هل رفض الجهاديون اتفاق إدلب؟

عقيل حسين
الإثنين   2018/09/24
التعبير عن الرفض للفت الأنظار (Getty)
سرعان ما عبّرت تشكيلات جهادية ناشطة في مناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا، عن رفضها لـ"اتفاق إدلب" الموقع بين تركيا وروسيا مؤخراً، كما كان متوقعاً.

تلك المجموعات الصغيرة أرادت التأكيد على أنها تمثل تحدياً حقيقياً للجانب التركي، ولفصائل المعارضة المسيطرة على المنطقة بما فيها "هيئة تحرير الشام"، والتي رحبت جميعها بالاتفاق باعتباره المخرج الأفضل للمنطقة التي كانت مهددة بهجوم واسع من قبل النظام وحلفائه الروس.

موقف تم التعبير عنه، إما نظرياً من خلال بيانات أصدرتها بعض القوى المنشقة بأغلبها عن "هيئة تحرير الشام" في أوقات سابقة، مثل "حراس الدين" و"أنصار الدين"، أو عملياً عبر القيام بخطوات رمزية، مثل احراق العلم التركي أو إطلاق النار على مواقع عسكرية تركية، وهو ما قامت به الجماعات الأكثر صغراً، كـ"أنصار الفرقان" و"أنصار التوحيد". التعبير تناسب وحجم كل مجموعة، وآليات التفكير التي تحكمها.

ولا يتجاوز عدد مقاتلي "أنصار الفرقان"، أو "أنصار التوحيد"، عشرين مقاتلاً، بحسب تقديرات المعارضة، وعليه فقد اختارتا التعبير عن موقفهما للفت الأنظار إليهما ليس إلا. وذلك على عكس "حراس الدين" و"أنصار الدين"، وهما تشكيلان يعتبران أكبر حجماً بين هذه القوى، وتقودهما شخصيات معروفة لا زالت تطمح إلى إعادة الاعتبار لهما وتقديمهما على أنهما تمتلكان مشروعاً منظماً لا مجرد خلايا غير منضبطة، غير واضحة الأهداف والاستراتيجية. وعليه فقد أصدرتا، كل على حدة، بياناً عبرتا فيه عن موقفهما من اتفاق إدلب، وشرح أسباب الرفض له.

ويقود جماعة "أنصار الدين" أبو عبدالله الشامي، جهادي من ريف حلب الغربي، كان قد أسس "حركة فجر الشام" في العام 2012، وهي "الحركة" التي مرت في طريقها وصولاً إلى "أنصار الدين" بسلسلة من الاندماجات، كانت بدايتها مع "حركة أحرار الشام" وآخرها مع "هيئة تحرير الشام". "أنصار الدين" عبرت عن موقفها المعارض للاتفاق، الأحد، من خلال بيان نشرته حسابات الجماعة في مواقع التواصل الاجتماعي، ورأت فيه أنه "يمثل امعاناً في حرف الثورة والجهاد في الشام ووأداً لهما"، داعية إلى التصدى لهذا "المخطط والاستمرار بالمواجهة في سوريا باعتبارها معركة وجودية".

موقف مشابه عبرت عنه قبل ذلك بساعات جماعة "حراس الدين" التي يقودها كل من أبو همام الشامي، والأردني سامي العريدي، اللذين شكلا هذه "الجماعة"، التي يعتقد أنها قد بايعت رسمياً تنظيم "القاعدة"، من توحيد سبع مجموعات منشقة عن "هيئة تحرير الشام" العام الماضي، ويتجاوز عدد مقاتليها 1000 مقاتل. "حراس الدين" أكدت في بيانها على أن الاتفاق "يُمثّلُ آخر خطوات الاجهاز على الجهاد في الشام والذي بدأ بمناطق خفض التصعيد ولن ينته إلا بتسليم المعارضة سلاحها"، داعية جميع الفصائل إلى التعاون فيما بينها "من أجل افشال هذا المخطط والعودة للقتال من جديد".

وإذا لم تكن تلك المواقف جديدة ومفاجئة، فإن اللافت للانتباه هو اللغة الهادئة التي عبرت بها الجماعتان عن موقفهما، وهو واضح أكثر لدى "حراس الدين"، على اعتبار أن "أنصار الدين" معروفة بتجنبها للصدام غالباً إذ لا ثقل عسكرياً لها يُمكّنها من استخدام لغة أكثر تصعيداً. وذلك على عكس "حراس الدين" التي يتوقع الكثيرون مسبقاً أن تكون رأس حربة ومركز ثقل الجماعات الجهادية التي يمكن أن تعمل على افشال الاتفاق التركي الروسي، على اعتبار أنها تسعى لفرض نفسها داخل خريطة القوى العسكرية في الشمال. وهو ما لم يتح لها تحقيقه منذ الإعلان عن تأسيسها في شباط/ فبراير 2018 حتى الآن.

من الناحية العملية، تبدو تلك التوقعات مبالغاً فيها بالنظر إلى قدرات "حراس الدين" المادية أولاً، والتي تعتبر ضعيفة جداً، وكذلك بالنظر إلى الخبرة التي يمتلكها قادة "التنظيم" الذين لن يكونوا من السذاجة إلى حد الاندفاع نحو مواجهة انتحارية مع فصائل المعارضة الكبيرة وكذلك الجيش التركي الذي يعزز باستمرار تواجده في المنطقة، ولا حتى مع المحيط الشعبي في المنطقة المؤيد تماماً للاتفاق بعد سنوات من الحرب الطاحنة. هذا عدا عن عدم تمكن "حراس الدين" حتى الآن من الاستحواذ على مساحة جغرافية خاصة بها تمكنها من التحصن به.

