استفتاء التمديد.. عقدة يناير تؤرق السيسي

عبدالرحمن اسماعيل
الأربعاء   2019/04/24
AP ©
بعد 8 سنوات عليها، وعلى الرغم من إلغاء الثورة المضادة لكل مكاسبها، ما زالت ثورة 25 يناير تمثل كابوساً مزعجاً للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظامه.

عقدة يناير تجلت واضحة في الاستفتاء الأخير الذي أجراه السيسي على التعديلات الدستورية، التي تسمح له بالبقاء في الحكم حتى 2030، وتسمح له بهيمنة مطلقة على شؤون القضاء المصري، بما فيه تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا، كما تسمح التعديلات للقوات المسلحة بممارسة رؤية وصائية على المصريين وفق التعديلات التي تعطيها الحق في "صون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد" وفق نص المادة 200 التي أقرت في التعديلات الآخيرة.

الاستفتاء الذي جرى على مدار 3 أيام، شهد العديد من الخروق، سجلها معارضون وصحافيون ومدونون مصريون على صفحاتهم الشخصية، بعد تعليمات مشددة تلقتها إدارات الصحف ووسائل الإعلام المصرية، من الأجهزة الأمنية، بعدم الإشارة إلى أي ظواهر سلبية خاصة بعملية التصويت على التعديلات، إلا أن العديد من الصفحات نشرت وقائع مسجلة بالفيديو تشير للخروق الإنتخابية، أبرزها إجبار الشرطة المصرية للعديد من المواطنين على التصويت في الاستفتاء وأخذهم إلى المراكز بسيارات تابعة للشرطة بعد جمعهم من المقاهي والتجمعات ووسائل المواصلات، بل وحتى من عربات الفول المنتشرة في شوارع القاهرة أيضاً.

عملياً ووفق معلومات حصلت عليها "المدن"، فإن إدارة الاستفتاء بالكامل أشرف عليها اللواء عباس كامل، رئيس المخابرات المصرية، فيما أدارها عملياً محمود عبدالفتاح السيسي، نجل الرئيس المصري.

عقدة يناير تمثلت في النتائج التي أعلنتها اللجنة العليا للإنتخابات في مصر، بأن نسبة المشاركة في الاستفتاء بلغت 44 في المئة، وتعد النسبة الأعلى على الإطلاق في تاريخ الاستفتاءات المصرية، وتزيد حتى على استفتاء 19 مارس/آذار 2011 الذي أجري عقب تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك، وشهد إقبالاً كثيفاً وطوابير امتدت أمام صناديق الاقتراع بمئات الأمتار، وهو تقليد حرص عليه السيسي منذ إطاحته بالرئيس الأسبق محمد مرسي، بأن تفوق أرقام كل الاستحقاقات الإنتخابية التي جرت عقب 3 يوليو/تموز 2013، كل أرقام ما بعد ثورة يناير، في إطار سعي السيسي لتجاوز شرعية يناير وبناء شرعية خاصة به، وهو ما فشل فيه حتى الآن، برغم كل الهيمنة الواضحة على مقاليد الحكم في البلاد.

أمنياً، فقد حلت عقدة يناير مرة أخرى في التوجيهات الأمنية المشددة التي تلقتها وسائل الإعلام المصرية بضرورة تجنب الحديث عن إعراض قطاع الشباب عن المشاركة في الاستفتاء، وهي السمة التي شهدتها معظم الاستحقاقات الانتخابية التي أجريت في عهد السيسي، حيث يغيب الشباب عن المشهد الانتخابي الذي يسيطر عليه كبار السن، وهي دلالة ربما تعكس مخاصمة السيسي للحاضر والمستقبل، وكونه بديكتاتوريته التي يسعى لترسيخها، جزءاً من الماضي، بعكس يناير التي كان الشباب عنوانها الرئيسي. 

يناير عادت مرة أخرى في فرز الأصوات، بعد أن ألغت الهيئة الوطنية للانتخابات فرز وإعلان النتائج في كل لجنة، وفق المكتسب الذي حققته ثورة يناير، وترسخ في دستور 2012، بفرز وإعلان الأصوات في كل لجنة فرعية. وقررت الهيئة الوطنية منع فرز الأصوات في اللجان، وطرد مندوبي وسائل الإعلام، وإعلان النتيجة من الهيئة الوطنية، ربما لتلافي الإحراج الذي سيسببه إعلان النتائج في كل لجنة بالكشف عن النسب الحقيقية للحضور، والنسب الحقيقية للتصويت، وهي نسبة وفق مراقبين تتراوح بين 5-8 في المئة على أفضل الأحوال.

إلى ذلك، كشفت المعالجة الحكومية لـمشهد "توزيع كراتين" المواد الغذائية على فقراء أمام اللجان الانتخابية شريطة تصويتهم في الاستفتاء، عن عمق الأزمة التي تسببت فيها الإدارة الحكومية لرأس النظام، بعد أن نشر عدد من المواقع الصحافية الموالية للنظام، خبراً عن تقدم محامي السيسي ببلاغ للنائب العام ضد حزب "مستقبل وطن"، يتهمه فيه بالإساءة للرئيس بسبب "توزيع الكراتين". المواقع تراجعت مرة أخرى وحذفت الخبر، وادعت أنه غير صحيح. نشر الخبر وحذفه، يتوازى مع تذبذب واضطراب التبريرات الإعلامية الحكومية لعملية توزيع الكراتين مقابل التصويت، فيما بدا أنه مقايضة للفقراء "الصوت - مقابل الطعام"؛ ففي أول أيام الاستفتاء برر الإعلاميون المحسوبون على الحكومة الأمر بأنه أمر عادي يحدث في كل الدول، قبل أن تنعكس التبريرات لاتهام الإخوان بتوزيع الكراتين لتشويه صورة الاستفتاء، في محاولة لتلافي الفضيحة الدولية التي سببها المشهد، لتعود التبريرات مرة أخرى بأنها مساعدات غذائية مخصصة للفقراء في شهر رمضان.