تقدم المعارضة جنوبي عفرين يُقلق مؤيدي النظام في حلب

خالد الخطيب
الخميس   2018/03/22
"غصن الزيتون" لم تتوقف شمالي جبل الأحلام (Getty)
أثارت التطورات الميدانية الأخيرة جنوبي عفرين جدلاً واسعاً في الأوساط الموالية للنظام في حلب، والتي بدت متخوفة من استمرار تقدم غرفة عمليات "غصن الزيتون" في المنطقة وصولاً إلى مناطق تسيطر عليها مليشيات النظام في ريف حلب الشمالي. مخاوف الموالين لم تقف عند هذا الحد، بل بات قلقهم واضحاً على مصير مدينة حلب، إذا ما واصلت المعارضة تقدمها في المنطقة، وصولاً إلى مشارف المدينة.

مخاوف الموالين، والسجالات الدائرة تستند إلى معلومات يتم تداولها بكثرة بين الأهالي في مدينة حلب، والتي تتحدث عن اتفاق تركي–روسي جرى في أستانة، يقضي بتسليم مناطق سيطرة مليشيات النظام في ريف حلب للمعارضة المسلحة والجيش التركي، وذلك على مراحل، على أن يشمل الاتفاق مدينة حلب في وقت لاحق، بحسب ما يقوله موالو النظام في مواقع التواصل الاجتماعي.

ووصلت المعارضة المسلحة، الأربعاء، إلى مشارف بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين في ريف حلب الشمالي بعدما سيطرت على قرية براد الأثرية جنوبي عفرين. فصائل المعارضة في غرفة عمليات "غصن الزيتون"، المدعومة من الجيش التركي، اشتبكت، ليل الأربعاء/الخميس، مع مليشيات النظام في نبل والزهراء، ومليشيات عشائرية تابعة لـ"لواء الباقر"، ومجموعات أخرى تابعة لـ"لواء القدس". المواجهات المتقطعة تركزت في المنطقة الزراعية التي تفصل براد عن نبل، غرباً، وفي المناطق التي تفصل براد عن برج القاص جنوب غربي نبل. وتبادل الطرفان القصف بالرشاشات الثقيلة والهاون، وقصفت المدفعية التركية من قواعدها في ريف حلب الشمالي مواقع المليشيات في تل جبين وبالقرب من قرية كفر ناصح.


(المصدر: LM)

تعززت مخاوف الموالين للنظام بعدما كسرت "غصن الزيتون" الخطوط الحمر التي روجت لها مليشيات نبل والزهراء في أوساط الموالين، خلال الأيام القليلة الماضية، والتي تلت سيطرة المعارضة على مركز مدينة عفرين. المليشيات كانت توهم مؤيديها بأن "غصن الزيتون" ستتوقف شمالي جبل الأحلام الذي يشرف على بلدتي نبل والزهراء، بحيث لن تستمر العملية جنوباً. وفي هذه الأثناء، كانت المليشيات قد تسلمت بالفعل من "وحدات الحماية" الكردية، المواقع المتبقية من منطقة عفرين جنوباً، في المنطقة الواقعة غربي نبل والزهراء؛ باشمرا وجبل الأحلام وبرا. وتشكل هذه المناطق طوق الحماية لبلدتي نبل والزهراء، من الغرب والشمال الغربي.

انقسم الموالون في حلب بين ناقم على الدور الروسي الداعم  لما يحصل شمالاً، محملين إياه مسؤولية ما يجري في المنطقة لمصلحة المعارضة وتركيا، ومحذرين مما أسموه "مخطط بيع حلب". المدافعون عن الدور الروسي، أكدوا أن ثقتهم عمياء في روسيا، مؤكدين أنها تريد مصلحة النظام وسلامته ومساعدته في استعادة جميع الأراضي السورية. موالون آخرون هاجموا قيادة النظام، ودعوها إلى عدم الاحتفاظ بحق الرد هذه المرة، وإلا ستكون حلب بخطر. واستهزأ الموالون بالقيادة التي وصفوها بـ"التابع الصغير" الذي لا يقدر على مخالفة أوامر روسيا. فـ"اللعبة"، بحسب وصفهم، هي لـ"الكبار ولا مكان للصغار فيها، وعلى الصغار (قيادة النظام) السمع والطاعة لما يمليه الكبار".

