النظام يحشر عشائر السويداء في "فوهة المدفع"

يامن الشوفي
الثلاثاء   2018/07/10
(المدن)
يترقب أكثر من 10 آلاف من أبناء عشائر بدو السويداء النازحين في درعا معرفة مصيرهم خلال المفاوضات بين الجانب الروسي والنظام وبين المعارضة المسلحة وأهالي درعا.

وكان ريف درعا الشرقي ومنطقة اللجاة، قد تحول الى ملجأ لأكثر من 15 ألفاً من أبناء عشائر بدو السويداء، ومعظمهم من أبناء البادية ووريف السويداء الشمالي الشرقي؛ الأصفر وأشيهب والساقية والقصر ورجم الدولة وخربة صعد وشنوان وعليّا، ممن نزحوا عن مناطقهم، خلال السنوات الماضية، بفعل عمليات تنظيم "الدولة الإسلامية" والنظام. كما أن قسماً من أبناء العشائر المنحدرين من أحياء مدينة السويداء؛ الحروبي والبرغشة والزيتونة والمقوس، ومن بلدتي عرى وعريقة، ومن مدينة شهبا، قطن في درعا بإرادته، في حين تمّ تهجير قسم آخر بفعل المليشيات الموالية للنظام في السويداء كما حدث مع عشيرة الحواسنة التي كانت تقطن بلدة عريقة حتى العام 2013.

وبعد هجوم النظام الأخير على ريف درعا الشرقي ومنطقة اللجاة لم يختلف حال أبناء عشائر السويداء عن أبناء محافظة درعا وعشائرها؛ إذ هرب القسم الأكبر منهم باتجاه الحدود السورية الأردنية تخوفاً من بطش النظام، في حين عاد حوالي خمسة آلاف منهم عبر طرق التهريب إلى محافظة السويداء، خصوصا أبناء أحياء مدينة السويداء وبلدة عرى ومدينة شهبا. وتعرض هؤلاء لانتهاكات واسعة من قبل مليشيات النظام وأجهزة المخابرات أثناء دخولهم المحافظة، أهمها عمليات السلب والخطف والاعتقال.

القسم الأكبر من أبناء بادية السويداء الشمالية الشرقية، أي ما يقارب 10 آلاف شخص، بقي في درعا، ومكث نازحاً لـ6 أيام على الحدود السورية الأردنية، عانى خلالها ظروفاً معيشية مآساوية. وفي 6 تموز/يوليو، وبعد انتهاء جولة المفاوضات السادسة بين وفد المعارضة والوفد الروسي، بدأت رحلة العودة إلى مدينة بصرى الشام وبعض القرى شرقي الاوستراد الدولي في درعا.

وحاول النظام إبرام "تسوية" منفصلة مع أبناء عشائر السويداء النازحين إلى درعا. وعُقد اجتماع في مدينة بصرى الشام بين بعض وجهاء عشائر السويداء مع ضباط من قوات النظام، طرح فيها النظام عودة العشائر إلى قراهم في بادية السويداء الشمالية الشرقية بشرط انضمام ابنائها إلى مليشيات النظام في المنطقة وقتال تنظيم "داعش" الناشط هناك. كما اشترط النظام تسليم المنشقين العسكريين والفارين لأنفسهم، والعودة للخدمة الإلزامية في قطعهم العسكرية التي انشقوا عنها. وقوبل هذا العرض بالرفض من وجهاء العشائر، لعوامل عديدة.

أحد الوجهاء قال لـ"المدن"، إن أبرز أسباب رفضهم عرض النظام هو تخوفهم من تنظيم "داعش" الذي هجّرهم من المنطقة، والخسائر الفادحة التي سيتعرضون لها في حال قرروا قتاله. فالنظام لم يتمكن من هزيمة التنظيم في المنطقة، حتى اليوم. كما أن معظم أبناء العشائر هم من رعاة الماشية، وبادية السويداء حالياً تعتبر منطقة خطرة لا يصلح العمل فيها، نظراً للأوضاع الخطيرة هناك وتواجد التنظيم فيها.

وفي 8 تموز/يوليو، التقى الوجهاء مجدداً مع وفد روسي في مدينة بصرى الشام، وطرحوا قضاياهم، فأبلغهم الجانب الروسي بالبقاء ضمن مناطق تواجدهم في محافظة درعا حالياً، مقابل الخضوع لشروط الاتفاقية المبرمة مع فصائل وأهالي محافظة درعا، ليتم النظر في مستقبلهم لاحقاً بعد طرد "داعش" من بادية السويداء، وإعادتهم إلى قراهم حينها بـ"ضمانة" روسية. الأمر الذي وافق عليه وجهاء العشائر، بعدما أكد لهم الجانب الروسي أن بادية السويداء ستشهد عملاً عسكرياً جديداً، في الفترة المقبلة، من دون تحديد مدة زمنية واضحة، للقضاء على "داعش".

ورغم الوعود والتطمينات الروسية لأبناء عشائر السويداء، يبقى معظمهم متخوفاً من مصير مجهول. فمأساتهم بدأت منذ العام 2014 مع سيطرة "داعش" على مناطقهم، وفرارهم منها باتجاه درعا. وقد عاد قسم كبير منهم مطلع العام 2017 بعد طرد فصائل المعارضة المسلحة لـ"داعش" من قراهم. مأساة التهجير تكررت مجدداً عندما هاجمت قوات النظام المعارضة في مناطقهم صيف العام 2017، وطردتهم منها، ومنعتهم من العودة إليها، لتصبح قراهم ثكنات عسكرية.

قوات النظام كانت قد أطلقت هجوماً عسكرياً على مناطق سيطرة "داعش" شرقي السويداء، مطلع حزيران/يونيو، تعرضت خلاله لخسائر فادحة في الأرواح والعتاد. وفي منتصف حزيران تمكنت من التقدم والسيطرة على مساحات واسعة في البادية، قبل أن تعود وتنسحب بشكل مفاجئ من المناطق التي تقدمت إليها، بعد نقل القوات المشاركة في العملية باتجاه درعا. فاستعاد التنظيم السيطرة على معظم أرجاء البادية. تلك التناقلات بين القوى المسيطرة على المنطقة باتت تثير مخاوف أبنائها، خاصة مع انسحاب النظام ثم طرحه عليهم العودة للبادية بشرط قتال التنظيم. وكأن النظام يريد حشرهم في "فوهة المدفع"، بحسب اعتقاد بعضهم.