النظام في سنجار..ما الذي يشغل المعارضة و"تحرير الشام"؟

خالد الخطيب
الإثنين   2018/01/08
سيطرت المليشيات على أكثر من 25 قرية ومزرعة (انترنت)
حققت مليشيات النظام تقدماً كبيراً في ريف ناحية سنجار في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، خلال الساعات الـ48 الماضية. وسنجار هي المحطة الأهم التي وصلتها مليشيات النظام في طريقها نحو مطار أبو ضهور العسكري، وتعتبر من كبريات التجمعات العمرانية والسكانية في مناطق ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وفيها منشآت ومبانٍ تؤمن حصانة جيدة للمليشيات في حال تعرضت لهجمات معاكسة من قبل المعارضة و"تحرير الشام"، وبالتحديد مطحنة سنجار المرتفعة. كذلك تعتبر البلدة عقدة طرق مواصلات مهمة تربط ريفي إدلب الجنوبي والغربي، ومناطق إدلب في أرياف حلب الجنوبي وحماة الشمالي والشرقي.

وسيطرت المليشيات على أكثر من 25 قرية ومزرعة؛ الشيخ بركة وأم مويلات واللويبدة الشرقية والناصرية وحوا والمتوسطة وتل عمارة والمكسر فوقاني والمكسر تحتاني والمشهد ومريجب المشهد وباشكون وام الهلاهيل وسرجة شرقية وخيارة ورملة ونباز القبلي ونباز الشمالي وصراع وصريع وجديدة وتل دم وتل الخزنة وكفريا المعرة، بالإضافة لمركز ناحية سنجار.

المليشيات هاجمت سنجار، الأحد، من ثلاثة محاور؛ الأول من الجنوب الشرقي قادماً من قرية حوا، والثاني وهو الأوسط قادماً من قرية الشيخ بركة، والثالث مكّن المليشيات من السيطرة الفعلية على البلدة من الجهة الجنوبية الغربية انطلاقاً من أم الهلاهيل وسرجة. سنجار تعرضت لقصف جوي وبري هو الأعنف أجبر المعارضة و"تحرير الشام" على الانسحاب منها.

وحاولت مليشيات النظام التقدم إلى ما بعد سنجار، من جهة الجنوب الشرقي في المحور المتقدم نحو أبو ضهور ومطارها العسكري، ومهدت بالأسلحة الثقيلة على قرى وبلدات الفرجة وعجاز وأبو طحيجة ومرداغنة وعوجا وكراتين كبيرة وأم ميال المعرة. وطال القرى والمزارع ذاتها قصف جوي مكثف من الطيران الحربي والمروحي، ليل الأحد/الاثنين، قتل خلاله عدد من عناصر فصائل المعارضة و"تحرير الشام".


(المصدر: LM)

وشهدت إدلب، الأحد، سلسلة من المجازر بسبب القصف الجوي المستمر، وتجاوز عدد الغارات الجوية 200 غارة، السبت والأحد. مروحي البراميل كثف من طلعاته خلال الساعات الـ24 الماضية دعماً للمليشيات التي كانت تمشط القرى والمزارع غربي وشرقي سنجار. القصف الجوي تسبب بمقتل ثلاثة مدنيين في كفرنبل، وفي قرية الشيخ أحمد قتل ثلاثة مدنيين، واثنين في الغدقة، وأربعة في كنصفرة، وفي قرية الفعلول وقعت مجزرة مروعة راح ضحيتها 12 مدنياً. الطائرات الحربية والطائرات بدون طيار، لاحقت النازحين أثناء فرارهم من جنوبي ادلب وريف حلب الجنوبي، واستهدفت بصواريخها والرشاشات الطرق الأمر الذي تسبب بحالة من الذعر بين الأهالي الفارين من الموت.

وفي مدينة ادلب قتل 35 مدنياً على الأقل، وجرح العشرات، ليل الأحد/الإثنين، بعد استهداف مجمع سكني في شارع 30 بسيارة مفخخة، بحسب ناشطين. "الدفاع المدني" في إدلب أكد بأن الاستهداف من الطيران الحربي، والدلائل على ذلك اتضحت بعد معاينة المكان وانتشال جثث القتلى من تحت الأنقاض. ورجّح الدفاع المدني أن تكون طائرة روسية هي من قصفت الموقع بقنابل شديدة الانفجار محمولة بمظلات وتم القاؤها من علو مرتفع.

