الرقة: المعركة تقترب من نهايتها

عبدالقادر ليلا
الثلاثاء   2017/09/05
أدوات التنظيم القتالية من العربات المفخَّخة والألغام الأرضية أصبحت محدودة الفاعلية (Getty)
أكثر من 200 غارة جوية وأكثر من ألف قذيفة، كانت حصَّة مدينة الرقة خلال أيام عيد الأضحى؛ لم يُمنح الأهالي هدنةً للعيد ليرفعوا فيها الأنقاض عن جثامين أحبائهم أو يسعفوا جرحاهم أو يدفنوا ضحايا القصف العشوائي الذين تجاوز عددهم 45 قتيلاً مدنياً، منهم ثلاث عائلات بأكملها.

هذا الأسبوع شهد تقدماً سريعاً ومهماً لـ"قوات سوريا الديموقراطية" على حساب تنظيم "الدولة الإسلامية" في جميع محاور القتال في المدينة: من جهة الغرب تقدمت "قسد" وسيطرت على كامل حي الدرعية "التصحيح" بعد تطبيقها تكنيك "فكّي الكماشة"، إذ التقت قواتها القادمة من الكتل السكنية المحيطة بجامع النور مع أخرى قادمة من منطقة المرور. وانتقلت المعارك إلى المشفى الوطني الذي أصبح في مرمى نيران "قسد"، وتمت السيطرة على أجزاء منه ليبقى الإعلان عن السيطرة عليه بشكل كامل خلال الأيام القليلة المقبلة.

وفي خط الاشتباك الشرقي أحرزت "قسد" تقدماً استراتيجياً على التنظيم مخترقةً المدينة القديمة إلى شارع الوادي، ليصبح شارع تل أبيض، السوق المركزي والأهم، خط نار ومواجهة. وبذلك تكون أزقته الفرعية مع شارع الوادي قد أصبحت مساحات كرّ وفرّ بين "قسد" شرقي المحور وتنظيم "داعش" غربه.

وستسيطر"قسد"على ما يقارب 75 في المئة من مساحة المدينة، عند وصولها إلى الملعب البلدي، في حال التقت قواتها المتقدمة جنوبي حارة البدو بأُخرى قادمة من مشفى الطب الحديث عَبْر منطقة الفردوس. وتكون بذلك "قسد" قد بسطت سيطرتها تلقائياً على مُجمَل حي الثكنة وحي الشراكسة، ليسهل تقطيع أوصال تلك الأحياء بواسطة تكتيك فكّ الكماشة أيضاً.

في المدينة القديمة، داخل سور الرقة الأثري، تمت السيطرة على الجامع القديم الذي يعتبر معلماً بارزاً لأهميته المعنوية، وكان المتحدث باسم "التحالف" الكولونيل ريان ديلون، قد أكد منذ أيام على أهمية السيطرة عليه.

ويعتمد التنظيم على شبكة معقدة من الأنفاق التي أقامها قبل إحكام حصار المدينة وانتقال المعارك إلى محيطها القريب، ما ضاعف مقدرة التنظيم على الالتفاف خلف خطوط التماس والانغماس المفاجئ في مناطق "قسد"، وساعد في تأمين انسحاب الانغماسيين بسهولة وسريَّة ومن ثم الهجوم المباغت بتكتيك الكرّ والفرّ. إلا أن أدوات التنظيم القتالية من العربات المفخَّخة والألغام الأرضية أصبحت محدودة الفاعلية بعدما صارت عُرضة لاستهداف طيران "التحالف" منذ خروجها من مخابئها، لتفقد بذلك عنصر المباغتة. في آب/أغسطس لوحده دفع التنظيم بـ14 عربة مفخخة، يقود معظمها مصابو الحرب.

التنظيم في الرقة في قمة انحداره، وما يعيشه الآن هو آخر أيامه، وتهاويه سيكون أسرع مما كان مخطَّطاً له بعد أن فقد السيطرة على أجزاء كبيرة من المدينة. وربما تنهار خطوط التنظيم الدفاعية المتبقية، في أيّ لحظة، ليختفي من بعدها مقاتلوه، ويقتل جزء منهم كما حصل في الموصل.

