الجنوب الدمشقي... على خطى الموصل والرقة

مطر اسماعيل
الثلاثاء   2018/04/24
النظام تورّط بالحديث المبكّر عن انتصار سريع على "داعش" (انترنت)
تستمر العملية العسكرية التي يشنّها النظام بدعمٍ روسي على أحياء مخيم اليرموك والحجر الأسود والقدم والتضامن، الخاضعة لسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية"، وكذلك على أطراف بلدة يلدا الخاضعة لسيطرة الثوار، لليوم السادس على التوالي.

وشنّت المقاتلات الحربية الروسية، خلال أقل من 12 ساعة، الإثنين، 150 غارة جويّة، وألقت الطائرات المروحية 35 برميلاً متفجّراً، بالإضافة لقصف مكثّف بعشرات صواريخ أرض-أرض من طراز "فيل" وقذائف المدفعية الثقيلة والدبابات، على الأحياء السكنية ومحاور التماس. وأدت عمليات القصف الواسعة خلال الأيام الماضية بحوالي 600 غارة جوية و200 برميل متفجر ومئات صواريخ أرض أرض والمدفعية والدبابات، إضافة لاستعمال كاسحة الألغام الروسية UR-77 بكثافة، إلى وقوع 12 قتيلاً موثّقين بالاسم، وقرابة 50 جريحاً، في صفوف المدنيين، فيما لا تزال جثث ضحايا القصف عالقة تحت الأنقاض حسبما تشير الأنباء الواردة من داخل المخيم والحجر. وتعيش عشرات العائلات من المدنيين غالبيتهم من كبار السنّ والنساء، في أقبية المنازل والملاجئ، في ظل ظروف إنسانية مأساوية، نتيجة حالة الحرب الشاملة التي عطّلت الحياة بشكل كامل، ما فاقم معاناة المحاصرين خصوصاً من جهة تأمين المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب الشحيحة أساساً.

القصف الممنهج أدى لتدمير أحياء ومناطق سكنية بكاملها ومرافق عامّة مهمّة، ومن أهمها، مشفى فلسطين التابع للهلال الأحمر الفلسطيني الذي استهدف بغارات جوية روسية ما أدى لتدميره جزئياً، وخروجه عن العمل. بالإضافة لحدوث دمار شبه كامل في شارع المغاربة، وأجزاء واسعة من شارع العروبة المكتظ بالسكان، وتضرر مسجد فلسطين ومحيطه وسط المخيم. كما طال القصف مناطق "هيئة تحرير الشام" في ساحة الريجة وجادة عين غزال، ودمّر مسجد زين بن الخطاب هناك، وأسفر القصف أيضاً عن دمار هائل في حي الزين ومناطق مختلفة في الحجر الأسود، وسوق الثلاثاء في حي التضامن، وحارة الجورة في منطقة العسالي ومنطقة المادنية بالقدم. وتعرّضت أيضاً بلدة يلدا المحررة وبساتينها الجنوبية لغارات جوية وقصف بصواريخ أرض أرض من نوع "فيل" ما أدى لوقوع إصابات.

وعلى غرار الموصل والرّقة، يبدو أن المعركة العسكرية ميدانياً تسير بهذا الاتجاه، فقوات النظام من "فرقة رابعة" و"حرس جمهوري" و"دفاع وطني" و"أمن عسكري" ومليشيات فلسطينية موالية، لم تحقق أي تقدّم يذكر على حساب تنظيم "داعش" في مختلف المحاور القتالية، بعدما فتحت محاور متعددة في محاولة لإحداث خرق في خطوط دفاع التنظيم. لكنّ المليشيات، لم تستطع حتى اللحظة، رغم التمهيد الكثيف جوّاً وبراً والاشتباكات العنيفة، من التقدّم وبسط سيطرتها على مواقع مهمّة.

"الفرقة الرابعة" التي تسلّمت الجبهة الجنوبية لبلدة يلدا المحرّرة، والحجر الأسود معقل "داعش" الرئيس، وبالتحديد منطقة الأربع مفارق في يلدا، وحي الزين في الحجر، لم تتمكّن بعد تمهيد جوي وصاروخي شديد، من التقدّم في حي الزين، رغم تدميره بشكل كبير، إلّا أنها تقدّمت إلى جامع المجاهدين في منطقة الأربع مفارق بعد تدميره كليّاً وانسحاب مقاتلي الجيش الحر المرابطين هناك. كما تعرّضت نقاط الجيش الحر في بساتين يلدا الملاصقة لحي الزين الى قصف مكثّف ما أدى لتدميرها كليّاً واضطرار المقاتلين للتراجع عنها.

أما محور حي التضامن فتحاول مليشيا "الدفاع الوطني" بشكل يومي التقدّم باتجاه مواقع "داعش" بلا نتيجة، فيما استطاعت التوغّل قرابة 100 متر على محور سليخة الخاضع لسيطرة الثوار، وسيطرت على مسجد علي بن أبي طالب، علماً أن هذه المنطقة مدمّرة بشكل كامل منذ العام 2012، كما حاولت التوسّع من هذا المحور باتجاه حي التضامن عبر شارع دعبول، لكنها فشلت.

