هنية والنخالة في القاهرة:تهدئة مُحسّنة أم هدنة طويلة؟

أدهم مناصرة
الثلاثاء   2019/12/03
Getty ©

في خضم تقارير إعلامية إسرائيلية ودولية تتحدث عن مباحثات غير مباشرة تديرها مصر بين حماس وإسرائيل حول ترتيبات قد تقود إلى تهدئة طويلة الأمد، وصل رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية غزة، وأمين عام الجهاد الإسلامي زياد النخالة إلى القاهرة.

ذهاب هنية والنخالة على رأس وفدين من الحركتين إلى القاهرة للإجتماع بالمخابرات المصرية، جاء في وقت ألمحت جهات عسكرية إسرائيلية إلى "فرصة نادرة" لهدنة طويلة الأمد بين المقاومة في غزة والدولة العبرية.

اللافت أن القيادي في حماس حماد الرقب، على غرار قيادات أخرى تواصلت معهم "المدن" لاستيضاح ماهية لقاءات القاهرة وسياقاتها الآن، بدا غير مطلع على زيارة هنية؛ مبينا أن الزيارة كانت "مفاجئة جدا" وعلم فقط أنها تهدف- عُموماً- لإجراء مباحثات حول ملفات عديدة، وأنه لا يوجد لديه معلومات أكثر من ذلك.

مصدر سياسي مطلع قال لـ"المدن"، إن الهدف من لقاء حماس- الجهاد مع المخابرات المصرية، يهدف إلى إعادة ترسيم اتفاقات التهدئة السابقة مع إسرائيل وليس التوصل لإتفاق جديد بهدنة طويلة الأمد، خاصة على ضوء خلافات بين الحركتين حيال التهدئة. وقد تجلّت هذه الخلافات بخوض الجهاد جولة القتال الأخيرة منفردةً، فضلاً عن إلغاء فعاليات مسيرات العودة منذ ثلاثة أسابيع، بسبب مخاوف من قيام عناصر من "سرايا القدس" بعمليات قنص ضد جنود الإحتلال على الحدود، ما سيؤدي إلى تدحرج الميدان لمواجهة أكثر شراسة من ذي قبل.

ووفق معلومات "المدن"، فإن المخابرات المصرية تريد من خلال لقاءات القاهرة مع امين عام الجهاد الإسلامي زياد النخالة الضغط باتجاه قبول حركته لتفاهمات التهدئة؛ مستخدمة سياسة "العصا والجزرة"، وذلك عبر تقديم امتيازات للقطاع أو التحذير من مواجهة عسكرية مضرة بشدة بالمقاومة في حال رفضت التهدئة.

ولهذا تقدم القاهرة مُحفّزات للجهاد الإسلامي كي تقبل بذلك، كما وتمنح "مكافأة ترضية لحماس بسبب موقفها "المعتدل"، وفق المصدر، بحيث تسمح لإسماعيل هنية لأول مرة منذ توليه منصب رئاسة مكتب حماس السياسي لإجراء جولة خارجية تشمل دولاً عديدة بعد انتهاء اجتماعات القاهرة.

وبحسب إفادات استقتها "المدن" من جهات سياسية محسوبة على حماس، فإن الوساطات الجارية بشأن التهدئة حالياً سواء من قبل مصر أو قطر أو الأمم المتحدة ليست جديدة في إطارها العام، رغم تغير المعطيات والعوامل التي تجعل قراءة هكذا جهود مختلفة عن المرات السابقة، كما أن مسافة كبيرة لا زالت تفصلنا عن أي اتفاق لتهدئة طويلة الأمد، وأن الجهود المنصبة حاليا تتركز على استقرار الميدان وإطالة مدة الهدوء في مقابل تحسينات وتسهيلات كانت مؤجلة وفق اتفاق التهدئة.. أي ما يعني تهدئة مُحسّنة أكثر حالياً قد تقود إلى هدنة طويلة الأمد في حال تم إنجاز باقي الملفات لا سيما تبادل الأسرى في مرحلة لاحقة.

