"جيش الاسلام": سؤال المصير بعد الهجرة إلى الشمال

عقيل حسين
الأربعاء   2018/05/30
لم يتأخر "الجيش" بمد يد الصلح لـ"فيلق الرحمن" (المدن)
اختار "جيش الاسلام" منطقة "درع الفرات" في ريف حلب الشمالي الشرقي وجهة له، بعد خروجه الاضطراري من الغوطة الشرقية بريف دمشق. خيار كان اضطرارياً أيضاً، بعدما أصبحت الخيارات أمام جميع المعارضين المغادرين لأراضيهم ضيقة ومحدودة، بين ريف حلب ومحافظة إدلب. وبينما لم يجد الآخرون أي حرج في اختيار إحدى الوجهتين في الشمال السوري، كان "جيش الاسلام" الأكثر عناءً في اختيار أي منهما.

إدلب تبدو منطقة مستحيلة بالنسبة لـ"الجيش" الذي يجمعه عداء مستفحل مع "هيئة تحرير الشام" المسيطرة على المدينة وبعض ريفها، بينما تخضع منطقة "درع الفرات" في ريف حلب للإرادة التركية في النهاية، وأنقرة هي المنافس اللدود للسعودية، التي تعتبر الداعم الرئيس لـ"جيش الاسلام"، على الأقل حتى مغادرة معاقله، في دوما وما حولها، في نيسان/ابريل 2018.

وجود غير مرغوب به لـ"جيش الإسلام" في منطقة نفوذها الرئيسي، هذا ما عبرت عنه تركيا منذ اللحظة الأولى لوصول الجيش، الذي طالما خاض مواجهات دامية مع حليفها وشريك "جيش الاسلام" في الغوطة الشرقية سابقاً "فيلق الرحمن". "الجيش" وجد ملاذاً له في النهاية في منطقة "درع الفرات"، ولكن بعد مفاوضات فرضت على قيادته شروطاً كان على رأسها، نزع سلاح عناصره، والبدء بإعادة ترتيب صفوفه تحت رقابة تركية، تريد أن تضمن احتواء هذه القوة، التي وصل منها إلى الشمال ما يقارب 2000 مقاتل.

شروط لم تتأخر قيادة "جيش الاسلام" بالقبول بها، مثلما لم تتأخر بمد يد الصلح لـ"فيلق الرحمن"، الذي حطت به الرحال هو الآخر في المنطقة ذاتها، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول واقع "جيش الاسلام" ومستقبله، على الصعيدين العسكري والفكري.

عسكرياً لا تبدو الأمور معقدة جداً على الرغم من صعوبتها، إذ تثار الكثير من الشكوك حول قدرة "الجيش" على الحفاظ على ما تبقى من قواته، وإعادة تجميعها وتنظيمها كما كان عليه الحال في معقله الأساسي. ترافق ذلك مع الحديث عن تذمر ظهر، وإن بدرجات، بين عناصر "الجيش" تجاه قيادته، لأسباب تتعلق بالهزيمة العسكرية التي كانت ناتجة عن سوء الإدارة السياسية للمعركة من جهة، ومن جهة أخرى، بسبب عدم قدرة هذه القيادة على تلبية احتياجات مقاتليها وأسرهم، وكذلك العائلات التي كانت تعيش في منطقة سيطرتهم إبان رحلة الخروج حتى اليوم. وحاولت قيادة "الجيش" مؤخراً إصلاح الواقع الصعب على هذا الصعيد، بعد التقائها بالمقاتلين وممثلين عن أهالي دوما، وتقديمها بعض المعونات المادية لهم، مع وعود بالأفضل لاحقاً.

محاولات ووعود لا تبدو كافية للحكم بإمكانية النجاح الكامل في النهاية، خاصة وأن قيادة "الجيش" ذاتها تحتاج على ما يبدو لوقت هي الأخرى من أجل إعادة هيكلة نفسها، بعد استقالة الممثل السياسي للفصيل محمد علوش، الأمر الذي تسبب بتصاعد الحديث عن اتساع دائرة عدم الانسجام داخل هذه القيادة. وهي أزمة أراد قادة "جيش الاسلام" نفيها، من خلال حضورهم جميعاً اللقاءات مع مقاتليهم ووجهاء منطقتهم الواصلين إلى ريف حلب الشمالي.

