مصر ثكنة عسكرية ..والسيسي في حرب استنزاف داخلية

مصطفى عز
الخميس   2019/10/03
السيسي حوّل مصر إلى ثكنة كبيرة (Getty)
نجحت القبضة الحديدة التي فرضها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال الأيام الماضية في إجهاض الاحتجاجات التي اندلعت ضده قبل نحو أسبوعين، غير أنها لم تنجح في إنهاء حالة الغضب الشعبي الآخذة في التصاعد.

السيسي الذي تمكن خلال ست سنوات من سحق المعارضة السياسية وأغلق كافة وسائل الإعلام المناهضة له، واجه خلال الأسبوع الأخير من أيلول/سبتمبر اضطرابات سياسية هي الأكبر منذ وصوله للحكم؛ بعدما تحدث رجل الأعمال المصري المقيم في إسبانيا محمد علي عن عمليات فساد واسعة، داعياً المصريين الذين يعيشون أوضاعا متردية لإشعال ثورة جديدة.

وبينما كان العالم يترقب خروج تظاهرات ساخنة يوم الجمعة 27 أيلول/سبتمبر، جاء المشهد مغايرا تماما حيث خرجت تظاهرات محدودة في عدد من المحافظات وكانت القاهرة هي الأقل خروجا بعدما ضربت قوات الأمن طوقاً أمنياً مشدداً على كافة الشوارع والميادين الرئيسية وشنت حملة اعتقالات واسعة لرموز سياسية وحقوقية قبل أن يتحول الأمر صبيحة الجمعة إلى اعتقالات عشوائية.

وبحسب المركز المصري للحقوق الاجتماعية، وهو منظمة غير حكوميّة، فقد ثبت حتى الأربعاء اعتقال 2285 شخصاً تم توزيعهم على 6 قضايا.

العنف السلطوي يؤكد أن السيسي ما زال مقتنعاً بأن الأمن هو البديل الأفضل للسياسة وأنه لا مجال للسماح بأي مظهر من مظاهر الاحتجاج، حتى لو جرى تحويل البلد إلى ثكنة عسكرية كبيرة. كما أن خروج تظاهرات ولو محدودة في مواجهة هذه القبضة الأمنية يشي بأن المصريين لم يفكروا بعد  بالاستسلام أمام القبضة الأمنية وهم ربما يخوضون معركة نفس طويل مع نظام يرفض مبدأ التفاوض من الأساس.

الكاتب الصحافي عمرو بدر قال ل"المدن"، إن ما حدث مؤخراً هو "إنذار شديد اللهجة من الشعب"، وإن النظام اعتمد سياسة القمع بدلا من أن يسعى لتخفيف الاحتقان. وأضاف أنه لم يعد يتحدث كسياسي وإنه كتب رأيه كصحافي عبر حسابه على "فايسبوك".

وكان بدر، الذي شارك في تأسيس حملة "تمرد" عام 2013، كتب إن الرهان على العصا الأمنية رهان خاسر ولن يستمر طويلاً كما أن السيطرة الأمنية لا تعكس إمساك السلطة بزمام الأمور بقدر ما تعكس حالة الخوف التي تعتريها.

واعتبر بدر أن الخروج إلى الشارع سيظل حلاً قائماً ما دامت السلطة لا تشعر بالناس وتتجاهل أوجاعهم، وتعيش في حالة إنكار غير مفهومة.

ولفت إلى أن مؤيدي السلطة أنفسهم يعترفون بأن السياسة المتبعة تجعل من الشارع ملاذاً أخيراً إذا أصرت الحكومة على عدم الاستماع إلا لصوتها. وخلص إلى أن مرور يوم الجمعة الماضية لا يعني أن الأمور استقرت وأن ما حدث لن يمر إلا بتغييرات سياسية واقتصادية كبيرة تنزع الاحتقان وتعالج الأخطاء وتمنح المصريين أملاً في التغيير.

وبدا لافتاً يوم الجمعة الفائت أن السلطة طوقت ميدان التحرير بحيث يستحيل الوصول إليه، في مسعى منها لعدم إعادة ترميز الميدان كمنطلق الثورة ومنبرها كما حصل إبان ثورة يناير عام 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك.

ورأى الكاتب الصحافي محسن جاد أن السلطة الحاكمة كسبت معركة التظاهرات الأخيرة لكنها لم تكسب الحرب كلها فثمة خصوم كثيرون يتربصون بها وينتظرون اللحظة المناسبة للانقضاض عليها خاصة وأن أجهزة الأمن لا يمكنها العيش في حالة تأهب مستمر.

وأوضح جاد ل"المدن" أن وعي السلطة بهذه الأمور ربما هو الذي دفع نواباً برلمانيين مواليين لها للمطالبة مؤخرا بفتح المجال العام والسماح بوجود أصوات معارضة وإيلاء الطبقات الفقيرة مزيدا من الاهتمام.

واعتبر جاد أن كل دعوة جديدة للتظاهر تستلزم حشداً أمنياً كبيراً وهو أمر أشبه بحرب استنزاف لأجهزة الدولة، لافتاً إلى أن الحكومة قد تجري إصلاحات ولو محدودة للخروج من هذه الدائرة.

لكن ما ليس واضحاً حتى الساعة هو حجم الاستنزاف الذي يستطيع نظام السيسي تحوله، فالمدن والقرى تحولت إلى ثكنات عسكرية والاعتقالات العشوائية مستمرة، والتفتيش الأمني المفاجئ يطال كل شيء يتحرك. فهل سيستطيع السيسي الصمود إلى أجل غير مسمى على هذا الحال؟ الأجوبة على هذه التساؤلات برسم الأيام القادمة وبرسم قدرة المصريين على الاستمرار بوجه القبضة الحديدية.