وبالتزامن مع تقدم مليشيات النظام حقق تنظيم "الدولة الإسلامية" تقدماً جديداً في قرى ومزارع ريف إدلب الجنوبي الشرقي، في محور موازٍ للعملية العسكرية التي تشنها المليشيات جنوبي إدلب. وسيطر التنظيم على 15 قرية ومزرعة، هي ضباعية وجبل حوايس وعب خزنة وعب القناة وحوايس أم جرن وقلعة الحوايس وجب الصفا وعقلة وتل الحلاوة وعبلة ودلالة وخيرية وأبو حبة وجبل المدور وتلال رسم الحمام. والقسم الأكبر من المواقع التي سيطر عليها التنظيم تتبع إدارياً لريف إدلب الجنوبي الشرقي.


محور عمليات التنظيم المتقدم في ريف إدلب استفاد من التغطية النارية التي وفرتها مدفعية مليشيات النظام والغارات الجوية الحربية التي استهدفت القرى الواقعة على الأطراف الشرقية لمحور عمليات المليشيات. وفي بعض المواقع اشتركت مليشيات النظام والتنظيم في الهجوم على مواقع المعارضة و"تحرير الشام"، كما جرى، الأحد، في قريتي عب خزنة وعب القناة، وخسر الطرفان أكثر من عشرين عنصراً قتلوا في حقول الألغام التي زرعتها "تحرير الشام" في القريتين.

وتحاول مليشيات النظام الاستفادة من حالة الارتباك في صفوف المعارضة و"تحرير الشام"، وإحراز تقدم سريع في المنطقة، وتقليص المسافة التي تفصلها عن أبو ضهور ما أمكن، وفي الوقت ذاته زيادة عرض محور تقدمها في المنطقة. فمليشيات النظام تشعر بأنها ستكون عرضة لهجمات معاكسة قريباً، لذا فهي تعزز مواقعها الخلفية في محور التقدم بمزيد من العناصر والعتاد الحربي. ونشرت مليشيات "درع القلمون" و"لواء الباقر" و"مليشيا العشائر" التابعة لأحمد درويش، المئات من مقاتليها على جانبي محور التقدم جهتي الشرق والغرب. "مليشيا العشائر" ضمّت إلى صفوفها عشرات العناصر من أبناء المنطقة بعد سيطرة النظام عليها.

مليشيات النظام حافظت على قوام قواتها المنتشرة في كامل جبهات ريفي حماة الشمالي الشرقي، وحلب الجنوبي، ونفذت هجمات متتالية خلال اليومين الماضيين بهدف إشغال فصائل المعارضة و"تحرير الشام"، ومنعها من إرسال تعزيزات باتجاه المناطق المستهدفة في ناحية سنجار في ريف إدلب. المليشيات تقدمت، الأحد، في منطقة جبل الحص جنوبي حلب، وسيطرت على قرية رسم سيالة، وحاولت السيطرة على برج سبينة.

"قاطع البادية" التابع لـ"تحرير الشام" ما زال متواجداً في جبهات الرهجان وجبل الحص، ويشاركه في جبهات القتال كتائب محلية تابعة للعشائر، و"فيلق الشام" و"الفرقة 23" و"جيش الأحرار". ويشارك "جيش النخبة" التابع لـ"تحرير الشام" فصائل "جيش النصر" و"جيش ادلب الحر" و"الجيش الثاني" و"الفرقة الوسطى" في عمليات التصدي للنظام وتنظيم "الدولة" في ريف إدلب. أما "حركة أحرار الشام الإسلامية" فقد تمكنت، الأحد، من استعادة السيطرة على قرية تل دم وتلتها القريبة، بعدما سيطرت عليها مليشيات النظام المتقدمة نحو سنجار. وتقع قرية تل دم غربي محور عمليات المليشيات في المناطق غربي سكة الحجاز، وما زالت "الحركة" تتمركز غربي محور عمليات المليشيات المتجه نحو الشمال الشرقي، وتشاركها في المنطقة "حركة نور الدين الزنكي" وفصائل غرفة العمليات المركزية التي تجمع "جيش النصر" و"الجيش الثاني" و"جيش ادلب الحر". أما "جيش العزة" فقد قام بتجميع كامل عناصر وعتاده الحربي في جبهات ريف حماة الشمالي في اللطامنة والزكاة ومورك.

