حلب: غليان شعبي ضد مليشيات النظام

خالد الخطيب
السبت   2017/06/17
الطفل أحمد جاويش، ظل ينزف لأكثر من نصف ساعة، وعشرات المارة يحضرون المشهد، ولم يتجرأ أي منهم على اسعافه (انترنت)
تشهد المناطق التي تسيطر عليها مليشيات النظام في محافظة حلب حالة فلتان أمني غير مسبوق، ويسود الاحتقان بين الناس جراء الانتهاكات المستمرة من قبل المليشيات التي باتت تقتل وتسرق وتفرض الغرامات وتختطف من أجل الفدية، عدا عن حالات الاغتصاب المتكررة، في ظل شراكة وثيقة تربطها مع مؤسسات النظام الأمنية.

واختطفت مجموعة مسلحة من عناصر المليشيات، الخميس، سناء ذكرت (17 عاماً)، من السوق الشعبية في حي سيف الدولة في مدينة حلب، واقتادها الخاطفون إلى بناء سكني تسيطر عليه المليشيا، وتناوب 9 من أعضاء المليشيا على اغتصاب الفتاة. وقبل يومين اختطفت شهد عابدين، 16 عاماً، وهي في طريق عودتها إلى المنزل في حي الشيخ خضر، برفقة إحدى قريباتها، وما يزال مصيرها مجهولاً حتى الآن. وشهد حي الميدان حادثة اغتصاب لفتاة قاصر، الأربعاء، قالت صفحات موالية للنظام على مواقع التواصل إن مجموعة مسلحة لاذت بالفرار بعدما ارتكبت جريمتها، وقيّدت الجريمة ضد مجهول كما جرت العادة في جرائم المليشيات المتواصلة بحق أهالي حلب.

وشهدت أحياء الحيدرية والفرقان ومساكن هنانو، منذ بداية حزيران/يونيو حوادث دهس لأطفال ونساء وكبار في السن، قتلوا بعدما صدمتهم سيارات يقودها عناصر المليشيات، أو سيارات نقل عام "ميكروباصات" تديرها المليشيات داخل المدينة. طبيبة الأسنان تارلا فوسكيان قتلت في 8 حزيران بعد دهسها من قبل عنصر تابع لـ"النمر" أثناء عبورها الطريق العام بالقرب من جامع التوحيد، وهي في طريقها إلى عيادتها في حي العزيزية.

عنصر تابع لمليشيا شيعية، قَتَلَ في 11 حزيران، الطفل أحمد جاويش، 12 عاماً، في حي الموكامبو، بعدما طلب الطفل من القاتل أن يشتري منه العلكة. عضو المليشيا أطلق الرصاص من مسدسه على رأس الطفل، وسط ذهول المارة. وتتكرر حوادث القتل والشروع بالقتل بحق أهالي المدينة على يد عناصر المليشيات، والكثير من حوادث القتل تبقى مجهولة، ولا يتم الحديث عنها بسبب الخوف من الانتقام.

وللمرة الأولى منذ اندلاع الثورة السورية يخرج الحلبيون الموالون للنظام عن صمتهم، في مواقع التواصل الاجتماعي، وظهرت مؤخراً مئات الصفحات الشخصية والعامة باسماء مستعارة في "فايسبوك"، يديرها ناشطون موالون في مدينة حلب، تتناول جرائم المليشيات في مدينة حلب، وفساد أجهزة الأمن التابعة للنظام. وتتهم تلك الصفحات أجهزة الأمن بأنها شريكة للمليشيات وباتت تصفها بـ"دواعش الداخل" أو "الشبيحة". لكن استياء الحلبيين الموالين ما زال خجولاً في ظل الخوف المتحكم بهم. وقد وصلت بهم الأمور إلى أن يشاهدوا جرائم القتل والخطف تحدث أمام عيونهم من دون أن يبادروا بأي تصرف، أو على الأقل محاولة انقاذ الضحايا. الطفل أحمد جاويش، ظل ينزف لأكثر من نصف ساعة، وعشرات المارة يتابعون المشهد، ولم يتجرأ أي منهم على اسعافه.

وتتحكم المليشيات في كامل مفاصل الحياة في مناطق سيطرة النظام في مدينة حلب، وبرعاية مباشرة من مسؤولي النظام. وقد حوّلت مختلف القطاعات الخدمية إلى قطاعات استثمارية، لابتزاز المدنيين وسرقة أموالهم. وتدير كل مليشيا مسلحة نوعاً من الخدمات والمرافق العامة، تتقاسم ريعها مناصفة مع أجهزة النظام الأمنية في حلب، كـ"الأمن العسكري" و"الأمن السياسي" و"المخابرات الجوية" و"فرع حزب البعث" و"مجلس المحافظة".

