توقف الدعم الدولي: قرار سياسي يعطل خدمات المعارضة

خالد الخطيب
الثلاثاء   2018/08/21
سيؤثر ذلك بشكل سلبي على المعارضة المعتدلة (Getty)
أوقفت الحكومة البريطانية تمويل ودعم معظم برامج المساعدات لجهاز الشرطة الحرة والمجالس المحلية ومنظمات تدعم المجالس المحلية، في مناطق سيطرة المعارضة في ادلب وأرياف حلب وحماة واللاذقية. وتزامن القرار البريطاني مع تطبيق قرار أميركي مشابه، تسبب في توقف الشبكات والمواقع الإعلامية التي كان يدعمها البرنامج الإقليمي السوري "كومينكس" وبعض المنظمات الأخرى. كما شمل الحرمان، أو تخفيض الميزانية إلى حدودها الدنيا، منظمات كانت تحصل على تمويل بريطاني-أوروبي-أميركي مهتمة بالعمل الإنساني والإغاثي في الداخل السوري.

الإعلان البريطاني عن توقف الدعم سبقته إجراءات مستمرة لتخفيض ميزانية عدد كبير من المشاريع التي تنفذها المجالس المحلية في ادلب ومحيطها، وإيقاف مشاريع منذ أوائل العام 2018. الولايات المتحدة كانت قد أوقفت دعم عشرات المشاريع في المنطقة منذ أواخر العام 2017، ومنها بعض المشاريع المشتركة؛ بريطانية-أميركية، لصالح المجالس المحلية.

الدعم الأميركي كان الأكبر من حيث عدد المشاريع وميزانيتها، ما ترك أثراً بالغاً في أداء المجالس، فالدول الأوروبية الخمس الأخرى التي تقدم الدعم، تحل في المرتبة الثالثة بعد الأميركيين والبريطانيين.

وبررت الدول الداعمة إيقاف وتخفيض دعمها على مراحل منذ أوائل 2018، بسبب وجود "حكومة الإنقاذ السورية" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام"، وخطورة التمويل في ظل هيمنتها على المنطقة خوفاً من تسرب الدعم لتستفيد منه "الهيئة". عملياً، كانت "الإنقاذ" سبباً مباشراً في تعطيل بعض المشاريع وإيقاف دعم المجالس المحلية بعدما فرضت سيطرتها على بعض القطاعات في المجالس وتدخلت بشكل مباشر في تشكيلتها، كما حدث في سراقب ومعرة النعمان في ريف ادلب. لكن في الوقت ذاته، لم يكن هناك في ريف حلب سيطرة لـ"الإنقاذ" لتبرير قطع الدعم عن برامج إعادة الاستقرار التي تولاها مجلس محافظة حلب، وكان المشروع مشتركاً بين بريطانيا وأميركا. وليس هناك مبرر مشابه لإيقاف دعم المشاريع والبرامج التي يدعمها البرنامج الإقليمي السوري "كومينكس"، وهي في قسم كبير موجهة للحد من نفوذ التنظيمات المتطرفة كما هو مفترض. فـ"شبكة ادلب بلس الإعلامية" موجهة ضد التطرف.

وكانت الحكومة البريطانية قد أوقفت دفع حصتها من الدعم للشرطة الحرة في كانون الأول/ديسمبر 2017، وهو مشروع "العدالة وأمن المجتمع" المعروف بـ"أجاكس". وقف الدعم حينها كان بشكل مؤقت إلى أن تم التحقق من ادعاءات كاذبة وردت في تقارير إعلامية بريطانية اعتمدت على مراسلين صحافيين يعملون في مناطق النظام، اتهمت فيها الشرطة الحرة بالتعامل مع الفصائل الإسلامية المتشددة، بالإضافة لاتهامها بارتكاب خروق في حقوق الإنسان، والفساد المالي. الدعم عاد بعد فترة وجيزة، لكن الشرطة الحرة ستكون اعتباراً من أيلول/سبتمبر بدون دعم، على خلفية قرار وقف الدعم البريطاني.

رئيس المجلس المحلي السابق لمدينة سراقب أسامة حسين، أكد لـ"المدن" أن عدداً كبيراً من برامج الدعم توقفت تباعاً خلال الفترة الماضية، منها nea وbllc وdt وird، وهي برامج دعم أميركية كان القسم الأكبر من دعمها موجهاً للمجالس المحلية، بالإضافة لبرنامج إعادة الاستقرار srm، وهو برنامج مشترك أميركي–بريطاني، قدم دعمه لمختلف المجالس المحلية في مناطق المعارضة. الدعم الذي كانت تقدمه البرامج الأميركية كان مركزاً بشكل خاص في أربعة مواقع؛ سراقب ومعرة النعمان والأتارب ودارة عزة، وبشكل أقل على بقية مناطق المعارضة.

وأوضح حسين بأن برامج الدعم الأميركية بدأت تخفض ميزانيتها وتوقف مشاريعها منذ الربع الأخير من العام 2017، بعد تدخل "حكومة الإنقاذ" في عمل المجلس المحلي في سراقب، واجتماع رئيس المجلس مع رئيس "حكومة الإنقاذ" محمد الشيخ. وتبع ذلك توقف معظم مشاريع برامج الدعم في المدينة على وجه الخصوص، وبقيت بعض المنظمات الصغيرة تعمل حتى بداية أيار/مايو 2018، عندما تمت تصفية كامل الأعمال بالنسبة للبرامج الأميركية.

