تركيا تترقب أداء أردوغان

عائشة كربات
الأربعاء   2018/06/27
حزب "الشعب الديموقراطي" بحاجة لمخاطبة جميع الشرائح لتحسين حصته (Getty)
تطلب الأم من ابنتها ذات الثلاث سنوات أن تلوح بالعلم التركي بقوة "فهذا نصرنا". تفعل الفتاة الصغيرة ذلك وهي تنظر بارباك إلى الجموع الغفيرة التي تجمعت في الشوارع المحيطة بالمقر الرئيسي لحزب "العدالة والتنمية" في إسطنبول بعد الانتخابات.

تلوح الفتاة بالعلم سعيدة، لكنها لا تدري ما يدور حولها، وما هي هذه الأغنية التي ينشهدها المتجمهرون للرئيس الفائز رجب طيب أردووغان. المشهد هنا احتفالي بامتياز، السيارات تطلق أبواقها، والأهالي أحضروا معهم أطفالهم. تقاليد الاحتفال تتضمن أيضاً إطلاق إشارة "رابعة" لكن أردوغان يستعملها بمعنى "أمة واحدة، علم واحد، بلد واحد، دولة واحدة".

ربح أردوغان الانتخابات كرئيس لكن حزبه "العدالة والتنمية" خسر أغلبيته البرلمانية. والآن يحتاج إلى دعم حزب "الحركة القومية" الذي شكل معه تحالفاً انتخابياً. لكن هذا الدعم لن يكون سهلاً، كما أنه ليس مضموناً. ففي أول تصريح بعد الانتخابات قال رئيس الحزب دولة بهجت لي أشار إلى أن الخطوة الأولى في العهد الجديد هي تأكيد "التحقق والتوازن"، وهذا ما يعني أن لا دعم أوتوماتيكياً لأردوغان.

الحزب القومي الآخر حزب "الخير" الذي أقام تحالفاً انتخابياً مع أحزاب معارضة، حصل على 10 في المئة من أصوات الناخبين، أي أقل بـ2 في المئة فقط من حزب "الحركة القومية"، وهذا يشكل ارتفاعاً في حصة القوميين من الأصوات، تعود أسبابه إلى الأوضاع في سوريا، وأداء الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة وألمانيا. بالنسبة للقوميين الأتراك، الوضع في سوريا يشكل تهديداً وجودياً لتركيا.

وصوت القوميون الذي يعتقدون أن حزب "العدالة والتنمية" له يد في ما يحصل في سوريا، لصالح حزب "الخير"، فيما الذين لا يكترثون بهذه المساهمة صوتوا لصالح "الحركة القومية". لكن الطرفين، إضافةً إلى العديد من الأتراك، غاضبون من تزويد الولايات المتحدة للسوريين الأكراد التابعين لحزب "العمال الكردستاني"، بالسلاح. ألمانيا أيضاً، التي تؤمن اللجوء لأعضاء في منظمة "غولن" التي تعتبر مسؤولةً عن الانقلاب الفاشل عام 2016، تثير غضب الأتراك.

في المقابل، لا يمكن اعتبار حزب "الشعب الديموقراطي"، وهو حزب المعارضة الرئيسي، رابحاً على الاطلاق، لكن الأيام ستظهر ما إذا كان يُعتبر خاسراً. لقد انخفضت حصته في البرلمان من 25 في المئة إلى 22 في المئة، رغم أن مرشحه للرئاسة محرم إنجه نال 30 في المئة من أصوات الناخبين، بعدما استهدف كل شرائح المجتمع التركي، مؤكداً أن حظر الحجاب في تركيا لن يعود، وواعداً بأن كل الدعم الذي أمنه "العدالة والتنمية" للاقتصاد سيستمر وسينمو أيضاً، كما وعد الأكراد بحل قائم على المساواة للمسألة الكردية.

لكن حزبه "الشعب الجمهوري" لم يكرر وعوده. لو أن الحزب يتعلم الدرس ويدرك أهمية مخاطبة جميع شرائح المجتمع بما فيهم ناخبو "العدالة والتنمية" والأكراد، فإن نتيجته في الانتخابات ستتغير حتماً، وهو ما يبدو أنه لن يحصل. فبعد الانتخابات مباشرة صرح أحد نواب الحزب أن "كل أولئك الذين لديهم مشاكل اقتصادية وصوتوا للعدالة والتنمية، عليهم أن ينخروا الجسور، ويلحسوا ثلاجاتهم الفارغة"، في إشارة إلى خطاب لأردوغان قال فيه إن الأتراك لم يكونوا يملكون ثلاجات قبل وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة منذ 16 عاماً بسبب عدم توفر الكهرباء.وهو تقدير غير صحيح.

ويمكن أن يساعد النجاح النسبي والفردي لإنجه، حزبه لفهم ضرورة الإصلاح داخل "الشعب الديموقراطي" والحاجة الكبيرة للتواصل مع مختلف شرائح المجتمع التركي، بمن فيهم الأكراد. وقد برهن حزب "الشعوب الديموقراطي" الكردي، الذي لامس نسبة الـ10 في المئة، أن عشر المجتمع التركي على الأقل يؤيد الاعتراف بالهوية الكردية. لكن هذا أمر صعب جداً بالنسبة إلى رئيس يحتاج إلى دعم القوميين.

يعتقد القوميون أن الاعتراف بالهوية الكردية في تركيا وفي سوريا أيضاً، يشكل تهديداً وجودياً. هذا قد يعني التصعيد في العمليات العسكرية ضد الأكراد، ولو على حساب مزيد من التدهور في العلاقات بين أنقرة وواشنطن. إنهم على استعداد للتحالف مع نظام الأسد، طالما أن النظام حلفاءه مستعدون لمساعدة تركيا في التخلص مما يعتبره القوميون "تهديداً". ومن نافل الكلام القول إنهم ليسوا مستعدين لتلبية طلبات الاتحاد الأوروبي، طالما أنهم يعتبرون أن هذه الطلبات توجه إلى "تركيا ضعيفة".

هذه الانتخابات، هي الانتخابات الأولى لنظام جديد يزود الرئيس بسلطات تنفيذية واسعة، يمكن لأردوغان استخدامها لإحداث توازن مع القوميين، ومنع الاستقطاب في المجتمع التركي، كما وعد في كل انتخابات سابقة، وإلا فإن الخاسر الحقيقي في الانتخابات سيكون المواطن التركي.