وعليه، فإن كل ما تنتظره جماعة "حراس الدين"، وكذلك "أنصار الدين" أيضاً، من إعلان رفضهما للاتفاق، هو تسجيل موقف بالدرجة الأولى، خاصة داخل الوسط الجهادي، على الأقل في هذه المرحلة.

بالنسبة لـ"حراس الدين"، فمن المهم جداً أن يتمكنوا من فرض وجودهم بقودة داخل التيار الجهادي، بما يسهم في تدفق الأموال والمقاتلين إليهم، وهو ما كانوا حريصين على الاشارة إليه في بيانهم الأخير، عندما دعوا إلى "التبرع للمجاهدين في الشام بالأموال" و"إلى الانضمام إليهم للمساهمة في استكمال المعركة". الأمر الذين يؤكد امتلاكهم استراتيجية طويلة الأمد، سيكونون حريصين على تنفيذها بهدوء بعيداً عن المعارك المتعجلة والخاسرة في ضوء الظروف الحالية. وذلك على عكس الجماعات الصغيرة المتناثرة هنا وهناك، والتي ستلجأ غالباً للقيام باستفزازات وهجمات عشوائية ما سيسرع بالقضاء عليها.

عدم وجود نية مباشرة لدى "حراس الدين" أو غيرها من التشكيلات الجهادية الأخرى في الشمال، لعرقلة اتفاق إدلب عسكرياً، لا يعني اخراجها من دائراة الحسابات بشكل نهائي، إذ تعي الأطراف القائمة على الاتفاق أو المؤيدة له من الفصائل المسيطرة هناك، أن مثل هذه الجماعات قادرة على إثارة المتاعب في أي وقت. وعلى هذا الأساس، يُمكن فهم تسريب أنباء عن احصاء 400 قيادي ومقاتل يرفضون الاتفاق ويهددون تطبيقه. وهي معلومات، وإن لم تصدر عن جهة رسمية، إلا أن تدوالها يمثل رسالة تهديد غير مباشرة، ليس فقط بالنسبة للقوى الرافضة للاتفاق رسمياً، بل حتى لتلك التي لم تعبر عن هذا الرفض بشكل علني بعد.

وقائمة الرافضين، إلى جانب المجموعات الجهادية الصغيرة، تشمل أيضاً فريقاً داخل "هيئة تحرير الشام" لا ينبع رفضه من جانب ايديولوجي، كما يمكن أن يعتقد البعض، بل خشية من أن يؤدي الاتفاق في النهاية إلى انهاء وجود "الهيئة" بالفعل، حيث يعتبر تفكيكها شرطاً أساسياً بالنسبة لموسكو في اتفاقها مع تركيا. وهو أمر، يرى الفريق الآخر في "تحرير الشام" أنه بالامكان التعامل معه وتجاوزه بطرق متعددة، ومنها تغيير الاسم أو إعادة التشكل في أطر وتكتلات جديدة. لكن الأهم، هو في اثبات "الهيئة" نفسها كشريك موثوق به بالنسبة للأتراك، وكطرف من المهم وجوده واستمراره بالنسبة للقوى الاقليمية والدولية أيضاً، باعتبارها قادرة على ضبط القوى الجهادية الأصغر، وضبط ملف خلايا "تنظيم الدولة" في المنطقة، إذ لا يكاد يمر يوم دون إعلان "تحرير الشام" عن القاء القبض على عناصر من "التنظيم" أو تفكيك خلايا له.

بالنسبة للجماعات الجهادية الأخرى، التي التزمت الصمت حيال اتفاق إدلب، وفي مقدمتها "الحزب الاسلامي التركستاني" وبقايا الأوزباك الذين حافظوا على استقلالهم عن التنظيمات الأخرى، تبدو جميعها خارج دائرة الضوء حالياً، لا بسبب صمتها طبعاً، بل نظراً إلى أنها تمثل في النهاية ملفاً مستقلاً يتطلب تعاملاً خاصاً ومؤجلاً حتى الوصول إلى مرحلة الحل السياسي الشامل للقضية السورية. وبانتظار ذلك، فإن احتواء هذه التشكيلات من قبل "هيئة تحرير الشام" حتى الآن، يجعل من موقف "الهيئة" منسحباً عليها، وبالتالي فإن الجانب التركي لا يجد فيها اشكالية كبيرة في الوقت الحالي.

على المدى القصير، لا يبدو أن أنقرة ستواجه تحديات كبيرة وتهديدات حقيقية في تطبيقها لاتفاق سوتشي حول إدلب مع الروس، أما على المدى المتوسط والبعيد، فإن التهديدات تظل قائمة، خاصة في الملف الأمني، الذي يتطلب جهداً استخباراتياً مكثفاً بالطبع. لكن قبل كل ذلك، يتطلب الحفاظ على هذا النوع المعقد، لكن الضروري، من العلاقة مع "هيئة تحرير الشام" التي تستطيع وحدها تشكيل تهديد حقيقي على اتفاق إدلب. وهو أمر لن تكون "الهيئة" ساذجة إلى حد القيام به، لأن ذلك سيعني مواجهة لن تكون قادرة على الخروج منها. أي أن لكل طرف أسبابه في قبول الآخر، كأمر واقع، طالما أنه لا يهدده. أما بالنسبة للقوى الجهادية الأخرى، فيمكن القول إنها أصبحت بحكم المنتهية عملياً، على الأقل في ضوء هذه المعطيات.