وأكد حسين أن الدعم الذي تقدمه دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، محدود جداً، مقارنة بالدعمين البريطاني والأميركي، وهناك برنامج دعم لـ"الحكومة السورية المؤقتة" ما يزال فعالاً حتى الآن. وبالإضافة لقلة الدعم الأوربي هناك جملة من التعقيدات تسبق الحصول عليه.

وأوضح حسين بأن البريطانيين باشروا تخفيض وإيقاف برامج الدعم منذ بداية العام 2018، وبدأ ذلك بشكل فعلي منذ بداية حزيران/يونيو، وشمل برنامج الأمن المجتمعي "أجاكس"، وهو برنامج بريطاني تُشارك فيه الدانمارك وألمانيا وهولندا وكندا والولايات المتحدة الأميركية. واعتباراً من بداية أيلول/سبتمبر يعتبر البرنامج متوقفاً. واعتبر حسين بأن قطع الدعم سيشكل كارثة من حيث توقف دخول القطع الأجنبي والمدخولات الشهرية لآلاف الأسر في مناطق المعارضة. كذلك سيقوي ذلك شوكة التنظيمات المتطرفة ويصب في صالحها.

قائد الشرطة الحرة في حلب العميد أديب الشلاف، أكد لـ"المدن"، بأنهم أُبلغوا من الدول الداعمة لمشروع الأمن المجتمعي "أجاكس" بتوقف دعم المشروع نهاية أيلول/سبتمبر، وقد تم إبلاغهم تباعاً بذلك من قبل بريطانيا والدنمارك وألمانيا والولايات المتحدة.

وأوضح الشلاف أن جهاز الشرطة الحرة في ادلب وريف حلب يضم أكثر من 3500 عنصر شرطة بينهم شرطة نسائية. وسيستمر الجهاز بالعمل على الرغم من انقطاع الدعم، وسيبحث عن مصادر تمويل أخرى. وهناك مشاورات مع الجانب التركي للحصول على دعم يضمن استمرارهم. وقد أبدى الجانب التركي استعداده بشكل مبدئي لكن الأوضاع غير المستقرة في ادلب أثرت بشكل سلبي على الموافقة، وربما يحتاج الأمر مزيداً من الوقت لكي تستقر الأوضاع في ادلب. وقد يتم دعم الشرطة في المنطقة بشكل مشابه لما تم في منطقة درع الفرات في ريف حلب.

وأكد الشلاف أن الدعم الذي كانت تحصل عليه الشرطة الحرة كبير يزيد عن 600 ألف دولار شهرياً، بالإضافة للمعدات واللوازم اللوجستية التي تحصل عليها الشرطة من المشروع.

مسؤول العلاقات العامة في "وكالة ادلب بلس" نسيب عبدالعزيز، أكد لـ"المدن"، أن البرنامج الإقليمي السوري "كومينكس" أوقف دعم الوكالة، وهي وكالة إخبارية تأسست بداية العام 2018، وتركز عملها على ادلب بشكل خاص، ويعمل فيها 25 شخصاً تقريباً، وأضاف: "يبدو أن الولايات المتحدة تريد الخروج من مناطق المعارضة وتلغي أي دور مؤثر لها، وذلك لعدم وجود مكاسب لها كما في مناطق شرق الفرات، وسيؤثر ذلك بشكل سلبي على المعارضة المعتدلة".

قائد الشرطة الحرة في ادلب العقيد علي الزين، قال إن عدد عناصر الشرطة الحرة في ادلب هو 1556 عنصراً، منهم 106 ضباط و307 صف ضباط، و112 من الشرطة النسائية، وعدد المراكز العاملة هي 23، وهناك أربعة مراكز مرور، وجميعها أصبحت بلا دعم اعتباراً من نهاية أيلول/سبتمبر. القرار سيحرم أكثر من 1500 عائلة من مداخيل شهرية، ويحرم المنطقة من الخدمات الأمنية المقدمة.

وأوضح العقيد الزين بأن المؤسسة بكامل إمكاناتها البشرية مستمرة بالعمل برغم توقف الدعم، ولقد كانت هناك تجربة مشابهة سابقاً، فقد بقينا لأكثر من عامين من دون أي دعم، ونعرف أن القرار سياسي، والشرطة الحرة كباقي القطاعات المدنية والخدمية التي منع عنها الدعم بشكل تعسفي ليس لأنها مؤسسات غير فعالة، بل لأن هناك قراراً بإنهائها والقضاء عليها.

الوضع في ادلب بعد توقف الدعم الغربي بات يشبه إلى حد ما الوضع في منطقة "درع الفرات" في ريف حلب، فقد تستفيد المؤسسات والجهات هناك من الدعم التركي قريباً، لكن ذلك يتوقف على استقرار المنطقة ودخولها فعلياً تحت النفوذ التركي. وهناك اجتماع مرتقب بداية أيلول/سبتمبر، سيضم روسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا، وسيكون وضع ادلب في قائمة جدول أعمال المجتمعين، وقد يتم التوصل إلى شكل جديد لدعم المعارضة في المنطقة في حال أريد لها البقاء خارج سيطرة النظام. وفي حال فشلت الجهود لتحقيق ذلك، ربما سنرى دعماً تركياً في ادلب مشابهاً للدعم في "درع الفرات"، يشمل المجالس المحلية والشرطة وغيرها من المؤسسات الخدمية.