حوض اليرموك:سيناريوهات لنهاية حصن "داعش" الأخير

قتيبة الحاج علي
الخميس   2018/07/26
الزج بعناصر "التسوية" في المعركة (Getty)
تواصل مليشيات النظام، بدعم من الطيران الروسي، هجومها على مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" في حوض اليرموك من ريف درعا الغربي، للأسبوع الثاني على التوالي. التقدم الطفيف لقوات النظام على محور واحد فقط، واستماتة التنظيم في الدفاع عن جيبه المحاصر، يؤذنان بطول مدة الحرب، وسط سيناريوهات محدودة، لا يبدو أن أحدها هو إخلاء "الدواعش" نحو أي منطقة أخرى.

وقبيل بدء معركة حوض اليرموك، أعاد تنظيم "الدولة الإسلامية" رسم المشهد الإعلامي والجغرافي للمعركة، فأنهى مسمى "جيش خالد بن الوليد" وانتقل إلى "ولاية حوران" معلناً انتماءه صراحة إلى "الدولة الإسلامية" بعد ما يقارب عامين على تشكيل "جيش خالد". كما شن التنظيم هجوماً على فصائل المعارضة في بلدة حيط وسيطر عليها، ليصبح وادي اليرموك فاصلًا بينه وبين المناطق التي دخلت إليها قوات النظام في ريف درعا الغربي، بموجب اتفاقها مع فصائل المعارضة. وتمدد التنظيم إلى محافظة القنيطرة وسيطر على بلدات وقرى على طول خط وقف إطلاق النار في الجولان المحتل وصولاً إلى بلدة الرفيد.

الطائرات الروسية المساندة لمليشيات النظام بدأت منذ 18 تموز/يوليو، تمهيداً عنيفاً على بلدة جلين وتل الجموع العسكري. وحاولت المليشيات التقدم إلى تلك المواقع انطلاقاً من مساكن جلين ومدينة نوى، لكنها لم تنجح أمام استماتة التنظيم في الدفاع عن المنطقة، واستخدامه الانتحاريين لاستهداف القوات المهاجمة، ما خلف عشرات القتلى من الطرفين دون أي تغيير في خريطة السيطرة.

التحصين المحكم لهذه المنطقة، والخبرة التي اكتسبها "داعش" في الدفاع عنها، على مدار أكثر من عام من صد محاولات تقدم فصائل المعارضة إليها، دفع قوات النظام إلى الانتقال إلى محور آخر؛ المناطق الجديدة التي تمكن التنظيم من التمدد إليها في محافظة القنيطرة، التي تعتبر أسهل، فالمنطقة تكاد تخلو من خطوط الدفاع والتحصينات القديمة، كما أن قوات النظام تملك السيطرة النارية على أجزاء منها بحكم تموضعها على تل الجابية بعدما انسحبت منه "هيئة تحرير الشام". واستطاعت قوات النظام السيطرة على كامل المنطقة التي تمدد تنظيم "الدولة" إليها في معركة لم تستمر أكثر من يومين، ليعود التنظيم إلى خطوط دفاعه الأولى في منطقة عين ذكر ومحمية تسيل.

فشل قوات النظام في السيطرة على تل الجموع، ونجاحها بإعادة "داعش" إلى أطراف بلدة تسيل، يضع المعركة أمام سيناريو حصار تل الجموع من خلال السيطرة على بلدة تسيل، وهو السيناريو الأقرب للتطبيق من قبل قوات النظام خلال الساعات والأيام المقبلة، بعدما نفذت تمهيداً عنيفاً على بلدة تسيل، حوّلها إلى بلدة مدمرة بالكامل. الدخول إلى البلدة من دون اقتحام تل الجموع يضع قوات النظام في مرمى نيران "الدواعش" الذي يتحصنون في التل، إلا إذا أعادت قوات النظام محاولة اقتحام التل مرة أخرى.

النجاح المفترض لسيناريو هجوم قوات النظام على تل الجموع، يعني أن الجبهة الشرقية لحوض اليرموك باتت أقل تحصيناً، ما سيدفع قوات النظام للهجوم على محاور بلدتي جلين وعدوان. وإذا ما تمّ ذلك، فسيفتح الطريق إلى بلدتي سحم الجولان وحيط، وبالتالي السيطرة الكاملة على "حوض اليرموك الخارجي"، وإعادة "داعش" إلى مواقع سيطرته ما قبل شباط/فبراير 2017.

الخطة البديلة التي قد تنفذها قوات النظام، هي التقدم من بلدة تسيل، في حال نجاحها بالسيطرة عليها، باتجاه بلدتي الشجرة ونافعة، وبالتالي قطع معظم طرق الربط بين مناطق حوض اليرموك، والدخول إلى عمق مناطق سيطرة التنظيم. ما يمهد لسيطرة قوات النظام شبه الكاملة على المنطقة، وانحسار سيطرة التنظيم في قرى صغيرة على الشريط الحدودي مع الأردن وإسرائيل. ومن المتوقع أن تكون المعركة شرسة للغاية، وقد تتحول إلى حرب شوارع في بلدة الشجرة.

التحدي الأكبر الذي يواجه قوات النظام أن "داعش" محاصر بالكامل داخل حوض اليرموك، ما قد يدفع عناصره لإبداء شراسة أكبر في المواجهة، ويطيل من المعركة ويضاعف من الخسائر البشرية والمادية، في تكرار مماثل لأحداث أحياء الجنوب الدمشقي قبل أسابيع، قبل أن يقرر الطرفان إنهاء المعركة وإخلاء "داعش" إلى بادية السويداء الشرقية. سيناريو لا يبدو متاحاً لمقاتلي حوض اليرموك. ففرضية الإخلاء إن كانت واردة، فقد انتهت مع الهجوم الشرس الذي نفذه التنظيم على السويداء انطلاقاً من باديتها الشرقية. ولجوء النظام إلى إخلاء مقاتلي حوض اليرموك نحو البادية، قد يتسبب بموجات غضب داخل المحافظة التي فقدت أكثر من 250 من أبنائها خلال يوم واحد من مجازر التنظيم.

لذلك، يبدو أن النظام سيلجأ في هذه المرحلة إلى مواصلة المعركة، والزج بعناصر "التسوية" من أبناء محافظة درعا في المعركة للتقليل من خسائره البشرية، بينما يملك تنظيم "الدولة" خيارات محدودة قد تتلاشى مع أي تقدم يحققه النظام في المنطقة. فالحفاظ على تل الجموع ومنع وصول المعارك إلى بلدة الشجرة، مركز حوض اليرموك، يبدو أولوية التنظيم للحفاظ على وجوده في المنطقة.

ولا يمكن استبعاد أن تعلن قوات النظام، فجأة، سيطرتها على كامل حوض اليرموك، وأن يختفي مقاتلو "داعش" منه. فجغرافية المنطقة ما زالت تتيح لتنظيم "الدولة" الانسحاب على شكل مجموعات صغيرة، عبر وادي اليرموك إلى بلدات ريفي درعا الغربي والشمالي الغربي، والتي تخضع لاتفاقيات "التسوية"، ثم الانتشار في المنطقة على شكل خلايا نائمة. وتعزز هذه الفرضية ما أعلنته وكالة "أعماق" التابعة للتنظيم، الأربعاء، عن مقتل عنصرين من قوات النظام بأعيرة نارية في مدينة جاسم، ما يشير إلى أن انتشار خلايا تنظيم "الدولة" قد بدأ فعلاً.