وبحسب هذه الجهات، فإن لقاءات القاهرة تأتي في سياق هدفين رئيسين؛ أولهما احتواء التداعيات التي اعقبت التصعيد الميداني الاخير في غزة، واما الثاني فهو تنشيط الدور المصري أكثر بملف التهدئة كرد فعل على ذهاب رئيس السلطة محمود عباس إلى قطر وتركيا لنقاش ملف الانتخابات الذي لم يناقشه مع الجانب المصري. وتشعر القاهرة أنها خارج ملف الإنتخابات، ولذلك لن يكون الاخير موضوعاً للنقاش في اجتماعات المخابرات المصرية مع قيادتي "حماس" و"الجهاد".

الواقع، أن الجهد المصري المنصب بشأن التهدئة وتُرجم بجلب هنية والنخالة إلى القاهرة لترسيخ تفاهمات التهدئة السابقة غير منعزل عما تفكر به إسرائيل حاليا، خاصة وأنها باتت مقتنعة أكثر من أي وقت مضى أن تخفيف الأعباء عن سكان غزة هو السبيل الأَوحد للوصول الى هدوء يريح مستوطني "الغلاف".

في إسرائيل، لا يزال موضوع التهدئة قيد البحث، لكن هناك حماسة من الجيش الاسرائيلي للذهاب إلى خطوات متقدمة في التهدئة مع حماس، بيدَ أن جهاز المخابرات "الشاباك" ومعه مسؤولون من اليمين المتطرف يعرقلون اي تقدم حتى الآن. كما أن حسم هذا الخلاف يحتاج إلى كلمة الفصل من بنيامين نتنياهو، إلا أن الأخير غير قادر على ذلك كونه رئيس حكومة انتقالية علاوة على أنه يواجه اتهامات بالفساد واحتمال الذهاب إلى الانتخابات الثالثة.

مصدر يكشف لـ"المدن" عن حصول تقدم معين في ملف تبادل الأسرى خلال المفاوضات بالغة السرية الجارية بعيداً عن الإعلام، من دون أن يوضح ماهية هذا التقدم غير أنّه وصفه بـ"المتواضع ولكنه مهم"، وهو الأمر الذي يفسر عدم مشاركة حماس في جولة القتال الأخيرة.

ويتركز النقاش الإسرائيلي في هذه الأثناء حول تسهيلات لغزة تتمثل بالموافقة على إقامة مستشفى بتمويل أميركي على حدود غزة الشمالية لعلاج سكان القطاع، فضلا عن إقامة مشاريع دولية لتخفيف الأعباء المعيشية على سكان القطاع. كما تجدد حديث جهات إسرائيلية عن تشغيل آلاف العمال من غزة في مصانع إسرائيلية كجزء من تفاهمات التهدئة. وفي مرحلة لاحقة يمكن الحديث عن حل مشكلة الكهرباء وإقامة جزيرة صناعية لنقل البضائع من الخارج إلى غزة.

في المقابل، شنت السلطة الفلسطينية هجوماً لاذعاً على حركة "حماس" بسبب موافقتها على إقامة مستشفى على حدود غزة الشمالية بتمويل من الولايات المتحدة الأميركية، واعتبرت أن المستشفى يعني "تساوق حماس مع المشروع الأميركي- الإسرائيلي الذي يكرس الإنفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة".

بدوره، اعتبر عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية كايد الغول، أن مبرر حركة حماس لإنشاء المستشفى الأميركي "يندرج في سياق احتياجات سكان القطاع" لم يُقنع الجبهة. وأضاف لـ"المدن"، أن الأخيرة تنظر بقلق كبير اتجاه هكذا مشاريع مرتبطة بتسويات سياسية تهدف لتكريس الإنفصال الفلسطيني.