مليشيا "لواء الباقر" باتت تدير قطاع النقل داخل المدينة، من خلال اسطول كبير من سيارات "الميكروباص" التي تغطي كامل المدينة بقسميها الغربي والشرقي. وينحدر معظم السائقين من عشائر محلية كانت تقاتل في صفوف النظام والمليشيات. ويعود ريع خدمات النقل إلى مليشيا "الباقر" بالتعاون مع "إدارة شرطة المرور" و"الأمن العسكري". ويشكو أهل حلب من سوء معاملة سائقي سيارات النقل العامة، ويتهمونهم بارتكاب جرائم قتل عمد، وعمليات دهس مقصودة، واستخدام سيارات النقل العامة في عمليات الخطف والسرقة التي تجري بشكل يومي في مختلف أحياء المدينة.

وعلى الرغم من دعاية النظام المستمرة حول إعادة ضخ المياه إلى حلب من نهر الفرات بعد انسحاب تنظيم "داعش"، وتسلم النظام لمحطات الضخ الرئيسية، إلا أن أزمة المياه ما تزال مستمرة من دون أي مبرر مقنع. ويقول أهل حلب إن المليشيات تتعمد تعطيل محطات الضخ، ونقاط التوزيع داخل المدينة، لتحافظ على دخلها من بيع المياه، فقد وصل سعر 1000 لتر من الماء في شهر رمضان إلى 2000 ليرة سورية (الدولار 500 ليرة).

وما زال أهل حلب يعتمدون بشكل رئيسي على المولدات للحصول على الكهرباء، وبأسعار تتجاوز 1500 ليرة للأمبير الواحد. والمولدات هي ملك للمليشيات التي تحرص على عدم توصيل الكهرباء إلى المدينة.

المساعدات الإنسانية المخصصة لمئات الآلاف من أهالي حلب تستولي عليها المليشيات، وتشكو الجمعيات الخيرية المحلية من عمليات السلب التي تتعرض لها مستودعاتها. وعيّنت المليشيات في كل حي مسؤولاً إغاثياً يتم من خلاله حصرياً توزيع أي حصص غذائية في الحي. وفي العادة تكون الفئات المستهدفة من التوزيع هي عائلات عناصر المليشيات، ولا تحصل العائلات التي ليس لديها أبناء في المليشيات على أي إعانة غذائية من أي نوع.

وفي ريف حلب الواقع تحت سيطرة النظام، يغيب دور فروع الأجهزة الأمنية الرسمية، لصالح المليشيات المسلحة المحلية التي تم إنشاؤها بالشراكة مع مليشيات كبيرة. وأصبحت مناطق ريف حلب عبارة عن إقطاعات تديرها المليشيات عبر وكلاء محليين. مليشيات "لواء الباقر" و"النمر" في ريف حلب الشرقي، ومليشيات "حزب الله" و"لواء القدس" في ريف حلب الشمالي، والمليشيات العراقية والأفغانية في ريف حلب الجنوبي. ومهمة المليشيات المحلية هي احكام القبضة الأمنية على المناطق التي تديرها، وتسخير قدراتها المالية والبشرية في خدمة المليشيات.

وأمام الاحتقان الشعبي المتزايد يحاول النظام الحد من سلطة المليشيات عبر تمكين أجهزته الأمنية في ظل الغياب شبه الكامل لدور "الشرطة العسكرية الروسية" التي انسحب جزء كبير منها خلال الشهر الماضي. فرع "حزب البعث" في حلب أصدر تعليمات جديدة، مؤخراً، تخص مليشيا "كتائب البعث" المنتشرة داخل المدينة، وتضمنت التعليمات، منع عناصرها من التجول باللباس العسكري داخل المدينة، ومنع حمل السلاح خارج المقرات، ومنع  التجوال بالسيارات والسلاح، وعدم استخدام الآليات من دون لوحات، ومنع قيادة الدراجات النارية من دون مهمة رسمية موقعة من أمين الفرع.

وتناقل ناشطون وإعلاميون محسوبون على النظام في حلب، الخميس، خبر وصول قائد "شعبة المخابرات العامة" اللواء ديب زيتون إلى حلب. ومن المقرر أن يتولى زيتون ملف الفلتان الأمني وتجاوزات المليشيات في حلب، بحسب الأنباء التي يتم تناقلها. إلا أن الحلبيين قللوا من أهمية الأخبار الجديدة التي يروجها النظام، واعتبروا القرارات الجديدة مجرد خدع وتضييع للوقت. وهذه الخطوات لا يمكن أن تكون فعالة في ظل الشراكة المعلنة بين الأجهزة الأمنية والمليشيات.

ناشطون موالون للنظام في حلب أكدوا أن كبار المسؤولين في حلب متورطون بشكل مباشر بما يجري في المدينة على يد المليشيات، لذلك لن تنجح محاولات النظام للتهدئة. وتحدث الناشطون عن تدخل مسؤولين وأعضاء من "مجلس الشعب" لإخراج المتهم بالاعتداء على لاعبي "نادي الاتحاد" محمود معراوي، الذي قام بإطلاق الرصاص على أعضاء النادي وضربهم بالسكين. فمعراوي محسوب على إحدى المليشيات العشائرية في المدينة التي يديرها أعضاء في "مجلس الشعب".