"تنازلات حماس المُفاجئة" للإنتخابات: معركة كسب الرأي العام؟

المدن - عرب وعالم
الإثنين   2019/11/11
Aljazeera ©

شكّل إعلان حركة "حماس" عن موافقتها على إصدار المرسوم الرئاسي لتحديد موعد إجراء الانتخابات العامة قبل الحوار الوطني الشامل، بموازاة القبول بنظام التمثيل النسبي الكامل، "مفاجأة من العيار الثقيل" لخصوم الحركة وحتى الفصائل المقربة منها في آن.

التنازل الذي عبر عنه رئيس مكتب "حماس" السياسي اسماعيل هنية في أعقاب لقائه بالفصائل في غزة، كان لافتاً خاصة أنه يعني التراجع عن اشتراط الحركة الذي تبنته فصائل أخرى أيضاً، وكان يتركز على ضرورة ان يسبق الحوار الوطني الشامل المرسوم الذي سيصدره رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في وقت لاحق، بحجة أن الحوار يجب أن يُذلل كافة العقبات ويضمن انتخابات سليمة يتم احترام نتائجها.

وقال هنية في السياق "كرمال وطننا قلنا أن قانون التمثيل النسبي لن يكون عقبة أمام الانتخابات ووافقنا على رسالة أبو مازن.. وكرمال وطننا قبلنا أن يكون هناك اجتماع قيادي مقرر للبحث في الضمانات والأسس للانتخابات بعد إصدار المرسوم الرئاسي وليس قبله، أمام إصرار الأخوة في فتح".

مصدر قيادي من "حماس"، فضل عدم ذكر اسمه، كشف لـ"المدن"، أن حركته قصدت بهذا التنازل أن تضغط على قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله والتي يرى أنها كانت تريد إحراج حماس أمام الرأي العام عبر إظهارها "معيقة للإنتخابات" من خلال الإصرار على اشتراطاتها.

ووفق المصدر، فإن "تنازلات حماس" تنسجم مع قرار داخلي للحركة بخوض هذه المسألة، خشية أن تظهر الحركة بصورة "المانعة للإنتخابات"، وبالتالي تكون سببا أمام الدفع بإتجاه "تغيير واقع ما".. لكن القيادي في "حماس" رفض أن يوضح المقصود ب"تغيير واقع ما"، في حال لم تحدث الإنتخابات!

في المقابل، علق مسؤول مقرب من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، على موقف "حماس" المفاجئ، فاعتبر "أن تنازل الحركة نابع من إدراكها أن ابو مازن جاد في الانتخابات، وأنها على علم لو صدر مرسوم الرئيس فإنه لن يكون هناك مجال أمامها إلا أن تشارك".

وأضاف القيادي في السلطة أن المطلوب بعد التعبير الشفوي من "حماس"، أن ترد بشكل مكتوب- أسوة بباقي الفصائل- على "رسالة عباس" التي سلمتها لجنة الإنتخابات المركزية لكافة الفصائل بما فيها "حماس" وتتضمن سبعة مطالب.

الواقع، أنه قبل التنازل من "حماس"، حرصت الأخيرة منذ الوهلة الأولى على الرد على كلمة "مستعدين للإنتخابات" التي تبنتها "فتح"، بكلمة "جاهزين" وذلك في أول لقاء جمع قيادة "حماس" برئيس لجنة الإنتخابات حنا ناصر مع في غزة. وبدا ذلك أنه تعبير عن حالة من التنافس بين الحركتين على كسب الرأي العام، وهو ما أقر به مصدر مطلع من "حماس" لـ"المدن".

ويتابع المصدر، مفسّراً الدافع وراء تنازل "حماس"، قائلاً: "حماس تدرك اليوم أنه لم يعد المواطن يحتمل سماع شعارات وكفر بكل الفصائل، وهذا الأمر يمكن أن يكون له تداعيات في المستقبل باتجاه تعاظم قوة شريحة كبيرة من الشعب الفلسطيني لم تعد مؤدلجة وغير محكومة بمنطق القطيع، وهذا يعني أن الشارع باتت فيه هوامش اوسع".

وتكشف مصادر "المدن" من "حماس" أن جزءاً من المفاجأة أيضاً، يتمثل ببروز  تكتيك جديد لدى الحركة على الصعيد السياسي والإعلامي، وذلك في سياق معركة "فتح" و"حماس" على كسب الرأي العام الفلسطيني.

ويوضح المصدر "لم تعد تفكر حماس بعقلية 2006. هناك حالة صدمة من الرئاسة في رام الله وحركة فتح؛ ذلك انهم لم يتوقعوا أن تكون هذه المرونة من حماس بخصوص الإنتخابات"، ولكن النتيجة الآن هي أن كل طرف يلقي الكرة بملعب الآخر.

وتنفي المصادر أن يكون تنازل "حماس" نتيجة ضغوط إقليمية ودولية مورست عليها، مبيناً أن ما تم هو بناء على معطيات المشهد الداخلي والإقليمي والإسرائيلي، لكنها اكدت لـ"المدن" أن هناك جهات دولية قدمت نصائح للحركة بهذا الإتجاه من دون ممارسة أي نوع من الضغط.

ومع ذلك، ترى أطراف في "حماس" أن تقديم الحركة لتنازلات بخصوص الإنتخابات سيكون "سيفاً ذو حدين"؛ فإما أن تدفع مرونة "حماس" باتجاه انسجام أكثر من رئيس السلطة وقيادة "فتح" مع "حماس"، وإما أن تغريهم لممارسة مزيد من الضغوط على "حماس" وبالتالي "إشتباك سياسي وإعلامي".

في المحصلة، يُجمع مراقبون أننا في محطة من الصعب التكهن بها بشأن إجراء الإنتخابات من عدمه، فالسؤال المطروح هو "كيف ستقرأ السلطة الفلسطينية مرونة حماس المفاجئة؟". لا شك أن الذهاب لإنتخابات تشريعية وبعدها بثلاثة اشهر الرئاسية سيكون صعباً جداً إذا لم تُزل الألغام التي ستنفجر بوجه الجميع في أي لحظة.

وفي غمرة تنافس "فتح" و"حماس" على الرأي العام، قد يتحقق السيناريو العجيب بأن يجد الطرفان نفسيهما مضطرين أمام صندوق الاقتراع. بيدَ أنّ هناك تكهنات بأن تُشكّل القدس الباب الخلفي لهروب "فتح" و"حماس" من إستحقاق الإنتخابات، تحت مبرر "ان الاحتلال منع الانتخابات في القدس، ومن الناحية الوطنية لا إنتخابات من دون القدس".

وبالبحث في أصل فكرة الإنتخابات، فإنه وفق معلومات "المدن"، بدأت الفكرة عند رئيس السلطة محمود عباس، قبل أن يُخبر حركة "فتح" بها ثم يعلنها على هامش كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بينما ربطها البعض بضغوط دولية ولا سيما الإتحاد الأوروبي الذي أبلغ عباس أن الدعم الأوروبي لن يستمر للسلطة بعد تاريخ معين إذا لم تجرِ إنتخابات.