لكن حتى وإن كان الحديث في هذه النقطة مبالغاً به، إلا أن مشكلة غياب القائد الكاريزمي بدأت تظهر لدى "جيش الاسلام"، كما هو واضح، منذ مقتل مؤسس الفصيل وقائده زهران علوش، في أيلول/سبتمبر 2015، وهو الذي كان يمثل بكل تأكيد، محور تماسك "جيش الإسلام" وقوته، هذه الشخصية الفريدة التي لم يكن من السهل ملء الفراغ الذي خلفته، وهي نقطة مهمة تصعّب اليوم من مهمة الحفاظ على "الجيش"وعدم تفككه.

لكن أن ينفرط عقد "جيش الإسلام" ويتفكك، هو أمر لن يكون محل أسف الكثير من المسيطرين على منطقة "درع الفرات"؛ لا تركيا ولا الفصائل على الأرض، بما فيها تلك المحبة لـ"الجيش" والمعجبة بتجربته العسكرية وموقفه من تنظيمي "القاعدة" و""داعش"، وهذا يشمل الغالبية العظمى من فصائل المنطقة. جميع تلك الأطراف تعتبر ولا شك، أن الحل الأمثل بالنسبة لهم، هو أن يتوزع مقاتلو "الجيش" ويذوبوا في صفوف الفصائل. بل إن السعي لاستقطاب هؤلاء المقاتلين من جانب بعض القوى العسكرية في المنطقة قد بدأ بالفعل، على الرغم من وجود تساؤلات حول امكانية انسجام هؤلاء العناصر داخل فصائلهم الجديدة، إن حصل، تأسيساً طبعاً على تمايز "جيش الإسلام" الفكري.

وبينما يغيب، منذ البداية، الطابع الإيديولوجي لدى فصائل الجيش الحر، لصالح التدين التقليدي والانتماء للفضاء السني العام، وبينما انخفضت بمرور الوقت حدة الضخ الإيديولوجي لدى الفصائل الإسلامية الأخرى، لا في منطقة "درع الفرات"، وحسب، بل وفي مختلف الأراضي السورية خلال العامين الفائتين، فإن"جيش الإسلام" وعلى الرغم من كل ما أظهره خلال العامين الماضيين من مؤشرات على التخفف من الحمولة الفكرية المتمايزة، إلا أنه بقي عاجزاً عن مغادرة هذه الدائرة تماماً. وهو عامل مرتبط على الأغلب بتمكن "الجيش" من المحافظة على مناطق نفوذ خالصة له في الغوطة الشرقية طيلة الوقت، قللت من احتكاكاته مع الآخرين، إلا السلبية منها، وهو أمر يرى البعض أنه لعب دوراً إيجابياً في تماسك "جيش الاسلام" وصموده العسكري طيلة وقت الحصار الذي فرض على الغوطة، وقد ظهر أثره بشكل أكبر خلال فترة الهجوم الواسع وغير المسبوق في أي مكان آخر، الذي شنته قوات النظام وحلفائها على مناطق سيطرة "الجيش" في النهاية. كما أسهم ذلك من قبل في منع اختراق القوى الأشد تطرفاً لـ"الجيش"، بل وساعدته في مواجهة هذه القوى عسكرياً كما لم يحدث لدى أي فصيل آخر.

اليوم، ومع انتقال ما تبقى من "جيش الاسلام" إلى منطقة أخرى، تموج بمختلف ألوان الطيف الفكري الإسلامي، وبحكم التطورات الأخيرة، فإن من المنطقي اعتبار هذه التطورات عوامل ستساعد على تخلى منظومة "الجيش" بالمجمل عن التمايزات الفكرية المتعالية، لصالح الانخراط في البيئة الجديدة والانسجام معها، كما هو حاصل بالفعل مع بعض القوى الإسلامية العاملة في منطقة "درع الفرات"، وعلى رأسها "حركة أحرار الشام الإسلامية".