في الجبهة الشمالية لمخيم اليرموك ومحور شارع الثلاثين حاولت المليشيات الفلسطينية الموالية، كـ"الجبهة الشعبية/القيادة العامة" و"لواء القدس" و"فتح الانتفاضة" وغيرها، مدعومة بـ"الحرس الجمهوري"، التقدّم من مواقع متعددة، أهمها شارع الثلاثين، وفتحت نيرانها على مواقع "هيئة تحرير الشام" كما قصفت مناطقها، أي الريجة وجادة عين غزال، رغم وجود اتفاق مع النظام يقضي بإخراج "الهيئة" إلى الشمال السوري. ومن ثم حاولت دبابات وعربات القوات المهاجمة الوصول إلى أبنية شارع الثلاثين، حيث أفشل مقاتلو "الهيئة" الهجوم ودمروا أربع دبابات وقتلوا عناصر للنظام. فيما قتل شادي السعد أحد قيادات "الهيئة"، وهو من شباب مخيم اليرموك الذين كان لهم دور بارز في قتال النظام و"داعش" على السواء.

على محوري العسالي–المادنية، حيث تقاتل "شعبة الأمن العسكري"، أظهر تسجيل مصوّر بثته "وكالة أعماق" التابعة لـ"داعش"، أسر عنصرين من فرع "سرية المداهمة 215" و"فرع المنطقة"، وتصفيتهما، ما يكشف عن حجم القتلى والجرحى في صفوف النظام على ذلك المحور. وقالت "أعماق" إن مقاتليها نفّذوا عمليات انغماسية خاطفة وقتلوا العشرات من عناصر النظام، لترتفع حصيلة قتلى النظام بالمجمل لأكثر من 70 قتيلاً.

عجز النظام العسكري عن تحقيق تقدّم ميداني مهم، رغم مرور خمسة أيام على المعركة، ووقوع خسائر كبيرة في صفوفه وآلياته، يعيد إلى الأذهان معركتي الموصل والرّقة طويلتي الأمد. وعلى الرغم من فارق المساحة بين مناطق "داعش" جنوبي دمشق ومدينة الموصل مثلاً، إلّا أن التنظيم على ما يبدو قد تجهّز لمعركة طويلة، وقسّم قواته على المحاور القتالية بحيث لا يحتاج أي محور لمؤازرة من المحاور الأخرى، ما يضمن عدم التحرّك بين تلك المناطق وتأمين المقاتلين من القصف، عدا عن بناء مدن تحت الأرض في الأحياء الخاضعة لسيطرته، وتأمين عائلات المقاتلين في تلك الملاجئ، إضافة لتجهيز شبكات الأنفاق والخنادق التي تصل نقاط تمركزه على الجبهات. ما يعني انحسار تأثير القصف المركز على الجبهات إلى الحد الأدنى، وهذا الأمر دفع قادة التنظيم بحسب مصدر خاص، إلى الارتياح، كون كل استعراض العضلات من قبل النظام لم ينتج تقدّماً ميدانياً على أرض الواقع، كما لم يوقع إصابات من عائلات المقاتلين، عدا عن كون أعداد الضحايا في صفوف المدنيين محدود مقارنة مع حجم الآلة التدميرية التي تستهدف الأحياء السكنية.

النظام اليوم مرتبك ويشعر بأنه تورّط بالحديث المبكّر عن انتصار سريع على "داعش"، وهكذا غطّت وسائل إعلامه الاستعدادات الكبيرة لخوض معركة جنوب دمشق، من دون أن يحسب إلى حد بعيد تجهيزات "داعش" في المقابل، والتي كان للنظام نفسه دور هام في تدعيم قواتها العسكرية، عندما قدّم دعماً عسكرياً ولوجستياً للتنظيم في معاركه ضد فصائل الثوار في البلدات المجاورة، هذا قبل أن ينقضي عهد تبادل المصالح المشتركة بين الطرفين، خاصة في عامي 2016-2017.

وأمام هذه المعطيات الميدانية واستماتة "داعش" في القتال والدفاع عن مناطقه، قد نشهد ذهاب النظام لاستخدام السلاح الكيماوي على محاور التماس، خاصّة أن المُستَهدَفَ هو تنظيم "داعش" المتفق دولياً على محاربته، ما يخفف من إمكانية إدانة النظام دوليّاً رغم التصعيد الغربي عامة والأميركي خاصة تجاه استعمال النظام للسلاح الكيماوي. وربما يضطر النظام للدفع بتعزيزات عسكرية إضافية، قد تكون من المليشيات الشيعية، المُحيّدة روسياً عن المعركة، ما يساهم في تسريع عجلة التقدّم على حساب التنظيم.

في المقابل، جرى لقاء بين لجنة التفاوض عن بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، على رأسها الفصائل العسكرية من جهة، والجانب الروسي والنظام من جهة ثانية، الأحد، ونوقش في الاجتماع خرق النظام وعمليات القصف والاشتباكات التي طالت بلدة يلدا ومنطقة سليخة وجبهات التماس مع النظام، إضافة للحديث حول الحل في البلدات الثلاث، من دون التوصل لاتفاق معين. وجرى اجتماع آخر الإثنين، بحضور ممثلين عن "الفرقة الرابعة"، مع غياب رؤية واضحة لمصير البلدات في ظل استمرار العملية العسكرية على مناطق "داعش".