

المخاطرة بالحياة هي الخطر الأكبر الذي يتعرض له الناس بتصديق المهربين. "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، قال منذ أيام أن العدد الكليّ للقتلى برصاص حرس الحدود التركي، بلغت 424 بينهم 76 طفل و39 سيدة.

فصائل الشمال: شركات تأمين؟

بدأت عمليات التهريب منذ أعوام بحدود 2000 ليرة سورية، وتضاعفت مع إزدياد التشديد التركي على الحدود، وجشع المهربين الذين يستغلون التشديد لرفع الأسعار، واستغلال الهاربين من الحرب.

وبدلاً من أن تضبط فصائل الشمال جشع المهربين، راحت القوى المسيطرة منها على الطرف السوري من الحدود تعمل على "ترخيص" التهريب. وتتقاضى "مكاتب التهريب" 25 دولاراً عن كل شخص لـ"ترخيص" تهريبه، وذلك يعني أنه في حال فشلت  عملية التهريب فالفصائل تعمل على اجبار المهرب على إعادة المال. كما أنها باتت مسؤولة عن مُحاسبة المهربين على سوء تعاملهم مع الناس. وبذلك تقوم بعض الفصائل بدور شركات التأمين.

إلى أوروبا.. أو الاعتقال والترحيل

حسين، الذي نجح بالوصول إلى تركيا منذ أيام، قال إن أغلب الذين يدخلون تهريباً إلى تركيا تكون وجهتهم المستقبلية هي أوروبا، "بعد تخاذل العالم إزاء ما يجري من انتهاكات في إدلب".

حسين، أمضى شهراً من المحاولات حتى نجح بالدخول، وقال لـ"المدن": "تعرضنا للإعتقال مرات، وفي كل مرة كنا نُضربُ ونُهان من حرس الحدود، حتى أنهم أجبرونا على حصاد العشب اليابس والشوك، كعقوبة لنا. أمضيت أياماً عندهم، ثم أعادونا إلى سوريا. وأغلب الذين تعرفت عليهم في رحلاتي المتكررة، كانت نيتهم الذهاب لأوروبا".

عمار أبو أحمد، أحد الذين يحاولون العبور، قال إن مخاطر التهريب لن تكون أكثر من مخاطر القصف، وأن ما يجري من قصف جنوني جنوبي إدلب، يدفعه وكثيرون غيره للمخاطرة بطرق التهريب، وتحمل كل مشقاتها. طريق الرحيل الشاق إلى أوروبا، لن يكون أصعب من الحياة تحت القصف، ومن الطبيعي توجه الناس لهذه المغامرة، خاصة أن شمالي إدلب لم يعد يتسع للناس.