وعليه، لا يتوقع أن يكون الملف العسكري حاضراً في النهاية إلا على نطاق ضيق ومحدود بالنسبة لـ"جيش الاسلام" في معقله الجديد، حيث المنطقة باردة عسكرياً في الوقت الحالي وعلى المدى المنظور. وبالتالي، فإن الحديث عن امكانية حفاظ "الجيش" على قوته وقواه العسكرية في ريف حلب الشمالي، على الرغم من أنه ما زال يمتلك الخبرات والقدرات اللازمة، لن يكون مهماً بالنسبة لقيادته، بقدر أهمية الحديث عن قدرتها على الحفاظ على ثقل "الجيش" واسمه سياسياً وعسكرياً، والحفاظ على كتلته اجتماعياً وثقافياً، بما يتيح لها البقاء معبرة عن فئة لا يمكن تجاوزها.

بالنسبة للجانب التركي، لا يتوقع أن يمثل له الجانب الفكري أي مشكلة، ومنذ البداية لم يكن يعني أنقرة، وهي تتوغل أكثر في الملف السوري كداعمة للمعارضة، هذه الخلافات والتجاذبات الفكرية بين فصائلها، بل إن محط اهتمامها تركز ولا زال على تصفية الشمال السوري من أي قوى ترتبط بخصومها الاقليميين، وخاصة المملكة العربية السعودية، بل واستطاعت تركيا بناء علاقات مع جميع الفصائل، من مختلف المشارب الفكرية، إلى الحد الذي تمكنت فيه من احتواء "هيئة فتح الشام" أو التفاهم معها مؤخراً في ما يخص تطبيق بنود اتفاق استانة.

وأكثر ما يشغل تركيا، في ما يتعلق بقضية "جيش الإسلام" ووجوده في منطقة نفوذها شمال سوريا، هو ارتباط "الجيش" السابق بالرياض، وبالتالي، فإن كل تركيزها سيكون منصباً على هذه النقطة، وهو أمر من السهل تحقيقه، طالما أن أنقرة تسيطر تماماً على المنطقة، ولا يمكن لأي فصيل الحصول على أي تمويل أو إمدادات إلا عن طريقها، أو على الأقل برضاها.

لكن وبحكم أن موارد "جيش الإسلام" لم تكن جميعها سعودية، وبحكم أنه حتى الموارد السعودية نفسها لم تكن رسمية، بل أتت على الدوام من خلال رموز التيار الفكري الداعمين لـ"الجيش"، وكذلك بحكم الاستعدادات الدائمة التي عبر عنها "جيش الاسلام" منذ ما قبل مقتل قائده السابق زهران علوش لبناء علاقات مع مختلف الدول الإقليمية الداعمة للثورة والمعارضة، بما فيها تركيا، فإن هذه المشكلة على الأغلب، سيكون من السهل تجاوزها على الطرفين، اللذين لدى كل منهما مصلحة مشتركة لدى الآخر، في ظل صراع مفتوح في سوريا، تتنافس القوى المؤثرة فيه على كسب الحلفاء، كما أن لدى كل منهما ما يكفي من المرونة لتجاوز نقاط الخلاف والبناء على المشتركات.

بكل الأحوال، وفي ظل هذه المعطيات التي فُرضت على "جيش الاسلام" ولم يكن صاحب خيار فيها، فأن أي عروض يمكن أن تقدم لقيادته ستكون موضع ترحيب، طالما أنها تضمن استمرار كتلة "الجيش" الذي سيكون أفضل عرض يُقدم له، هو الاندماج مع فصيل آخر من قوى المنطقة، أو أن يكون جزءاً من "الجيش الوطني" الذي ما زال يطبخ على نار هادئة في الشمال.