تدمير مخيم اليرموك يتواصل:مئة غارة وعشرات الصواريخ

المدن - عرب وعالم
الثلاثاء   2018/04/24
لا تزال جثث ضحايا القصف عالقة تحت الأنقاض (ربيع ثورة)
تستمر العملية العسكرية لنظام الأسد، مدعوماً بحليفه الروسي على أحياء مخيم اليرموك والحجر الأسود والقدم والتضامن، الخاضعة لسيطرة تنظيم "داعش"، وكذلك على أطراف بلدة يلدا الخاضعة لسيطرة الثوار، لليوم السادس على التوالي، بحسب مراسل "المدن" مطر اسماعيل.

وشنّ الطيران الحربي الروسي والسوري، الثلاثاء، قرابة 100 غارة جوية، وألقى مروحي البراميل حوالي 25 برميلاً متفجّراً، في حين استهدفت أحياء مخيم اليرموك والحجر الأسود والقدم والتضامن، بعشرات صواريخ أرض-أرض وقذائف المدفعية الثقيلة والدبابات. هذا بالإضافة لاستهداف نقاط الثوار في بساتين يلدا، بالبراميل المتفجّرة، ما أدى إلى مقتل 11، وإصابة اثنين من مقاتلي "جيش الإسلام" بينهم قيادات.

وخلّف القصف المكثّف على أحياء المخيم والحجر ومحيطهما دماراً واسعاً في البنية التحتية. وتقدّر الحصيلة الكليّة للقصف خلال الأيام الستة الماضية، بحوالي 700 غارة جوية، و250 برميلاً متفجّراً، ومئات صواريخ أرض أرض من طراز فيل وقذائف المدفعية والدبابات والهاون، ما أدى إلى وقوع 12 قتيلاً وقرابة 50 جريحاً، في صفوف المدنيين. ولا تزال جثث ضحايا القصف عالقة تحت الأنقاض، حسبما تشير الأنباء الواردة من داخل المخيم والحجر، حيث يعيش إلى الآن حوالي 500 مدني فلسطيني وسوري، غالبيتهم من كبار السنّ والنساء، في أقبية المنازل والملاجئ، في ظل ظروف إنسانية مأساوية، نتيجة حالة الحرب الشاملة التي عطّلت الحياة بشكل كامل، ما فاقم معاناة المحاصرين خصوصاً من جهة تأمين المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب الشحيحة أساساً.

وفقدت المواد الغذائية الأساسية من الأسواق في بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم جنوبي دمشق، من الخبز والسكر والطحين والخضراوات، وارتفعت أسعار المحروقات، نتيجة إغلاق قوات الأسد لحاجز ببيلا-سيدي مقداد، لليوم السادس على التوالي.

من جهة أخرى، نشر مثقفون ونشطاء، نداءً من أجل انقاذ مخيم اليرموك، في مواقع التواصل الاجتماعي، بعنوان: "تدمير مخيم اليرموك قتل لشاهد على النكبة وتصفية لحق العودة". وجاء في النداء: "يقوم النظام السوري هذه الأيام، بطيرانه وصواريخه، وبمعونة الطيران الروسي، بشن هجمات وحشية على مخيم اليرموك، عاصمة اللاجئين الفلسطينيين، والذي يخضع لحصار وحشي منذ أكثر من خمسة أعوام، بهدف تدميره بيتاً بيتاً، بشكل مبرمج، وبإصرار واضح، بحيث يصبح غير صالح للعيش، علما أنها ليست المرة الأولى التي يشتغل فيها هذا النظام على تدمير مخيمات شعبنا، وتقديم خدمة لإسرائيل، بقتل الشاهد على نكبة شعبنا (1948)، وتصفية حق العودة، ومفاقمة معاناة اللاجئين وتشريدهم في أصقاع الدنيا.

ولنتذكر أن هذا النظام، قبل الثورة السورية، وقبل ظهور داعش، أسهم في تدمير مخيمي تل الزعتر وضبيه في بيروت، على يد الكتائب بعد الدخول السوري إلى لبنان (1976)، إبان مواجهته للحركة الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية، وأنه دفع وسهل لحركة "أمل" الطائفية، والموالية له، هجومها على مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة في بيروت، التي تعرضت لحصار وحشي وتدمير مبرمج في الأعوام 1985 ـ 1988، وأنه هو وراء صناعة حركة "فتح الإسلام"، التي اقامت امارة لها في مخيم نهر البارد، والذي جرى تدميره وتشريد سكانه (2007)، إذ بعد التدمير اختفى زعيم هذه الحركة شاكر العبسي، الذي كان أخرج من سجون النظام، وهو ما حصل مع عديد من قادة الفصائل العسكرية المتطرفة في سوريا، هذا دون أن ننسى صنيعته الداعية الجهادي أبو القعقاع زعيم حركة "غرباء الشام"، في حلب، بعد الغزو الأميركي للعراق، أو تحميله الوزير السابق ميشال سماحة للمتفجرات في سيارته، في مخطط لإجراء تفجيرات في لبنان واشعال الفتنة في لبنان، هذا غير الاغتيالات التي طاولت كمال جنبلاط وجورج حاوي وسمير قصير وحسين مروة على سبيل المثال. وفي الإطار ذاته لايسعنا إلا أن نعتبر أن تشريد اللاجئين الفلسطينيين في العراق على يد المليشيات الطائفية العراقية الموالية لإيران، حليفة النظام السوري، يصب في ذات الاتجاه.

