اغتيال خاشقجي يعيد قضية ريجيني إلى الضوء

عبدالرحمن اسماعيل
الأحد   2018/12/09
AFP - أرشيف

في أحد تسريباته المصورة والمتداولة إعلامياً على نطاق واسع، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في معرض حديث موجه لمجموعة من الضباط عندما كان وزيرا للدفاع، إن الضباط المشاركين في قمع احتجاجات رابعة لو تسببوا "في إن حد يموت أو يحصل حاجة في عينيه، مش هيتحاكم، لا مش هيحصل خلاص، والمتظاهرين قد أدركوا ذلك".

الحديث المسرب في 3 أكتوبر/تشرين 2013 عقب 3 شهور من عزل السيسي للرئيس الأسبق محمد مرسي، كان إحدى دعامات تحالف 30 يونيو الأمني، وإحدى ركائزه الأساسية، فمنذ ذلك الحين، لم تتم محاسبة أي من أفراد الأجهزة الأمنية المتورطين في كل ماشهدته مصر من أحداث عنف ووقائع جرت في السنوات الخمس الماضية.

هذا التسريب ربما يكون أحد عوامل تفسير تمسك الحكومة المصرية بعدم التعاون الجاد والكامل لكشف ملابسات جريمة قتل وتعذيب الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، ليقينها أن المحاسبة الجادة ستفضي ربما إلى محاكمة للمتورطين في القضية، وهو أمر إن تم سيكون له تداعياته على تحالف الأجهزة الأمنية المصرية وولائها للسيسي، وهو تحالف قائم على الولاء مقابل توفير الحماية، وزيادة الامتيازات المادية والاجتماعية.

آنذاك، وإثر اكتشاف الجريمة، كان وفد من رجال الأعمال الإيطاليين في زيارة رسمية إلى مصر بصحبة وزير الصناعة الإيطالي، لكنهم قطعوا زيارتهم وعادوا إلى روما.

تطورات الأحداث عقب اكتشاف جثة ريجيني، شهدت تصعيدا كبيرا في العلاقات المصرية الإيطالية، وصلت إلى حد سحب السفير الإيطالي من القاهرة في أبريل/نيسان 2016، لـ"التشاور" وفق ما أعلنت الخارجية الإيطالية آنذاك، وهو تشاور طالت مدته حتى 17 شهراً.

عودة السفير الإيطالي للقاهرة، بحسب مصدر مصري مطلع، شهدت تقديم الجانب المصري، تسهيلات عديدة للجانب الإيطالي، في جوانب اقتصادية واستخباراتية بشأن الأحداث في ليبيا، وكذلك بشأن قضايا الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط.

وحصلت شركة "إيني" الإيطالية على العديد من عقود اكتشاف حقول الغاز المصرية في البحر المتوسط، بينها حقل ظهر، الأضخم في مصر حتى الآن، وهي عقود قفزت بإيطاليا إلى المركز الأول في سوق اكتشافات الطاقة المصرية، بعد أن كانت بريطانيا هي الشريك الأول لمصر لسنوات طويلة.

لكن التصعيد الإيطالي الأخير، بعد إعلان المدعي العام في روما إعداد قائمة مشتبه بهم في قضية ريجيني مؤلفة من 5 ضباط مصريين للتحقيق معهم، أعاد خلط الأوراق أمام الحكومة المصرية، التي ظنت أن صفحة ريجيني قد طويت، وهو تصعيد تزامن مع العاصفة التي أحدثتها قضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل سفارة بلاده في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وكانت وكالة أنباء "الشرق الأوسط" الرسمية قد نقلت عن مصدر قضائي مصري قوله، إن الجانب الإيطالي طلب موافقة النيابة العامة المصرية على إدراج بعض رجال الشرطة على قائمة المشتبه بهم في قضية قتل ريجيني. وأوضح المصدر أن الجانب المصري رفض الطلب الإيطالي.

وتثير إيطاليا قضية ريجيني من بوابة حادثة قتل 5 أشخاص، اتهمتهم وزارة الداخلية المصرية  بالتورط في خطف وقتل ريجيني بدافع السرقة، قبل أن يلقوا مصرعهم في اشتباك مع قوات الداخلية المصرية أثناء محاولة للقبض عليهم. وعثر مع المتهمين، وفق الصور المنشورة في مارس/آذار 2016، على متعلقات شخصية لريجيني، وهو ما يطرح تساؤلا حول كيفية وصول هذه المتعلقات لهم؟ وهي رواية رفضتها إيطاليا، واضطرت معها الحكومة المصرية إلى نفيها لاحقاً، من دون أن تقدم تفسيراً لواقعة قتل الأشخاص الخمسة.


وكالة الأنباء الرسمية المصرية، أعلنت على لسان مصدر قضائي أن النيابة العامة رفضت طلبا إيطاليا بإدراج أسماء بعض من تتهمهم إيطاليا بقتل ريجيني على قائمة المشتبه بهم، لعدم وجود أدلة على هذا الطلب، وفق البيان الرسمي؛ لكن في الوقت نفسه، فإن المسار الوظيفي للأسماء التي تطلبها إيطاليا لم يتأثر عقب الحادثة، حيث استمرت ترقياتهم الوظيفية وصولا إلى أن أحد أبرز الأسماء اللواء خالد شلبي، تولى منصب مدير أمن الفيوم في حركة تنقلات الشرطة الأخيرة.

تخوفات الحكومة المصرية لا تنتهي، وتتصاعد مع الوقت، فيما خياراتها وقدراتها على المناورة تقل، فتداعيات قضية خاشقجي تلاحق الحليف السعودي، والتخوفات من تحول قضية ريجيني إلى قضية رأي عام عالمي تتصاعد.