"فيلق الشام": الحياد الصعب كخيار استراتيجي؟

خالد الخطيب
السبت   2018/03/31
البقاء على الجبهات ضد مليشيات النظام أهم من أي مواجهة داخلية (عنب بلدي)
نجح "فيلق الشام" إلى حد كبير في النأي بنفسه عن الاقتتال الحاصل بين فصائل المعارضة المسلحة في إدلب وريف حلب الغربي، وذلك رغم المحاولات المستمرة لجره نحو دائرة الصراع. موقف "الفيلق" الأخير ليس بالأمر الجديد عليه، فهذه سياسته المتبعة منذ تشكيله وحتى الآن، ولكنه كان موقفاً مكلفاً، والأكثر صعوبة خلال المواجهة الأخيرة بين قوى المعارضة المسلحة في الشمال. الموقف تسبب بمشاكل داخلية في صفوف "الفيلق" وجعله عرضة لهجوم إعلامي غير مسبوق شنه عليه طرفا الاقتتال.

تلقى "فيلق الشام" دعوة صريحة لدخول المعركة إلى جانب "جبهة تحرير سوريا"، كان قد وجهها قائدها العام، حسن صوفان، في 24 شباط/فبراير، بعد أيام قليلة من بدء المعركة مع "هيئة تحرير الشام". وقال صوفان: "يا أشراف الفصائل وفرسان الفيلق أتتركون اخوانكم يقاتلون المجرم وحدهم ويروع نساءهم، وقد عرفناكم أهل دين وحراس ثورة؟"، وجاء رد "فيلق الشام" على الدعوة متأخراً، وأكد في بيان أصدره في 28 شباط/فبراير على موقفه المحايد من القتال الحاصل، واعتبر أن بقاءه على الجبهات ضد مليشيات النظام أهم من أي مواجهة أخرى.

وتصدر "فيلق الشام" في أول مرحلة من المواجهة بين طرفي القتال قائمة المدعوين التي ناشدها أنصار "تحرير سوريا" للدخول إلى جانبهم. القائمة ضمت فصائل بارزة وقفت موقفاً يشبه موقف "الفيلق"، كـ"جيش العزة" و"جيش النصر" و"جيش إدلب الحر". لكن هذه الفصائل مجتمعة لا تشكل في الواقع نصف قوة "الفيلق" عدداً وعتاداً وانتشاراً. ولم تنفع المناشدات مع "الفيلق" رغم الحملة الإعلامية الناعمة التي قامت بها مجموعة كبيرة من منظري التيار السلفي من مهاجرين وأنصار، الكارهين لـ"هيئة تحرير الشام" والذين تحدثوا باستمرار  عن المصلحة التي تكمن خلف المشاركة في القتال باعتباره خطوة استباقية ضد "الهيئة" التي ستفكر في القضاء على "الفيلق" في حال نجحت في مهمتها الحالية.

موقف "الفيلق" أراح "الهيئة" التي سارعت إلى إشغاله بمواقع ونقاط تماس مع مليشيات النظام كانت قد أخلتها لصالح الحشد العسكري ضد "تحرير سوريا". وتسلم "الفيلق" عشرات النقاط والمواقع في ريفي حلب الجنوبي والغربي وريف ادلب الشرقي من "الهيئة" وضم إلى صفوفه أكثر من 500 عنصر من "الهيئة" كانت قد حاصرتهم "تحرير سوريا" في ضواحي حلب الشمالية، في حريتان وحيان وكفر حمرة وعندان. وتسلم "الفيلق" مواقع وحواجز عسكرية قريبة من الشريط الحدودي قرب باب الهوى ومجموعة مخيمات النازحين في المنطقة لمنع وصول الاقتتال إليها وإلى المعبر.

العلاقة بين "الفيلق" و"الهيئة"؛ من تسليم المواقع العسكرية والتنسيق الميداني، أقلقت "تحرير سوريا" وخيب آمالها، لذلك حولت سياستها مع "الفيلق" من محاولة الاستقطاب إلى الهجوم الإعلامي، متهمة إياه بتزويد "الهيئة" بالأسلحة والذخائر خلال القتال الدائر، ودوره المهم في وقف زحف "تحرير الشام" نحو معبر باب الهوى والسيطرة عليه، ودوره المعطل لمحاولات  فتح معارك مع مليشيات النظام نصرة للغوطة الشرقية. عدا عن المشاركة الفعلية للقوة المركزية في "الفيلق" والتي يقودها أبو همام العراقي، في القتال إلى جانب "الهيئة"، بحسب تسجيل صوتي مسرب تداوله أنصار "تحرير سوريا" على أنه اثبات للتعاون العسكري والأمني بين الطرفين.

