من سوريا إلى غروزني.. الإجلاء السري الكبير

المدن - عرب وعالم
الأحد   2018/07/15
AFP - أرشيف ©
تدرك أمينة (اسم مستعار) أنها خاضعة للرقابة منذ عودتها من سوريا في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 من قبل عائلتها الشيشانية. هذه المرأة البالغة من العمر 33 عاماً، كانت منفية في هولندا منذ عام 1999، ولم ترصد من طرف جهاز الأمن الفيدرالي الروسي لعشرين سنة، لكن قبل أسابيع استدعيت لتخضع للاستجواب تحت جهاز كشف الكذب، بعد أن أعادها الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، الذي يحكم المنطقة بيد من حديد، إلى الشيشان.

تقول أمينة التي تسكن مع خمسة من أبنائها- اثنين آخرين في هولندا- في شقة صغيرة تستأجرها إحدى عماتها في العاصمة الشيشانية غروزني، إنه منذ دخولها إلى المناطق الكردية في سوريا في سبتمبر/أيلول 2017، ومعظم أفراد عائلتها الشيشانية يتجنبون رؤيتها. تستمر في الشرح وهي ترتدي عباءة سوداء "كوني جزءاً من سوريا يجعلني خطرة، ناهيك عن أن زوجي السابق يحمل الجنسية التونسية وليس الشيشانية، وهذا مأساوي أكثر".


غادرت أمينة هولندا إلى تركيا عام 2015 بقصد إجراء عملية جراحية بسيطة للعين؛ ذلك كان موضع شك بالنسبة للسلطات الشيشانية. وفي تركيا، التقت بزوجها قبل أن تقرر الانضمام إليه في سوريا "بعد إغراءات بالوعود الكاذبة"، وتقول إن زوجها رفض القتال مع تنظيم "داعش"، وسجنه التنظيم لهذا السبب.

شهر سبتمبر/أيلول عام 2017، كان بداية نهاية قصة أمينة في سوريا، حيث قضت شهراً تتجول مع أطفالها في مناطق خاضعة لسيطرة "الدولة الإسلامية"، ليتم اعتقالها في ما بعد لمدة شهر في أحد السجون الكردية "في ظروف مروعة" كما تصفها. وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني استقلت حافلة استأجرتها السلطات الشيشانية لنقل أمينة وبعض النساء والأطفال الناطقين بالروسية الذين كانوا معتقلين في قاعدة حميميم العسكرية الروسية في الساحل السوري، وتم إعادتهم إلى الشيشان على متن طائرة لسلاح الجو الشيشاني إلى غروزني.

"نحن لا نعتني بالرجال، ومعظمهم، على أي حال، قد ماتوا".. هذا الاقتباس رفعته خيدا ساراتوفا، المدافعة السابقة عن حقوق الإنسان، إلى رمضان قديروف، الذي أمر بإنشاء برنامج إعادة "نساء وأطفال داعش" إلى الوطن. ومنذ 25 أغسطس/آب 2015، نظم البرنامج تسع رحلات إجلاء من العراق وسوريا، ضمت بين 90 و100 امرأة وطفل، ووفقاً لمصادر، فإن معظم هؤلاء من روسيا، ولكن أيضاً من بلدان أخرى من الاتحاد السوفياتي سابقاً. وكان قاديروف قد أعلن عن وصول طائرة إلى غروزني، في 14 نوفمبر/تشرين الثاني، تحمل 41 شخصاً، من بينهم 7 مواطنين من كازاخستان وأوزبكستان.

مبادرة قديروف
رغم أن الأرقام ليست كبيرة نظراً لعدد الناطقين بالروسية، الذين يشتبه بانضمامهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة "الدولة الإسلامية" والجماعات الجهادية في الشرق الأوسط، إلا أن الأرقام تشير إلى نحو 3 آلاف شخص على أقل تقدير. تلقى مكتب خيدا في غروزني ألفي إلتماس من العائلات التي تبحث عن أفراد أو أقرباء غادروا إلى سوريا أو العراق. في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، تحدث النائب اليزيدي العراقي فيان الدخيل عن وجود "512 إمرأة روسية و200 إمرأة اذربيجانية" في العراق وحده.

ويعتبر هذا البرنامج الوحيد من نوعه الذي قامت به إحدى الدول المتضررة من انضمام أفراد إلى التنظيم المتطرف، فعلى سبيل المثال أغلب الدول الأوروبية حذرة ومترددة بشأن مسألة العائدين. وأقيمت لهذا البرنامج دعاية كبيرة، عدّته ناجماً عن دوافع واعتبارات إنسانية، حيث تضمنت تلك الدعايات صوراً للأسر يحملون لافتات كتب عليها "شكراً رمضان وفلاديمير بوتين"، أثناء استقبال الطائرات التي تحمل "العائدين المعتقلين" من سوريا.