تحرك "أحرار الشام" الأخير واستعادتها لقرية تل دم، تناوله الشرعي السابق في "تحرير الشام" السعودي عبدالله المحيسني، والشيخ عبدالرزاق المهدي المقرب من السلفية الجهادية في إدلب، بالإضافة لشخصيات أخرى محسوبة على التيار السلفي، في محاولة منهم لدفع "الحركة" للزج بمزيد من ثقلها العسكري خلال الفترة المقبلة، والمشاركة بفعالية أكبر في عمليات التصدي للمليشيات. "أحرار الشام" أصدرت، الأحد، بياناً مطولاً ارتكز على ثلاثة مفاصل مهمة بدأته بمقدمة هجومية ضد "تحرير الشام" محملة إياها مسؤولية ما يجري في ريف ادلب، وتبرأت من اتفاق أستانة ونفت مشاركتها بأي اتفاق يقضي بتسليم المناطق للنظام، وانتهت بإعلان النفير العام للتصدي لمليشيات النظام.

وجاء في بيان "الحركة": "ندعو الفصائل والمؤسسات الثورية والنخب والعلماء والعشائر إلى تحمل مسؤولياتهم بالدفاع عن المحرر كل في ثغره وبحسب قدرته، وذلك بالتواصل مع القائمين على الثغور والنقاط لدعمهم مادياً ومعنوياً ولوجستياً وإعلامياً، ورغم قلة الإمكانيات نعلن النفير العام لصد النظام، وسيتم زيادة أعداد المجاهدين والعمل مع جميع الفصائل الثورية لاستعادة المناطق التي خسرتها الثورة خلال الفترة الأخيرة".

وفي مقابل تحرك "أحرار الشام" وإعلانها النفير العام، كان قائد "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني، يجتمع مع مجلسه العسكري، الأحد، والذي ضمّ قائد العمليات "أبو عبيدة كنصفرة"، وقادة من "جيش النخبة" و"قاطع البادية". وقالت "تحرير الشام" إن هدف اجتماع الجولاني بالقادة الميدانيين هو التشاور واتخاذ القرارات لمواجهة التطورات الميدانية الأخيرة في ريف إدلب.

"تحرير الشام" أصدرت بياناً، الأحد، استنكرت من خلاله الاتهامات الموجهة ضدها، والتي تتحدث عن انسحابها من جبهات القتال وإفساح المجال للمليشيات لكي تتقدم جنوبي ادلب. وجاء في بيان "تحرير الشام": "اليوم حين سقطت بعض القرى في ريف إدلب الجنوبي خرجت علينا بعض الأصوات تدعي أن الهيئة تسلم المناطق أو تنفذ اتفاقات الأستانة أو غيرها من اتفاقات الذل والعار التي دعت الهيئة من أول يوم إلى نبذها ورفضها، وعملت على إفشالها وتقويضها ما استطاعت، لقد حذرنا من قبل من حملة قريبة للنظام خصوصاً بعد انتهائه من معارك البوكمال والشرقية. اليوم تُتهمُ الهيئة أنها هي من تطبق خيانات الثورة وتنفذها، فلسنا نحن من جلس في الأستانة وأسبغ الشرعية على نظام الأسد، ولسنا من اتفق مع العدو المحتل وسلم له احداثيات مقراته وثكناته، ولسنا من بارك مناطق خفض التصعيد، والتي يحاول النظام التقدم إليها اليوم بدعم روسي تنفيذاً لها".

