غزة:إسرائيل إستبقت هجوماً معلوماتياً من "حماس"

منال نحاس
الأحد   2019/05/12
إسرائيل قصفت مبنى في غزة قالت إنه يستخدم لشن هجمات إلكترونية (Getty)
قدّم الجيش الإسرائيلي إحدى ضرباته نهاية الاسبوع الماضي في غزة على أنها رد على هجوم معلوماتي لم يقع. ومثل هذه الضربة الصاروخية الاستباقية رداً على هجوم إلكتروني، وهو في نهاية المطاف لم يقع، وبوسع الخبراء العسكريين الإسرائيليين الحؤول دونه بالوسائل الالكترونية، هو سابقة في الحروب العسكرية. 

فالعالم يشهد "ثورة في الشؤون العسكرية"، على ما لاحظت مجلة "فورين أفيرز" في عددها الصادر أخيراً. ومثل هذه الثورة قوامها بروز تكنولوجيات تغيّر وجه المواجهات العسكرية وتطيح المفاهيم العسكرية وتمتحن القدرات التقليدية. ويدعو بروزها الى التفكير من جديد في البديهيات العسكرية: كيف ستشن الضربة وبواسطة ماذا ومن سيشنها. وعلامات الثورة هذه هي بروز الذكاء الصناعي، والانظمة الذاتية التشغيل، والعلوم الكمية.

ويقول الجيش الإسرائيلي إن المبنى - أنزلت به ضرباته دماراً هائلاً - كان مقراً لأعضاء من "حماس" متخصصين بالهجمات الالكترونية، وأن الفريق هذا سبق له أن شن عملية ضد اسرائيل. والصور التي وزعتها اسرائيل لهذا المبنى لا تختلف عن صور مواقع ضرباتها الأخرى. 

وترى مراسلة الشؤون العسكرية في "سي أن بي سي"، كايت فازيني أن الحادثة هذه ستكون شاغل الدوائر العسكرية لتناول سُبل الجمع بين الهجمات السيبرانية والهجمات "المادية"، في وقت تقلق قيادات الأركان في دول المعمورة، ومنها الولايات المتحدة، من احتمال تعرض شبكات الكهرباء والمياه والبنى التحتية، لهجمات الكترونية تؤدي الى أضرار كبيرة وخسائر في الارواح. لذا، تسعى الدول الى تحديد معايير جديدة تتناول سبل الرد على مثل هذه التهديدات، سواء كان الرد مباشراً أو استباقياً.

وكتب مارتن أونترسانغر في "لوموند" الفرنسية أن الجيش الإسرائيلي قدم للخبراء العسكريين والقانونيين أول سابقة عملية توسّل بها السلاح التقليدي للرد على هجوم سيبراني. ففي هذه العملية "لسنا أمام ردٍ يتوسل وسائل او أدوات متناظرة " كما تلاحظ أود جيري، الباحثة في القانون الدولي في جامعة روان الفرنسية.

ميدان جديد للحرب
ورغم أن ثمة سابقة للاقتصاص من هجمات الكترونية بتوسل أسلحة تقليدية - أميركا لجأت في 2015 إلى القوة العسكرية في الرد على هجمات إلكترونية حين قتلت جنيد حسين، البريطاني الجنسية الذي كان على رأس مجموعة قراصنة "داعش" والذي كان مسؤولاً عن جمع معلومات شخصية عن القوات العسكرية الأميركية على الشبكة الالكترونية- إلا أن الضربة الإسرائيلية هي منعطف في الحروب المعاصرة: الرد على هجوم رقمي لحظة وقوعه في نزاع تقليدي محتدم من دون انتظار أشهر لإعداد العملية والتخطيط لها، على ما يلاحظ كاتالين سيمبانو الخبير في الشؤون الأمنية السيبرانية في مدونة "زيرو" على موقع البرمجيات "زي دي نت". 

وعلى خلاف ما هو الحال عند وقوع ضربات عسكرية تقليدية حين يتولى خبراء عسكريون "تقليديون" التحليل والتعليق على مسألة من المسائل، انبرى خبراء في البرمجيات الالكترونية التعليق على الحادثة في غزة. فكأن ميدان المعارك الجديدة ترتب عليه انضمام خبراء من مجالات بدت، إلى وقت قريب، في منأى من شؤون الحروب.

وتأتي الضربة هذه بعد ثلاث سنوات من إعلان حلف شمال الأطلسي (الناتو) الحيز الرقمي أو السيبراني على أنه ميدان معارك "رسمي" في العالم المعاصر، جنباً إلى جنب مع ميادين المعارك الجوية والبحرية والبرية. وميدان المعارك الجديد هذا منفلت من القيود والتحالفات. وشطر كبير من دول "الناتو" أنشأ في السنوات الأخيرة فرقاً في قواته العسكرية للحرب السيبرانية، على ما فعلت في الأشهر الاخيرة قوات المارينز والبحرية الأميركية. يترتب على اعتبار "الناتو" الحيز السيبراني ميدان حرب كذلك ما يترتب على أي هجوم تقليدي أو نووي، فشنُ هجوم سيبراني على أي دولة "أطلسية" هو نفسه شنُ هجوم "مادي" قد يؤدي إلى رد هذه الدول مجتمعة.
حرب غير مرئية
"الناتو" هو أبرز القوى العالمية الساعية الى إرساء قواعد ومعايير للنزاعات السيبرانية حين تتقاطع مع النزاعات في العالم "الحسي". ويعود دوره الى 2007 إثر هجوم الكتروني روسي على إستونيا بعد إزالة نصب الفارس البرونزي الموروث من المرحلة السوفياتية من ساحة عامة. والهجوم هذا استهدف بنى الاتصالات التحتية والمصارف ووسائل الاعلام في إستونيا.

ولخص حينها الناطق باسم وزير الدفاع الأستوني ماديس ميكو المعضلة التي تواجه الدول في الحروب المعاصرة متسائلاً: "إذا استهدف هجوم مطاراً بصاروخ، اعتُبر الهجوم عدواناً حربياً... ولكن ماذا لو نُفذ الهجوم بواسطة أجهزة كمبيوتر فحسب؟".