هل من تفاهم بين المعارضة وتركيا حول إدلب؟

خالد الخطيب
الإثنين   2018/08/13
تواصل تركيا تحصين نقاط مراقبتها (Getty)
تواصل مليشيات النظام استقدام تعزيزات عسكرية إلى محيط إدلب، كما تواصل استهدافها مناطق سيطرة المعارضة المسلحة في ريف حماة الشمالي وسهل الغاب وجبل التركمان بالمدفعية والصواريخ والمضادات الحرارية، بهدف إفراغ المنطقة وتخويف الأهالي. وتواصل وسائل الإعلام الموالية دعايتها عن اقتراب المعركة الحاسمة في ادلب، وتبالغ في وصف تحضيرات المليشيات للمعركة. في المقابل تبدو المعارضة المسلحة واثقة من إمكاناتها، وعلى علم بالسيناريوهات المحتمل وقوعها على جبهات ادلب، خلال الأيام المقبلة.

عملياً، يمكن القول إن المعارضة نجحت في الجولة الأولى من المواجهات، بعدما ردّت بشكل قاسٍ على مجازر الجمعة التي ارتكبها طيران النظام الحربي والمروحي. وأجبرت المعارضة مليشيات النظام على العودة مجدداً إلى التهدئة. وأبلغت تركيا حينها فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" بوجوب إيقاف القصف، بعد طلب روسي بذلك، ووعدت روسيا بالمقابل بضمان توقف قصف مليشيات النظام جواً وبراً.

خطوات فصائل المعارضة المسلحة في ادلب خلال الأسبوعين الماضيين تسير في الاتجاه المتفق عليه مع الجانب التركي في اجتماع أنقرة الذي عُقدّ في تموز/يوليو، والذي ضم قادة الفصائل في إدلب ومنطقة "درع الفرات" من ريف حلب. خطوات انطلقت من انضمام الفصائل الأربعة الكبرى إلى صفوف "الجبهة الوطنية"، مروراً بالحملة الأمنية التي شنتها الفصائل ضد عرابي "المصالحات" وعملاء النظام في ادلب ومحيطها، وتقسيم المنطقة الى قطاعات تتولى كل كتلة مسلحة متنوعة العتاد الحربي الدفاع عنها، وصولاً إلى الرد بالمثل على خروقات النظام.

وفي موازاة خطوات المعارضة بدا الجيش التركي أكثر تمسكاً بنقاط المراقبة التي أنشأها في ادلب ومحيطها، وواصل إرسال تعزيزاته العسكرية التي انتشرت في مختلف النقاط، وانتهت تقريباً عمليات تحصين وتأمين النقاط، وتم نشر أبراج اتصال وإشارة، وسيتم الانتقال إلى المرحلة الثانية وهي نشر مخافر للجيش التركي في المناطق الفاصلة بين النقاط الكبيرة قرب خطوط التماس. وقد بدأ العمل بالفعل على تجهيز مخافر في قرية التوينة وقرية الشريعة في سهل الغاب شمال غربي حماة.

مصدر عسكري معارض، أكد لـ"المدن"، أن تركيا أخبرت فصائل المعارضة بأنها متمسكة بكامل مناطق سيطرة المعارضة، ولن تتخلى عنها، لكنها في الوقت ذاته ليس بإمكانها الحفاظ على سريان تمديد اتفاق "خفض التصعيد" في ادلب، وهو اتفاق لن يحمها بكل الأحوال من مخططات النظام وحلفائه، معتمدين على نقاط ضعف مناطق المعارضة التي ستستغلها المليشيات. الجانب التركي أكد على ضرورة اتخاذ تدابير رادعة لمليشيات النظام، وعلى  فصائل المعارضة أن تتحمل جزءاً من المسؤولية، فالموقف التركي وحده لا يكفي لإيقاف معركة المليشيات المفترضة، ولابد من وسائل عملية رادعة تقطع على المليشيات الطريق.

وأوضح المصدر بأن تركيا أخبرت الفصائل بأنها مستعدة لإمدادهم بالأسلحة والذخائر بكميات غير محدودة في حال جرت مواجهة مع المليشيات، لكن بشرط تنظيم العمل العسكري في غرفة عمليات واحدة، وبإشراف قيادة عسكرية موحدة والانخراط في صفوف "الجبهة الوطنية"، وتوزيع الجبهات والمناطق على غرف عمليات فرعية تصبح تحت تصرفها.

وجرى الحديث عن إمكانية صمود المعارضة في المعركة في أسوأ احتمالاتها التي قد تكون بتغطية جوية روسية. الجانب التركي أبدى استعداده لتحمل أعباء تأمين إيواء الآلاف من النازحين من المناطق المستهدفة، وسيقع الخيار على عفرين التي شهدت خلال الشهرين الماضيين إنشاء المزيد من المخيمات التي أشرف على إنشائها الهلال الأحمر التركي وإدارة الكوارث والطوارئ التركية "آفاد"، وهي جاهزة لاستقبال أعداد كبيرة من النازحين. في المقابل، يتوجب على المعارضة الصمود لأطول فترة ممكنة في المحاور الطرفية التي قد تشغلها المليشيات كمرحلة أولى من عمليتها. إفراغ المناطق المستهدفة من المدنيين في وقت مبكر قد يساهم في صمود المعارضة.

الجانب التركي سلّم فصائل المعارضة قائمة بأسماء شخصيات ووجهاء محليين في ادلب ومحيطها على تواصل مباشر مع النظام والقوات الروسية، وكانوا في المراحل الأخيرة من التنسيق وتهيئة الظروف المناسبة لدخول المليشيات إلى مناطق ومحاور متعددة، خاصة في محاور ريف حماة الشمالي وسهل الغاب، والمناطق المواجهة لخطوط التماس شرقي وجنوبي ادلب. وبرغم الحملة الأمنية الواسعة التي شنتها المعارضة ضد خلايا المصالحات، وعمليات المتابعة والرصد، إلا أنها لم تتمكن إلى الآن من القضاء عليها بشكل كلي. "الجبهة الوطنية" شنت حملة دهم واعتقالات، الأحد، ضد الخلايا وعملاء النظام في مدينة أريحا جنوبي إدلب، واعتقلت "هيئة تحرير الشام" عدداً من الأشخاص بالتهمة نفسها في قرية جزرايا في ريف حلب الجنوبي.

لدى المعارضة المسلحة فرصة للحفاظ على ادلب ومحيطها في حال تمكنت من الصمود حتى بداية تشرين الأول/أكتوبر، بحسب مصادر المعارضة المطلعة على الموقف التركي. المعارضة رصدت أربعة محاور شهدت تعزيزات ضخمة لمليشيات النظام؛ محور ريف حماة الشمالي، ومحور جبل التركمان، ومحور مناطق غرب أبو ضهور في ادلب، ومحور ضواحي حلب الغربية. ومن المتوقع أن تشغل المليشيات المحاور الأربعة مستفيدة من القصف المكثف جواً وبراً، وفي حال تمكنت من خرق أحد المحاور ستجعله المحور الرئيس للهجوم على ادلب وباقي المحاور ثانوية لتخفيف الضغط. في الغالب، ستشن المليشيات معركتها بعد عيد الأضحى.

وفي هذه الحالة لن تسرع تركيا في تطبيق تفاهمات أستانة الخاصة بوضع "هيئة تحرير الشام" وانتشار وتنظيم السلاح في ادلب، وفتح الطرق الدولية إلا بعد أن يزول خطر مليشيات النظام على ادلب.