التنظيم وقع في خطأ استراتيجي في معركة الرقة، عندما ترك الأرياف وأطراف المدينة، وذهب للتمترس داخل أحياء المدينة، معزولاً بشكل كامل. التنظيم وجد نفسه محاصراً بطوق ناري في معركة صار متأكداً فيها من هزيمته. وسبب الخطأ الرئيسي هو اعتماد التنظيم على الدعويين والشرعيين في قيادة المعركة، ربما لأن العسكريين قد قتلوا أو انسحبوا إلى الشرق، بأمر من "الخليفة" البغدادي، فتَرَكَ من يريد الموت في الرقة، إذ ليس من المعقول أن تسقط عاصمة "الخلافة" وتُسلَّم من دون قتال "أسطوري" يليق بها وبسمعتها كعاصمة "المسلمين". أو كما قال أحد قادة التنظيم في خطبة الجمعة: "لن نسلم المدينة إلا هكذا"، وأشار بإصبعيه كمَن يذر الملح.

أبو أسامة التونسي، مغني الراب السابق، قتل قبل أيام في الرقة، وهو يعتبر أحد أهم أمراء الدعوة، والذي سبق وأعلن "دولة الخلافة" في ساحات المدينة. وقبله أيضاً، قتل أبو غريب الألماني، أحد الشرعيين ممن كان يقود مجموعة من المقاتلين. تسلم أمثال أولئك الدعويين المهام القتالية، يعني نقص القادة العسكريين.

أغلب المقاتلين المحليين هربوا، فلا يكلِّف الأمر إلا حلق اللحية، والتواصل مع أحد الوجهاء العشائريين في مناطق سيطرة "قسد"، ليقوم بتسوية وضعه خلال ساعات، وبعدها يندسّ في صفوف المدنيين الهاربين وكأن شيئاً لم يكن.

حكايا انقلاب عناصر التنظيم، بدأت مع تقدم "قسد" في ناحية الكرامة، المعقل المهم للتنظيم شرقي مدينة الرقة، قبل شهر تقريباً، حينها هرب مقاتلوه بشكل جماعي، وسلَّمت المنطقة من دون قتال، ما ترك الجهة الشرقية مكشوفة بعدما ظنّ التنظيم أنها خط دفاع قوي. قبل ذلك، تضمنت"التسوية" التي تمت بعد سيطرة "قسد" على قرية المعيزيلة، نقل عناصر التنظيم البندقية من كتف إلى آخر، فأصبح بعضهم مقاتلاً وقيادياً في "قسد"، مع ضمان عدم محاسبته عن تاريخه. "قسد" تبدو متسامحة مع هؤلاء المجرمين الهاربين، إذ شوهد العشرات منهم في مدينة الطبقة، وكذلك تكررت الحادثة في قرية السحل مسقط رأس أمير التنظيم.

المعلومات القليلة الواردة من داخل الرقة، تقدِّر أن عدد المتبقين من مقاتلي التنظيم، لا يتجاوز 500 مقاتل، أغلبهم من جنسيات عربية وأجنبية وبعض السوريين.

وتنتشر حال الفوضى واليأس والغضب بين صفوف التنظيم، حتى أن بعض المقاتلين أعلن صراحة أنه لم يعد يعترف بـ"أبو بكر" أميراً للمؤمنين، وأن لكل منطقة قتال الحق في مبايعة أميرها الذي يقاتل في صفوفها، لأنه وبحسب القاعدة الفقهية: "لا ولاية لقاعد على مجاهد".

عمليات الإعدام التي يقوم بها التنظيم أصبحت متكرّرة وتطال على الأغلب مقاتلي التنظيم، والجرم دائماً هو التواصل مع "الكفار والمرتدين"، وقد بلغ عدد من أعدموا خلال آب/أغسطس المنصرم أكثر من 30 شخصاً.

معركة الرقة تدخل فصلها الأخير، والنهاية بيد "التحالف الدولي" الذي سيقرر متى يعلن النصر الكبير على الإرهاب، وهذا يتطلب ظرفاً سياسياً بعدما كاد ينجز الشرط الميداني.