فشل مساعي وقف إقتتال "تحرير سوريا" و"تحرير الشام"

خالد الخطيب
الجمعة   2018/02/23
"تحرير سوريا" اتهمت "تحرير الشام" بالغدر (أنترنت)
استعادت "هيئة تحرير الشام" السيطرة على قرى وبلدات حاس وكفرنبل وأورم الجوز وكفر شلايا في ريف ادلب، وبلدة كفرناها في ريف حلب الغربي، بعد اشتباكات عنيفة مع "جبهة تحرير سوريا" التي سيطرت على قريتي الفقيع وكرسعة في ريف حماة. وعاشت البلدات التي شهدت تبادلاً للسيطرة بين الطرفين، في وقت قياسي، حرب شوارع وقصفاً متبادلاً بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، ما تسبب بقتل أكثر من 10 عناصر لـ"تحرير الشام" وأسر آخرين بينهم قياديون من "قاطع حماة".

وسيطرت "تحرير الشام" على قرية الرويحة في جبل الزاوية في ريف إدلب، ليل الخميس/الجمعة، وقالت وكالة "إباء" أن "الهيئة" سيطرت على الرويحة بعد معارك مع "صقور الشام"، التي سلّم أكثر من 15 عنصراً منها أنفسهم لـ"الهيئة".

"تحرير سوريا" اتهمت "تحرير الشام" بالغدر، واستغلال التفاهمات المحلية التي تجري في قرى وبلدات ريفي ادلب وحلب الغربي، بهدف تحييدها بشكل مؤقت، ومن ثم الانقضاض عليها مجدداً في حال انتهت "الهيئة" من القتال في جبهات أخرى. وتؤكد "تحرير سوريا" أن من يقاتل الآن في صفوف "تحرير الشام" هم عناصر "جبهة النصرة" المقربين من الجولاني، بينما اعتزل كثيرون القتال ولا يرون فيه أية مشروعية.

المواجهات بين الطرفين مستمرة في قرى وبلدات ريف حلب الغربي، ومنطقة الجمعيات، وعلى أطراف مدينة دارة عزة، حيث استقدمت "تحرير الشام" تعزيزات عسكرية إضافية خلال الساعات الماضية إلى مناطق غربي حلب. "قاطع البادية" التابع لـ"تحرير الشام" اشترك في العمليات الهجومية في ريف حلب الغربي ونشر حواجزه.

وفشلت مساعي الشرعيين المستقلين الأربعة، السعوديان مصلح العلياني، وعبدالله المحيسني،  والشيخ عبدالرزاق المهدي، وأبو محمد الصادق، الهادفة لوقف القتال، وقال الشرعيون الأربعة في بيان لهم نشر في موقع "تلغرام": "الأقوال التي يذكرها كل طرف متناقضة تماماً مع بعضهم البعض، والكل يدعي أن معه الحق دون الآخر، ولو صح ما نسب للزنكي ما ذكرته  الهيئة من قضايا عندهم، فإنه يجب الخضوع لمحكمة تحكم فيهم سواءً طائفة أو أعياناً. ونرى أن عذر الهيئة في عدم قبول المحكمة الشرعية لاينهض بأن يكون مبرراً شرعياً. الواجب اليوم على الهيئة أن يرتضوا محكمة شرعية تصدر حكمها في هذه القضايا، خاصةً أن الزنكي لم تمتنع عن ذلك لا بشوكة ولا بغيره، ويجب على كل عاقل حريص على الساحة إيقاف هذا القتال".

الشرعي أبو محمد الصادق، كان أكثر وضوحاً في بيان الدوافع التي تقف وراء هجوم "تحرير الشام" الأخير، فقال في "تلغرام": "لقد تبين لنا من خلال زيارتنا للهيئة باعثهم الأهم من وراء قتالهم للزنكي، ألا وهو تخوفاتهم من تحرير المنطقة بين الزنكي ودرع الفرات، ويعني ذلك ازدياد قوة الزنكي ونفوذه وسيطرته من خلال اتصاله جغرافياً بالريف الشمالي لحلب بالإضافة إلى إمكانية وصول فصائل الدرع إلى إدلب بسهولة. طبعا هذا السبب الأهم إضافة إلى التهم الموجهة للزنكي والتي ظهر لنا حجم التناقضات في كلام الأسرى عند الطرفين". وأضاف أنهم عرضوا على "تحرير الشام" الكثير من العروض لوقف القتال، من بينها خضوع الطرفين لمحكمة شرعية، لكنهم "لم يقبلوا الحل الذي عرضناه عليهم، وتعللوا بضيق الوقت لتسارع عمليات غصن الزيتون، ثم بينا لهم أنه لايوجد في أذهاننا غير هذا الحل حالياً، وينبغي عليكم بدل أن تدخلوا في قتال لأجل تخوفاتكم أن تبحثوا عن حل شرعي منطقي".

