حمص الشمالي: قصة "المصالحة" مع كنانة حويجة والضابط الروسي

عبيدة الحموي
الخميس   2018/05/03
حويجة مندوبة عن وزارة "المصالحة" (Getty)
تضاربت ردود الأفعال بين مؤيد ورافض لبنود الاتفاق النهائي الذي أبرم بين "هيئة التفاوض" عن ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي، والجانب الروسي، الأربعاء. وكانت المفاوضات قد تواصلت بين الجانبين، لثلاثة أيام، بمعدل 4 ساعات لكل جلسة، قبل ابرام الاتفاق النهائي. وجاءت بنود الاتفاق معاكسة لتوقعات شريحة من سكان الريف، بينما وجدها قسم آخر جيدة لتجنيب المنطقة الحرب والدمار.

وصدر بيان رسمي عن "هيئة التفاوض"، الأربعاء، حول "ما تم  الاتفاق عليه مع كافة الفصائل العسكرية في الريف الشمالي لحمص والجنوبي لحماة، لوقف إطلاق النار بشكل كامل"، وتضمن الاتفاق "تسليم السلاح الثقيل خلال ثلاثة أيام"، و"خروج من لا يرغب بالتسوية اعتباراً من يوم السبت القادم، وخلال اسبوع، ويمكن التمديد بحسب الاعداد الخارجة"، و"دخول الشرطة العسكرية الروسية والشرطة المدنية السورية بعد خروج آخر قافلة من مناطق الريف الشمالي"، و"يحق لكل مقاتل اخراج بندقية وثلاثة مخازن أضافة للاغراض الشخصية وممكن أن يأتي بشاحنات لتعبئة اغراض الناس من الاثاث"، و"السلاح الفردي يتم تسليمه حين التسوية"، و"التسوية لمدة ستة شهور للجميع؛ المنشقون والمدنيون وبعدها يتم السوق للعسكرية للالزامي والاحتياط بين 10-42 هاماً، ولهم حرية التنقل في سوريا"، و"التفتيش للباصات بوجود ممثلين عن الروس والنظام والمعارضة"، و"يمكن إخراج أي شي تتسع له الحافلات ولايمكن إن يؤخذ المال أو المجوهرات"، و"يتم الالتزام بالقوانين الاسلامية  بالتفتيش"، و"الخروج إلى ادلب وجرابلس ولنا حرية تحديد المسار والوجهة بمرافقة الشرطة العسكرية الروسية"، و"سيتم نشر نقاط  روسية بين مناطق التماس والجوار"، و"يتم سحب السلاح الثقيل من الجانب الاخر الموازي للريف من القرى المجاورة فور سحب السلاح الثقيل من منطقتنا، وكذلك المتوسط"، و"دخول الدوائر المدنية فورا للمنطقة"، و"عدم دخول قوات الامن والنظام طيلة فترة وجود الشرطة العسكرية الروسية علما أن تواجد الشرطة العسكرية الروسية في المنطقة من ستة أشهر فما فوق، وقد تمتد لأكثر من سنتين"، و"تسوية أوضاع الطلاب والموظفين وعودتهم لعملهم مع مراعاة فترة الانقطاع للطلاب من حيث مدة الدراسة".

وتقصّد النظام وحليفه الروسي، تسريع المفاوضات معتمدين على خبراتهم في إبرام اتفاقيات مماثلة. وتكوّن الوفد الروسي من ضابط ومترجم، وعرابة "المصالحات" الإعلامية كنانة حويجة، التي يلقبها أهالي المنطقة بـ"الأفعى". وكان لأهالي ريف حماة الجنوبي تجربة سابقة مع حويجة، في العام 2016، عندما حاولت إبرام اتفاق منفصل مع أهالي بلدة حربنفسه، يقضي بدخول قوات النظام إليها عبر مكيدة مشابهة لما حصل مؤخراً في بلدتي تقسيس والعمارة. وقال أبو محمد، أحد سكان بلدة حربنفسه، وعضو سابق في لجنة مفاوضات حربنفسه، إن حويجة "طلبت منا دخول الجيش ليقوم بعملية التصوير داخل البلدة، ويخرج من بعدها، وهذا ما رفضناه لأننا لا نثق بالجيش". وأضاف: "النظام أعطى حويجة صلاحيات واسعة، فكانت تتصل مع مدير شركة الكهرباء ومدير مديرية المياه في حماة ومحافظ حماة أمام الناس، وترفع صوتها عليهم، حتى تظهر بأنها تفاوض وتتكلم من موقع القوة".

