فنزويلا بين مادورو وغوايدو.. والنفط!

علي أسعد
الثلاثاء   2019/01/29
(Getty)
تتجه واشنطن لإعلان عقوبات على مسؤولين في فنزويلا، وعلى شركة النفط الفنزويلية، بما يصل إلى سبعة مليارات دولار. وقالت وزارة الخزانة إن واشنطن ستستخدم الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية لدعم الرئيس الفنزويلي "الانتقالي" خوان غوايدو، مؤكدة أن أصدقاء واشنطن في الشرق الأوسط سيعوضون أي نقص في النفط بسبب الإجراءات الأميركية ضد فنزويلا.

ويبدو النفط كأحد أبرز أسباب النزاع الدائر اليوم في فنزويلا، إذ تحتل البلاد منزلة متميزة داخل أوبك، وتمتلك من احتياطيات النفط ما يعادل 7.4% من الاحتياطيات العالمية. وهي بذلك تحتل المرتبة السادسة بعد السعودية والعراق والإمارات والكويت وإيران. وبذلك، تعتبر فنزويلا واحدة من الدول الست التي بمقدورها تزويد العالم بما يقرب من نصف احتياجاته من البترول.

ورغم أنها تعوم على بحر من النفط، إلا أن عائدات النفط كانت تنهب من قبل الشركات الأميركية الشمالية ووكلائها المحليين. وعلى موجة الاستياء الشعبية من ذلك، صعد هوغو تشافيز رئيساً 1999-2012، واستفاد من فورة أسعار النفط في العقد الماضي من القرن الحالي، لدعم برامج اجتماعية، ما وفر له ولخلفه شعبية واسعة.

رفع تشافيز شعارات قومية مزج فيها بين الطموحات القومية في "وحدة أميركا اللاتينية"، حتى وإن كان ذلك يعني التضحية ببعض القوى الجذرية كمنظمة فارك، وتسليم قياداتها للسلطة الكولومبية. كما أصر تشافيز على أن الانفاق الاجتماعي هو المظهر الوحيد لـ"اشتراكية القرن الحادي والعشرين"، حتى لو تطلب ذلك محاولات شق الأحزاب الشيوعية وتدجينها في الحظيرة التشافيزية-الكاستروية.

استمر مادورو في الخط القومي ذاته لكنه افتقد الكثير، فسائق الباص النقابي القديم يفتقر لكاريزما تشافيز العسكرية، حتى وإن احتفظ بولاء المؤسسة العسكرية بعد حملات التطهير وإعادة الهيكلة التي قادها تشافيز بنفسه بوصفه إبناً لهذه المؤسسة.

وافتقد مادورو أيضاً العوائد الضخمة لتصدير النفط، فقد جاء للسلطة في وقت انهارت فيه الأسعار إلى ما دون النصف، في بلد تعتمد في دخلها القومي على عوائد النفط فقط، إذ أن حوالي 95% من الناتج المحلي الإجمالي الفنزويلي قائم على النفط. عائدات النفط المرتفعة للعقد الماضي استخدمت للانفاق الاجتماعي الاستهلاكي، كالمدارس البوليفارية لاطفال المناطق الشعبية والمساكن الشعبية وتحسين اوضاع المناطق العشوائية وبنوك الطعام. ولم توجه تلك العائدات لدعم البنية التحتية أو لمشاريع زراعية وصناعية تخفف الاعتماد على النفط وتؤمن على الأقل الأمن الغذائي. فتحولت مئات مليارات الدولارات إلى نفايات عضوية.

وتحولت الدولة الفنزويلية لهيكل ضخم من الفاسدين المستفيدين من الانفاق، الساعين لمراكمة ثروات شخصية باستخدام القرابة والصلة الشخصية والتملق للتسلق. على سبيل المثال، عائلة فنزويلية واحدة من أصول سورية، ذات توجهات يسارية، وزّعت على بقاع العالم ابناءها كممثلين ديبلوماسيين وموظفين كبار في شركة النفط الفنزويلية؛ من إيران إلى ليبيا إلى روسيا. وتبين لاحقاً أن عبقرية هذه العائلة، تتمثل في العلاقة الحميمة بين إحدى بناتها وأحد الوزراء التشافيزيين.

ورغم الاصلاح الدستوري والقانوني والبرامج المتنوعة إلا أن الحكومة الفنزويلية فشلت أمام التحدي الأمني. معدلات الجرائم المرتفعة، 50 جريمة قتل يومياً في العاصمة كاراكاس، حولت فنزويلا إلى أحد أخطر بلدان العالم. وتنافس كاراكاس على المركز الأول لأخطر مدينة في العالم. والتدخل الخارجي، غير كافٍ لنشر الجريمة إلى هذه الحدود، بل إن ذلك دليل على الانهيار والتفسخ الاجتماعي الذي لم يواجهه حكام فنزويلا بشكل جدي.

ادى التضخم الشديد والسريع الى انهيار قيمة العملة المحلية حتى اصبح متوسط الأجر الشهري لا يتجاوز دولارين. الانهيار الاقتصادي غير المسبوق، والتضخم الهائل، تسببا بافقار الشعب، بينما راكم المضاربون ثروات اضافية مستفيدين من الفروق بين السعر الرسمي للبوليفار الفنزويلي وسعره في السوق الموازية. ولم تحرك الحكومة ساكناً أمام السرقة العلنية لموارد الدولة.

ويحاول مادورو اليوم إظهار قوة الحكم من خلال مناورات عسكرية كبيرة والتحضير لمواجهة "الغزو" الأميركي، وحشد الدعم الدولي في مواجهة الضغوط الخارجية. أما مواجهة الانهيار فربما يعتبرها من طبائع الأمور، أو ربما يراهن على صبر الجياع، فيما تحشد المعارضة قواها مستفيدة من فشل الحكم ومن سيل الأموال المتدفق لدعمها، والذي سيسترجعه الدائنون الدوليون عندما ينجح مشروعهم في الهيمنة على البلاد.

وكان الاضطراب السياسي الحالي قد انفجر في فنزويلا إثر إعادة انتخاب نيكولاس مادورو، رئيساً للبلاد لولاية رئاسية ثانية، وإعلان خوان غايدو، رئيس البرلمان، نفسه رئيساً بالوكالة. وأيدت الولايات المتحدة غوايدو، ودعت لإعادة الانتخابات. وتنتهي مهلة الإتحاد الأوروبي لمادورو، الأحد المقبل، لتنظيم انتخابات جديدة، من دون نتيجة حتى اللحظة.

وتبدو أزمة فنزويلا أشبه بأزمة الأنظمة القومية "الديموقراطية-الاشتراكية"، التي تثبت يومياً محدوديتها التاريخية وانغلاق أفقها الاجتماعي، ما دامت غير قادرة على الخروج من دوامة السوق الاحتكارية العالمية التي حوّلت البلاد إلى مورد صرّف للمواد الخام. ويعني ذلك أن أي أزمة اقتصادية صغيرة في المراكز الامبريالية تتحول إلى زلزال كبير في الأطراف الريعية.

وبين غوايدو ومادورو، يقف اليوم الشعب الفنزويلي أمام خيارين؛ فإما حكم لصوص صغار فاشلين يحاولون توزيع الفتات على جماهيرهم، أو حكم وكلاء للرأسمالي الأميركي.