واستفزت حملة التخوين التي طالت "تحرير الشام" قادة وشرعيين آخرين، وأجبرتهم على الخروج عن صمتهم. عبدالرحيم عطون، والإدريسي، وأبو الفتح الفرغلي، والمصري أبو اليقظان، وأبو ماريا القحطاني، وأبوعبدالملك الشامي، وأبو عبدالله الشامي، وأبو عدنان الحموي، انصبت تعليقاتهم على سرد البطولات والتضحيات التي قدمتها "تحرير الشام" خلال أكثر من 100 يوم من المعارك في مناطق شرق سكة الحجاز، ولم يخفوا دهشتهم من اتهام "تحرير الشام" بتسليم المناطق برغم كل ما قدمت من تضحيات في جبهات القتال ضد مليشيات النظام بحسب زعمهم.

عملياً، صُعقت "تحرير الشام" من حملة التخوين التي أثيرت ضدها، بعدما كانت تتوقع العكس. إذ كانت "تحرير الشام" تعمل على استثمار الأوضاع الميدانية المتدهورة لحشد الشارع ضد فصائل المعارضة المسلحة التي اعتزلت القتال، أو على الأقل ظلت مشاركتها خجولة، ومن ثم الاستفادة من عملياتها في الميدان لاحقاً لتظهر بمظهر المنقذ الشرعي. لكن النتائج جاءت عكسية، فاستفادت "أحرار الشام" من الحملة ضد "تحرير الشام". بيان "الحركة" كان أول تصريح رسمي بهذا القدر من الثقة والتصعيد منذ أن خسرت معركتها مع "تحرير الشام". كما أتاحت الحملة الموجهة ضد "تحرير الشام" الفرصة لعشرات المدافعين عن "الأحرار" ومنظريها للمشاركة في الحملة التي تسببت لـ"تحرير الشام" بالكثير من الحرج أمام أنصارها في ادلب. فخسرت "تحرير الشام" قسماً كبيراً من أنصارها ومؤيدها خلال الأيام القليلة الماضية بسبب الحملة.

الانتكاسة الأخيرة لـ"تحرير الشام" في الميدان وعلى الصعيد الإعلامي هيأت الأجواء لولادة تحالف جديد في ادلب. ولن تستطيع "تحرير الشام" التحكم بمجريات المعركة المقبلة، كما كانت تخطط باعتبارها القوة الوحيدة المتنفذة على الأرض. وسيكون تحالف الفصائل و"تحرير الشام" ندياً، وستعمل فصائل المعارضة المسلحة و"أحرار الشام" على الظهور بمظهر الحريص على استعادة المبادرة على الأرض ووقف زحف المليشيات. وإن نجحت الفصائل و"الأحرار" في ذلك، فسيكون نجاحها الضربة الثانية التي تتلقاها "تحرير الشام".

مصدر عسكري معارض قال لـ"المدن": "ستشهد الأيام القليلة المقبلة تحركات عسكرية معاكسة لفصائل المعارضة و"تحرير الشام" في المناطق شرقي سكة الحجاز، وفي محور سنجار–أبو ضهور، على وجه التحديد. وستقسم الجبهات على قطاعين، لكل قطاع غرفة عملياته الخاصة. وهناك تحضيرات لعمليات عسكرية نوعية ضد مليشيات النظام في محاور تقدمها جنوبي ادلب".

وأوضح المصدر أن فصائل المعارضة المسلحة و"تحرير الشام" و"الحزب الإسلامي التركستاني" أرسلت تعزيزات عسكرية ضخمة مؤخراً، تمركزت في الخط الثاني والثالث، ولم يحن الوقت بعد للزج بها في المعركة التي ستكون بتنسيق بين كامل قطاعات العمل في المنطقة.

أمام فصائل المعارضة و"تحرير الشام" فرصة ذهبية لاستعادة ما خسرته جنوبي ادلب. وعلى الرغم من خسارة المعارضة لناحية سنجار الاستراتيجية والتي تعتبر خطاً دفاعياً مهماً عن أبو ضهور، إلا أنها تملك الكثير من مقومات الضغط والمفاجأة في الميدان. فهل ستحسن المعارضة و"تحرير الشام" استغلال الفرصة، أم أن كل ما جرى من تطورات وبيانات هي محاولة إشغال أخرى للشارع للتغطية على المرحلة الثانية من تقدم مليشيات النظام ودخولها أبو ضهور؟