وحويجة مندوبة عن وزارة "المصالحة"، ووالدها العميد أديب حويجة رئيس "الفرع 248" في دمشق، وهي من قرية تلدرة في ريف حماة الجنوبي. وتعتمد حويجة طرقاً ملتوية لإبرام الاتفاقات، إذ كانت تأخذ أرقام هواتف المفاوضين، وتتواصل معهم بعد الاجتماعات، كل على حدة، لمعرفة مطالبهم، وتتعهد لهم بمناصب قيادية، مقابل توقيع الاتفاقات، وتلعب على وتر التفرقة وتقسيم الناس، إلى أن يدب الخلاف بين أهالي المنطقة، كما يحدث الآن في الريف، وسبق أن حدث في بلدة حربنفسه.

الضابط الروسي اتبع طرق التهديد والوعيد، والنبرة المرتفعة، لتحقيق أهدافه. الضابط الروسي وكنانة حويجة شكلا ثنائي التفاوض المثالي للنظام وروسيا، لإبرام اتفاقيات "المصالحة" والتهجير. الوفد الروسي يعرف أن أكثر ما يؤلم أهالي المنطقة هو القصف، فهو نقطة ضعف مفاوضي ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي. الفعاليات المدنية، وعقب كل حملة قصف، كانت تستنجد طالبة العون والنجدة من الجهات الخارجية. الوفد الروسي كان قد رفع سقف مطالبه منذ اليوم الأول للمفاوضات، مع التدقيق في التفاصيل الجزئية، أما في اليوم الثالث والأخير، الأربعاء، فقد حافظ على الشروط ذاتها، ولكنه قلّل من التفاصيل الجزئية، ربما لكي تشعر "لجنة التفاوض" أنها قد حققت تقدماً. النظام وروسيا، بحسب أحد الشهود، "أكرما وفد مفاوضات من كيسه".

مليشيات النظام لم ترد على الاستهدافات التي تعرضت لها، من فصائل معارضة رافضة للاتفاق، ليل الأربعاء/الخميس، ما يؤكد تلقيها أوامر بعدم الرد على الاستفزازات. إذ عُممّت الأوامر لجميع حواجز المليشيات في محيط الريف، بعدم قصف مناطق المعارضة، حتى تكسب ثقة الأهالي. الاتفاق على تسليم السلاح الثقيل، وجزء من السلاح المتوسط، خلال ثلاثة أيام، يعتبر شبه مُنجزٍ، بعدما كسب الجانب الروسي قائد "جيش التوحيد" منهل الصلوح، وهو الذي يملك الجزء الأكبر من السلاح الثقيل من دبابات وعربات شيلكا ورشاشات ثقيلة على عكس المعارضة في الرستن والحولة. ويتوقع الانتهاء من تسليم السلاح الثقيل، الخميس والجمعة، تنفيذاً لبنود الاتفاق. ويحاول الجانب الروسي الإبقاء على أكبر عدد من السكان، ليستفيد من الطاقات البشرية المتواجدة في المنطقة في قتال "داعش"، إذ سمح للضباط والجنود المنشقين، والموظفين، بالعودة إلى مواقعهم، بعد "التسوية"، كما أُعطي المتخلفون عن الخدمة العسكرية مدة ستة شهور. ويتوقع الوفد الروسي الإنتهاء من عملية نقل المهجرين قسرياً، خلال أسبوع، ابتداءً من السبت. وسيرافق كل خمسة آلاف مهجر ثلاث شاحنات لنقل الأمتعة.

شروط الاتفاق لم تكن مرضية لجميع الأطراف. وبعد التصريح عنها من قبل "هيئة التفاوض" ازداد التوتر في الريف، وسط مطالبات البعض برفض الشروط "المذلة". بعض التشكيلات العسكرية قصفت مناطق قوات النظام، في المحطة الحرارية وقرية جدرين، بقذائف الهاون. كما قامت مجموعات أخرى بقصف قوات النظام في مدينة حمص بصواريخ غراد. مجموعات متواجدة على جبهة أم شرشوح استهدفت قوات النظام بالرشاشات الثقيلة. في حين خرجت مظاهرة في مدينة الحولة رافضة لهذا الاتفاق.

مجموعة من الناشطين قامت بإجراء استطلاع رأي شمل 1500 شخص، وكانت نتيجته 80 في المائة صوتوا لصالح الحل السياسي، ورفضه 20 في المائة. ويرى المؤيدين للأتفاق أن مظاهر الرفض عبارة عن زوبعة في فنجان، وما هي إلا "فورة دم" ستهدأ لاحقاً. في حين دعت مجموعات مقاتلة رافضة للاتفاق إلى تشكيل جيش عسكري تحت مسمى "جيش الصحابة" بقيادة يوسف حديد، القيادي في "الفيلق الرابع"، "أحرار الشام" سابقاً. حديد نفى قيادته لهذا التشكيل الجديد. وحتى اللحظة لم تظهر أي بوادر جدية على وجوده.