بدت "الهيئة" راضية عن تصاعد التوتر بين "الفيلق" وخصومها، وكانت تأمل أن يتطور التصعيد الإعلامي والتوتر في الميدان بين الطرفين إلى اصطفاف "الفيلق" معها، أو على الأقل الوقوف العلني لـ"ألوية الحمزة" التابعة لـ"الفيلق" إلى جانبها في قتال "تحرير سوريا". وتتهم "تحرير سوريا" "ألوية الحمزة" التي يقودها صلاح العراقي، بالولاء المطلق لـ"الهيئة" بحكم صلة القرابة التي تربط قائدها بعضو الشورى، أبو ماريا القحطاني. والعراقي متهم بتزويد "الهيئة" بالأسلحة والذخائر والتنسيق الأمني والعسكري، وضمان ولاء معظم تشكيلات "الفيلق".

قائد "ألوية الحمزة" صلاح العراقي، متهم بتسهيل دخول مجموعات مسلحة تابعة لـ"الهيئة" إلى منطقة عفرين أثناء المعارك، وهي معلومة تناقلها أنصار "تحرير سوريا" بكثرة، وأوضحوا أنها فضيحة من العيار الثقيل، تسببت بخلاف داخلي بين قادة "الفيلق" الذين دعوا لاجتماع عاجل للتحقيق بالموضوع الذي عكر العلاقة مع تركيا. تلك المعلومات نفاها الناطق باسم "الفيلق" سيف الرعد، وشن هجوماً لاذعاً في "تويتر" ضد "المفتنين الذين يبثون الشائعات والأكاذيب للنيل من فيلق الشام الذي سعى للصلح بين الطرفين انطلاقاً من موقفه المحايد"، واعتبر الرعد أن "موقف الفيلق أسهم في تحييد العديد من المدن والبلدات الأهلة بالسكان عن القتال الدائر".

وأعلن عن تشكيل "فيلق الشام" في 9 آذار/مارس 2014، من اتحاد 19 لواء، توزعوا آنذاك في حلب وحمص وحماة وادلب وريف دمشق. وعرف "الفيلق" منذ نشأته بتبعيته المباشرة لـ"الإخوان المسلمين"، وهو بديل عن "هيئة حماية المدنيين" وعدد كبير من الفصائل التي دعمها "الإخوان" في حلب وادلب بمسميات مختلفة، كان أشهرها "الدورع". وفي العام 2018 تجاوز عدد عناصر "فيلق الشام" 12 ألف عنصر، 2700 منهم يتمركزون في ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي في مناطق "درع الفرات" وكانت لهم مشاركة فعالة في معركة "غصن الزيتون" في عفرين. وبات عدد الألوية التابعة لـ"الفيلق" أكثر من 23 لواء، وتعتبر "ألوية الحمزة" أكبرها وصاحبة السلاح النوعي.

تحول "فيلق الشام" من فصيل صغير لا يحسب له حساب بين فصائل كبيرة في حلب وادلب خلال السنوات التي تلت تشكيله إلى أحد أكبر الفصائل، ولديه الترسانة الأكبر من الأسلحة الثقيلة والذخائر والانتشار الأوسع، وصاحب الدعم المتميز والأكثر ثباتاً من تركيا التي زودته بمعدات عسكرية لم تزود بها أي فصيل مسلح آخر.

اعتاد "الفيلق" منذ تشكيله، اتباع سياسة النأي بالنفس، عن خلافات الفصائل واقتتالها وتنافسها، وظل في معظم الأحيان طرفاً محايداً لا يملك أي تأثير على القوى المتصارعة. في الوقت نفسه نأى بنفسه عن الدخول في أي اندماج مع فصائل أخرى، أو تحت مظلة تشكيلات كبيرة مثل "الجيش الوطني" الذي أعلن عن تشكيله أواخر العام 2017 في منطقة "درع الفرات".

ولجأ "الفيلق" إلى حل الخلافات مع الفصائل، في حال وقعت، عبر قنوات سرية ومن خلال شبكة العلاقات التي يمتلكها بمساعدة تركيا، وقليلاً ما كان يلجأ إلى التشهير بخصومه، أو الدفاع عن نفسه في شبكات التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من تأكيد المعارضة وقوع اشتباك بينه وبين "تحرير الشام" قبل أيام قليلة، في خان طومان جنوب غربي حلب، ومقتل اثنين من عناصره، إلا أنه رفض الاعتراف بالحادثة التي حاولت "تحرير سوريا" وأنصارها استغلالها. كما استطاع الهرب من الصدام الذي كان وشيكاً مع "الهيئة" قبل شهور قليلة، بسبب جثة الطيار الروسي، الذي سلمه لتركيا.

لم يعد بإمكان فصيل بهذه القوة والانتشار، البقاء على الحياد في الصراعات الداخلية، ولن يكون بمنأى عن الحملات الإعلامية وتجييش المنافسين. الحرج الذي وقع فيه "الفيلق" دفعه لإطلاق مبادرة صلح بين طرفي القتال قادها رئيس هيئته الشرعية عمر حذيفة، لكنها فشلت، وما تزال المساعي مستمرة حتى الآن لوقف الاقتتال، عبر صفقة ربما قد يكون "الفيلق" عرابها والرابح الأكثر حظاً فيها بعدما استنزفت كل الأطراف المتصارعة في إدلب قوتها، خلال الفترة الماضية. فهل بات "الفيلق" جاهزاً لحصاد ثمار سياساته؟