الرجل السوري-الشيشاني الرئيسي في خطة الإجلاء هو زياد سبسبي (محرر المدن: زياد سبسبي، سيناتور روسي من مواليد مدينة حلب عام 1964، يعتبر وكيل أعمال لروسيا والشيشان في سوريا، كما أنه العقدة الأبرز في عمليات إجلاء الشيشان المنضمين لداعش في سوريا). يرفض سبسبي الحديث عن عمليات الإجلاء- (يعتبر الجسر الجوي الذي ينقل عبره نساء وأطفال مقاتلي داعش الشيشان من سوريا من أكثر العمليات سرية وتعقيداً)- موضحاً أن تصريحه العلني يمكن أن يعيق العملية.

في عام 1989 وصل سبسبي إلى الشيشان وحصل على الجنسية الروسية بعد ذلك بعامين، وكان يعمل مع الرئيس الشيشاني المؤقت دجوكار دوداييف. بعد هزيمة واغتيال دوداييف من قبل جماعة قديروف، غادر إلى موسكو ليصبح سيناتوراً ممثلاً عن المنطقة في عام 2008.

يؤكد ديبلوماسي روسي أن موسكو قررت دعم برنامج قديروف لإجلاء المواطنين الشيشان. وتقول خيدا ساراتوفا، إن "الأمر كله يتعلق بسلطة رمضان الشخصية". والمفارقة، أن هذه الخطة تتناقض مع الخط التقليدي المتشدد الذي يتبناه الزعيم الشيشاني المتسلط، الذي لم يتردد حتى الآن في تدمير منازل أقارب الجهاديين المقاتلين في الشيشان أو في أجزاء من الشرق الأوسط.

في الواقع، يتوافق هذا البرنامج مع الصورة التي يسعى قديروف لرسمها حوله، وهي أنه زعيم المسلمين في روسيا (بين 13 في المئة إلى 15 في المئة من إجمالي تعداد السكان) وجسر الوصل بين روسيا والعالم العربي. رمضان قديروف "يحلم بأن يكون أحد قادة العالم الإسلامي"، تشرح الأكاديمية مارلين لارويلي. ويظهر هذا الطموح بشكل خاص على الأراضي السورية، حيث يمكن أن تظهر غروزني فائدتها لموسكو.

يعمل الشيشانيون أحياناً في سوريا كوسطاء بين المجموعات المتنافسة، ويطورون قنواتهم الخاصة لتقديم المساعدات الإنسانية، ويلعبون دوراً تكميلياً للجيش الروسي، بما في ذلك وحدات الشرطة العسكرية. كما تمكن برنامج الإجلاء الذي أنشأه قديروف من السماح للأجهزة الروسية بالحفاظ على الاتصالات مع المقاتلين الجهاديين من خلال زوجاتهم، وأحياناً استخدامهن كأدوات ضغط.

سيطرة متفاوتة
آخر رحلة معروفة وصلت إلى غروزني، يعود تاريخها إلى شهر فبراير/شباط، حيث تم إجلاء 27 طفلاً و4 نساء من العراق، ويبدو أن إجلاء المزيد توقف منذ ذلك الحين. في 1 يونيو/حزيران، أعلن قديروف عن عودة 94 طفلاً من العراق، بمن فيهم أولئك الذين حوكمت أمهاتهم فترة طويلة في بغداد.

بالنسبة للجانب العراقي الوضع أخذ بالتغير، مع المزيد والمزيد من المحاكمات بحق المواطنين الأجانب الذين اعتقلوا على أراضيه. وفي 30 أبريل/ نسيان، حكم على 19 امرأة روسية الجنسية بالسجن مدى الحياة. أما بالنسبة لأولئك الذين ولدوا خارج روسيا، تكون العملية أطول.

خيدا ساراتوفا تقر بوجود مشكلة "من جانبنا أيضاً"، نظراً للطبيعة الارتجالية لخطة الإجلاء، وهو ما يؤكده أيضاً الخبير الكازاخي ايرلان كارين، الذي يشير إلى أن "عملية المتابعة ومكافحة التطرف لا تتم بشكل منهجي".

فرض السيطرة على النساء العائدات من الشرق الأوسط تبدو متفاوتة في المنطقة؛ فبينما لا يوجد برنامج واضح لمكافحة التطرف في غروزني، عملية المراقبة تبو أكثر مرونة في أجزاء أخرى من الاتحاد الروسي، مع استثناء واحد ملحوظ: داغستان، جمهورية الشيشان- أكبر مزود للجهاديين الروس- تحاكم النساء بالسجن، رغم الضمانات التي تعطى لهن مقابل عودتهن إلى الوطن.

نشر هذا التحقيق للمرة الأولى في صحيفة "لوموند" الفرنسية، وترجمه "المدن" إلى العربية