في الغضون لا ننسى أن هذا النظام الذي سلم الجولان (1967)، هو أكثر من عمل على العبث بقضية فلسطين وتوظيفها لخدمة أغراضه، والهيمنة على شعبه، ومصادرة حقوقه وحرياته، وأنه أكثر من اشتغل للسيطرة على منظمة التحرير وانشاء فصائل موالية له، للتلاعب بالوضع الفلسطيني، الأمر الذي دفع الزعيم الراحل أبو عمار لرفع شعار القرار الفلسطيني المستقل، حتى أن هذا النظام حال بينه وبين القاء كلمة له، وهو محاصر في رام الله، في مؤتمر القمة في بيروت (2002).

الآن يدمر النظام مخيم اليرموك، لكن هذه المرة بحجة داعش، علما ان المنطقة ساقطة عسكريا منذ سنوات، وتخضع لحصار مطبق منذ أواخر 2012، فمن الذي ادخل داعش إلى المخيم المحاصر؟ ومن الذي يؤمن له التموين والسلاح والذخيرة والمال؟ ولماذا لم تقصف قوافل داعش التي كانت تتحرك بين باديتي العراق والشام بحرية ولا ببرميل واحد؟ ولماذا يجب تدمير المخيم من أجل بضع عشرات او مئات الدواعش الذين اختفوا فجأة؟ ثم هل يحق لإسرائيل مثلا أن تدمر مخيما أو منطقة ما بحجة أنها تحارب "الإرهاب"؟ وماذا سيقول ادعياء المقاومة والممانعة أو مقاولوها لإسرائيل ان فعلت ذلك لا سمح الله؟

إننا ونحن نتحدث عن ذلك نعرف أن مخيم اليرموك مثله مثل أي منطقة سورية، وأن الفلسطينيين مثلهم مثل السوريين، عانوا من النظام، ومن ظلمه، وصلفه وجبروته، إلا أننا نؤكد هنا أن مايجري إزاء مخيم اليرموك عاصمة اللاجئين، والشاهد على النكبة، هو أمر يستدعي فضح ادعاءات هذا النظام المجرم، لأنه في قصفه الوحشي يقوم بتصفية حق العودة، خدمة لإسرائيل، الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية، ولأننا من ذلك نؤكد أن قضية الحرية لا تتجزأ، وأن حرية الشعب السوري تخدم حرية شعبنا، كما أن حرية شعبنا تخدم حرية الشعب السوري، ولأن الضحايا يتعاطفون مع الضحايا، ولأنه لا توجد جريمة تبرر أخرى، ولا مجرم يغطي على أخر، فجرائم النظام لا تغطي على جرائم إسرائيل بحق شعبنا وجرائم إسرائيل لا تغطي على جرائم النظام بحق شعبه.

في هذا السياق فإننا نأسف لكثير من الذين لايرون الحقيقة، ولا ينظرون إلا إلى الشعارات، ويظنون أن سوريا مجرد موقع استراتيجي، ولا يرون أنهم يطوبون سوريا للنظام، ولشعاره المشين "سوريا الأسد إلى الأبد"، ولايرون أن لا قيمة لسوريا ولا لموقعها بدون شعبها، الذي شرد النظام الملايين منه وقتل مئات الألوف منه، ودمر عمرانه ببراميله المتفجرة وصواريخه الارتجاجية والفراغية. هؤلاء، مع كل ما ذكرناه، لايرون أن داعش هي مجرد ذريعة، بقدر ماهي صنيعة، فداعش هذه قاتلت السوريين ونكلت بالمعارضة، أكثر بكثير مما قاتلت النظام، ناهيك عن علامات الريبة عن نشوئها وتدعيم قوتها منذ سيطرت على الموصل واستيلائها على أسلحة أربعة فرق من الجيش العراقي واموال طائلة من البنك المركزي في الموصل (2014).

وفي الحقيقة ومنذ اندلاع الثورة السورية، آذار/مارس (2011)، وهي مازالت في طورها الشعبي ـ السلمي، حاول النظام السوري إنكار مطالب الشعب السوري، بادعاء أن ثمة جماعات إرهابية ومؤامرة خارجية على سوريا، وكان أول اتهام وجهه إلى الفلسطينيين في مخيمي اللاذقية ودرعا، كما جاء على لسان بثينة شعبان وقتها، وغيرها من المسؤولين، وكان برز وقتها كلام رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام، الذي وجه كلامه إلى إسرائيل، مستجديا الحفاظ على نظام الأسد، بقوله إن عدم الاستقرار في سوريا يعني عدم الاستقرار في إسرائيل.

إننا ندين كل القوى التي تقف مع النظام السوري، وتغطي على جرائمه ضد شعبه، وضد شعبنا، وضمنها جريمة تدمير مخيم اليرموك، تحت أي حجة كانت، كما إننا نطالب القيادات الفلسطينية برفع صوتها عاليا، والتحدث بجرأة وصراحة، ولو لمرة واحدة ضد سياسات هذا النظام، الذي تاجر بقضية فلسطين ونكل بحركته الوطنية، ومطالبته بوقف تدمير المخيم والافراج عن المعقلين في سجونه، وتمكين أهلنا من العودة إلى بيوتهم سيما بعد أن اختفت كل الذرائع التي هاجم من أجلها المخيم".