إيران ومشروع "ضاحية دمشق الجنوبية"

مطر اسماعيل
الجمعة   2017/09/15
الحلم الإيراني بإنشاء ضاحية "دمشق الجنوبية" ليس جديداً (Getty)
مجدداً، عاد الحديث عن عمليات التغيير الديموغرافي والتهجير القسري في محيط العاصمة دمشق، عبر ما قيل إنه صفقة تركية-إيرانية، نُشرت بعض "تفاصيلها" في الصحافة العربية. وزعمت تلك الصحف إن "ملامح صفقة جديدة ترتسم بين أنقرة وطهران برعاية موسكو تتضمن مقايضة وجود عسكري في إدلب مقابل سيطرة إيرانية على جنوب دمشق وتوسيع منطقة السيدة زينب، مما يعني توفير كتلة تأثير دائم على القرار السياسي في دمشق".

وتأتي هذه الصفقة، إن صحّت، في لحظات عصيبة يعيش فيها أهالي جنوب دمشق حالة من الترقّب والتخوّف من مصيرٍ مماثل للمناطق التي شهدت عمليات تهجيّر، في وقتٍ تسعى فيه الفصائل العسكرية في المنطقة لضمّها إلى اتفاق "خفض التصعيد" خلال مباحثات "أستانة-6"، ما من شأنه إبعاد شبح التهجير، وتثبيت الأمر الواقع بقواه المدنية والعسكرية.

الحلم الإيراني بإنشاء ضاحية "دمشق الجنوبية" ليس جديداً، إذ إن المبرر الرئيسي للتدخل الإيراني في سوريا كان بحجّة حماية المقدسات الشيعيّة. ويبعد مقام السيدة زينب عن مناطق جنوبي دمشق المحرّرة قرابة كيلومترين فقط، وبالتالي فإن المشروع الإيراني يمرّ بالضرورة عبر توسيع السيطرة على المناطق المحيطة بالسيدة زينب. الأمر الذي لم يكتمل إلى الآن، مع بقاء بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم وحي القدم الخاضعة للجيش الحر، بالإضافة لأحياء الحجر الأسود ومخيم اليرموك، بعيداً عن السيطرة المباشرة لإيران، التي تمكّنت منتصف العام 2013 من السيطرة على بلدات الذيابية ومخيم الحسينية وحجيرة والبويضة والسبينة وغزال.


(المصدر: LM)

وشهدت بلدات جنوبي دمشق في اليومين الماضيين تظاهرات كبيرة شارك فيها الآلاف رفضاً للتهجير أو اتخاذ أي قرار خارجي بحق المنطقة وفصائلها. فيما أصدرت ستة فصائل معارضة عاملة جنوبي دمشق، بياناً مشتركاً، رفضت فيه أيضاً أي اتفاق على تهجير أهالي جنوبي دمشق، لفرض سيطرة إيران على المنطقة بغرض توسيع السيدة زينب.

السيطرة الإيرانية على بقعة جغرافية متصلة من جميع الجهات غير متحققة بعد، ويبدو أن تطبيق هذا الحلم كان مؤجّلاً إلى حين الانتهاء من المعارك التي شاركت فيها المليشيات الإيرانية في حلب وحمص وريف دمشق، وصولاً إلى ريفي الرّقة وديرالزور، مؤخراً.

التخوّف الشعبي من الصفقة الجديدة المزعومة، يأتي من علنيّة الأهداف المطروحة فيه، فالمسعى الإيراني لتكريس "كتلة دائمة التأثير على القرار السياسي في دمشق" بحسب خبر الاتفاق، يعني استدامة الوجود الشيعي في مناطق ذات غالبية سنيّة مناوئة للمشروع الإيراني، وبالتالي إبقاء الجرح مفتوحاً واحتمالية الصراع ممكنة. وفي حال إقرار "الصفقة"، وأُخرِجَ الثوار من حملة السلاح، ستنزع "الشوكة" والقوة المتوفّرة حالياً في المنطقة، وسط عدم قدرة السكان العزّل على المواجهة أو الدفاع عن أنفسهم، الأمر الذي سيحوّل الأهالي إلى فرائس سهلة أمام المليشيات الإيرانية.