وتخشى "تحرير الشام" من القوة المتنامية لـ"حركة نور الدين الزنكي" والتي تشكل عماد تحالف "جبهة تحرير سوريا". وعلى الرغم من أن "حركة أحرار الشام" هي من تسلمت قيادة الصف الأول في الكيان الاندماجي الجديد إلا أن "الزنكي" أكثر قوة من "أحرار الشام"، عدة وعتاداً، ويزيد عدد عناصرها عن 10 آلاف بعدما انضمت إلى صفوفها العديد من الكتائب والتشكيلات المسلحة خلال الشهرين الماضيين. الأمر الذي أثار قلق "تحرير الشام". بينما لا يزيد عدد عناصر "أحرار الشام" عن خمسة آلاف عنصر مشتتين خلف قيادة هزيلة. "الأحرار" كانت قد خسرت سلاحها النوعي في فترة سابقة لحساب "تحرير الشام".

قوة "الزنكي" تخيف "تحرير الشام"، والتي تحاول جاهدة القضاء عليها في ريف حلب الغربي، وهو ما يفسر عدم قبولها أي مسعى لوقف القتال. وما ذكره الشرعي أبو محمد الصادق، حول تخوف "تحرير الشام" من وصول فصائل "درع الفرات" إلى ادلب بعد فتح الطريق المحاذي للحدود السورية التركية في محيط منطقة عفرين شمالاً وغرباً، يشير إلى احتمال تصاعد القتال بين الطرفين خلال الأيام القليلة القادمة، في حال لم تقدم "الزنكي" ضمانات ملموسة لـ"تحرير الشام".

وفي السياق، دخل "جيش الأحرار" على خط المواجهات إلى جانب "تحرير سوريا". جاء الإعلان عن ذلك في بيان خجول لـ"جيش الأحرار"، الذي أكد أنه لن يقف مكتوف اليدين حيال ما يحدث من إراقة الدماء، وتدمير للساحة، الرابح فيها خاسر، والمستفيد من ذلك في نهاية المطاف هو النظام وحلفاؤه.

"تحرير سوريا" و"صقور الشام" و"جيش الأحرار"، اتهموا "الحزب الإسلامي التركستاني" بالاصطفاف إلى جانب "تحرير الشام" في الاقتتال الحاصل، واشتراكهم الفعلي في المعركة على الرغم من وعودهم بعدم الخوض فيها، ونصحوا المهاجرين عامة وقيادة "التركستاني" خاصة، بعدم الخوض في دماء أهل الشام. ونفى "التركستاني" الاتهامات الموجهة ضده، وأكد في بيان في موقع "تلغرام"، أنه "لم يدخل القتال إلى جانب أي طرف من الأطراف ولكنه رد على مصادر النيران في بعض المواقع التي استهدفت من قبل الفصائل".

استفادت "جبهة تحرير سوريا" كثيراً من الجهاديين المهاجرين المناهضين لـ"تحرير الشام"، ممن ظهر دورهم جلياً في القتال الحاصل مؤخراً. علي العرجاني، وصلاح الدين المغربي، وماجد الراشد، كان لهم دور كبير في الرد على أنصار "تحرير الشام"، ومُنظريها، في وسائل التواصل. وانعكس دورهم في الميدان إلى جانب "تحرير سوريا" في أكثر من موقع. هؤلاء المهاجرون يعرفون جيداً أساليب السلفية الجهادية "القاعدة"، عموماً في تجريم خصومها والقضاء عليهم انطلاقاً من تأويلات شرعية تخدم مصالحها.