ويزيد التوتر في ظل التطورات الميدانية المتسارعة شمالاً، ويحتدم الجدل بين الموالين في حلب حول المصير الذي يبدو مجهولاً، وسط غياب التطمينات الرسمية من النظام للموالين له في حلب، حتى اللحظة. القلق وحمى التساؤلات المثارة أجبرت عضو "مجلس الشعب" فارس الشهابي، المقرب من الدائرة الداخلية للنظام، على الرد على التساؤلات التي أثيرت في مواقع التواصل الاجتماعي. وبدت تطمينات الشهابي، الصناعي ورجل الأعمال، سخيفة ومتخبطة، ولم تبدد مخاوف الموالين. بعض ردود الشهابي، دافعت عن الموقف الروسي الذي وصفه  بـ"الجنزير الفولاذي الغليظ المربوط حول عنق الجموح العثماني"، وقال الشهابي إن "لا ضوء أخضر روسياً للمعارضة وتركيا"، قبل أن يناقض نفسه في تعليق آخر، عندما تحدث عن توسعة مليشيات النظام لنطاق الامان حول حلب، وتأكيده أن معظم ريف إدلب سيقع تحت سيطرة قوات النظام، و"سيفتح الطريق القديم (طريق دمشق–حلب الدولي) بعد الانتهاء من الغوطة، وسيكون وجود تركيا مؤقتاً، ولن يدوم حتى لو أرادت هي غير ذلك"، وتابع بأن "لا الروسي ولا الايراني سيسمحان للتركي بالبقاء".

تصريحات الشهابي، الذي يعتبر من أبرز الأصوات الموالية للنظام في حلب، عكست حالة التخبط والسخط التي يعيشها موالو النظام، بعد الصورة التي بدأت تظهر للنظام، كتابع مطيع ومنفذ للتفاهمات الروسية-التركية. محاولات الشهابي للإجابة على تلك التساؤلات، هدفت إلى ترميم صورة النظام أمام مؤيديه في حلب.

سخرية الموالين في حلب تناولت "الإصلاحات" التي قام بها النظام في المدينة، منذ أن سيطر عليها نهاية العام 2016، وسط دلائل تشير إلى أن النظام لا يبدو متمسكاً بحلب. إذ ما تزال المرافق العامة والخدمات على تنوعها في حالة شلل كامل، من المياه والكهرباء والنقل الداخلي. وفي الشمال من حلب، في القرى شرقي بلدتي نبل والزهراء، سخر قادة مليشيات النظام من الموالين في البلدتين: "لا تتعبوا أنفسكم وتصادروا الأملاك التي تركها أصحابها وتزرعوا أراضيهم في القرى المحيطة بكم، لن يطول الأمر كثيراً"، كما قال أحدهم. الكثير من المشاريع الخدمية كان قد توقف العمل فيها قبل الانتهاء منها. العديد من الطرق في ريف حلب الشمالي التي تصل المدينة ببلدتي نبل والزهراء، كانت قد توقفت عمليات التعبيد فيها.

نائب رئيس هيئة الأركان في "الجيش الوطني السوري" المعارض، العقيد أحمد العثمان، أكد لـ"المدن"، أن طموحات المعارضة ليست مستحيلة التحقق خلال الفترة القادمة، وقال: "بالنسبة لنا، النظام هو العدو الأول، وإن تغيرت الترتيبات بعض الشيء فهذا لا يعني أن لا نحارب النظام. بعد تحرير عفرين أصبحت خطوط التماس مع النظام قريبة جداً، وفي أي لحظة يمكن أن يتم الاشتباك معه، خاصة أن بعض القرى التي ما زالت تحتلها مليشيات الوحدات والعمال الكردستاني، يجول فيها النظام كما يريد. وقد يكون اتجاهنا مختلفاً في المرحلة المقبلة، ولكنه لن يطول".

مليشيات نبل والزهراء لم تخفِ سخطها من الدور الروسي الذي سهل تقدم "غصن الزيتون" إلى أطراف البلدتين. وهاجم ناشطون إعلاميون مقربون من المليشيات في نبل، الاتفاق الروسي–التركي، وتوعدوا بالتصدي لأي محاولة تقدم في المنطقة نحو البلدتين. مراسل "قناة الميادين" رضا الباشا، والمقرب من مليشيات نبل والزهراء، لمح إلى أن الأيام القادمة تحمل في طياتها الكثير من التطورات، محملاً روسيا مسؤولية ما يجري شمالي حلب، مؤكداً أن المعارضة والجيش التركي سيندمون في حال واصلوا التقدم في محيط بلدتي نبل والزهراء. ويعكس مواقف المليشيات في نبل والزهراء الموقف الإيراني الذي يطمح إلى وقف عملية "غصن الزيتون" عند الحد الذي وصلت إليه، وربما سيكون لهذا الموقف آثاراً واقعية في الميدان خلال الفترة القادمة.

ويبدو أن التفاهم التركي–الروسي حول حلب، إن وجد فعلاً، قد حقق بعضاً من أحلام المعارضة المسلحة، لكن البقية لن تكون سهلة. فالمعارضة المدعومة تركياً ستواجه في المرحلة القادمة مسلحين مدعومين من إيران، فهل ستدفع طهران باتجاه مواجهة مفتوحة وبالوكالة لمنع إكمال التفاهم بين روسيا وتركيا، والذي جرى بحضورها؟ أم أن مخاوف الموالين مبالغ فيها، ومن المبكر الحديث عن تفاهمات يصل مداها إلى مركز مدينة حلب، على الأقل في الوقت الحالي الذي تعتبر فيه الوجهة المقبلة لـ"غصن الزيتون" نحو منبج، ذات أولوية على الدخول في تعقيدات جديدة.