في المقابل، يصطدم الهدف الإيراني مع آمال النظام بعقد اتفاقية "مصالحة" تجعله صاحب القرار والمتسيّد الأول على البلدات المحرّرة جنوبي دمشق. هذا بالإضافة إلى افتراق النظام عن المشروع الروسي، المعلن على الأقل، والهادف إلى وقف إطلاق النار في مناطق التماس بين المعارضة والنظام ضمن مشروع "خفض التصعيد". وهو أمر يقلّص أيضاً المكتسبات الإيرانية إلى حدٍ لا ترضاه، ويبعد من احتمالية تنفيذ مشروع الضاحية الجنوبية. الخلاف الروسي-الإيراني سيظهر جليّاً في حال ضم جنوب دمشق إلى "خفض التصعيد" ما يضع جدار عزل أمام الطموح الإيراني.

الغريب في الصفقة المزعومة، هو القفز عن قرار الفصائل العسكرية في المنطقة الرافضة لها، وعلاقاتها وتحالفاتها الخارجية، وهي التي تعتبر محسوبة على الحلف السعودي-الأردني، وليست قريبة من تركيا. وبالتالي، يستوجب تطبيق "الاتفاق" المزعوم، موافقة السعودية والأردن ومن خلفهما أميركا، التي لطالما أعلنت رغبتها في وضع حدٍ للمساعي الإيرانية التوسعية في الأراضي السورية. لذا فإن أي اتفاق على مقايضة وجود عسكري تركي في ريف إدلب مقابل سيطرة إيرانية على جنوب دمشق يستلزم قبولاً إضافياً من المحور السعودي-الأميركي، لا التركي وحده، ما يُشكك فعلياً بمصدر الخبر، أو يتضمّن حرفاً للانتباه عما يحدث فعلاً.

الوفد التركي المشارك في مؤتمر "أستانة-6"، كان قد أكد لوفد المعارضة السورية، الخميس، عدم وجود أي اتفاق بين الاتراك والايرانيين لمقايضة إدلب بجنوبي العاصمة دمشق، مؤكداً أن العمل جارٍ لضم بلدات المنطقة إلى اتفاق "خفض التصعيد".

من جانب آخر، ثمة في جنوب دمشق تنازع داخلي بين تيارين متعارضين؛ "الثوري" و"المصالح"، والأخير يحبّذ اتفاقاً مع النظام على حساب الإيرانيين، يضمن بقاء قسمٍ من السلاح بعد "تسوية" أوضاع حامليه، ويبني حالةً من التوازن السني-الشيعي، بين السيدة زينب والمليشيات الشيعية فيها من جهة، والبلدات الثلاث؛ يلدا وببيلا وبيت سحم، والمجموعات المسلّحة التي تقبل في حال إقرار "التسوية" فيها على العمل تحت مظلّة "الدفاع الوطني".

في جنوب دمشق أيضاً مساعٍ كبيرة للنظام، لإرضاخ حي القدم في اتفاقية "مصالحة". والحي المُحاصرُ من قبل النظام وتنظيم "الدولة"، قد يشهد خلال الأيام القليلة القادمة خروج أولى دفعات الثوار إلى الشمال، بعد جولة مفاوضات عبر لجان "المصالحة". ويعاني الحي من ظرفٍ ميداني حساس، نتيجة تطويقه من جميع الجهات من النظام والتنظيم، وانقطاع اتصاله الجغرافي ببلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، ما أضعف موقفه التفاوضي، في ظلّ هشاشة الضغط الدولي على النظام لوقف عمليات التهجير. الأمر الذي أجبر الحي بعد تهديدات النظام المتكرّرة على القبول بخروج دفعةٍ واحدة، حسبما تشير مصادر "المدن"، قد تليها دفعات أخرى، إن لم يقرّ في "أستانة 6" ضم القدم والبلدات الثلاث إلى "خفض التصعيد". في المقابل، سيُترَكُ تنظيم "الدولة" في مواقعه في مخيم اليرموك والحجر الأسود والتضامن والعسالي، الى حين تسوية سلسلة التفاهمات الدولية والمحلّية التي سترسم مصير المنطقة. وإلى حينها تتضاءل خيارات السوريين المحاصرين، الذين يأملون الحفاظ على وجودهم في بلدهم في خضم الصراع بين الدول المتنازعة على ما تبقى من الأراضي السورية المحكومةِ بمصالح الآخرين.