سباق دولي نحو درعا

حسين عبد الحسين
الإثنين   2017/05/29
طهران تبدو مصممة على استعادة الجنوب بالكامل من الميليشيات المحلية المنتشرة فيه (انترنت)

خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما، أرسل وزير الدفاع تشاك هيغل كتاباً الى مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، سألها فيه إن كانت الولايات المتحدة ملتزمة بتقديم غطاء جوي "للمعارضة السورية المعتدلة"، التي كانت تزمع واشنطن تدريبها وتسليحها، فجاءه الرد من رايس: "إستقل".

لم تكن الولايات المتحدة برئاسة أوباما يوماً جدية في تسليح أي فصيل سوري خارج اطار الحرب ضد تنظيم "الدولة الاسلامية، فانهار برنامجها لبناء "معارضة مسلحة معتدلة" قبل أن يبدأ، وتحول إلى مصدر تندر وتهكم.

اليوم، يدفع وزير الدفاع جيمس ماتيس ثمن سياسة أوباما بمنع قيام معارضة سورية مسلحة، فالولايات المتحدة تتكىء على الميليشيات الكردية شرق سوريا لاستعادة المناطق من "داعش" وتثبيت أمنها بعد طرد التنظيم المذكور. كما تستند واشنطن إلى الميليشيات الكردية في منع الميليشيات الموالية لإيران من ملء الفراغ الذي سيخلفه انهيار "داعش" شرقاً.

والولايات المتحدة، أو حليفتها الرئيسية إسرائيل، مهتمة بمنع تمدد الميليشيات الايرانية في الجنوب السوري المحاذي لهضبة الجولان التي يحتلها الاسرائيليون. لكن في منع إيران من تسلم الجنوب السوري من قوات الأسد المتلاشية، لا تجد الولايات المتحدة حلفاء يقاتلون على الأرض. حليف أميركا الآخر، أي الأردن، أعلن نيته إقامة حزام أمني يمنع قيام تماس بين الميليشيات الايرانية الساعية لتسلم الجنوب السوري مع الحدود الأردنية. لكن الحزام الأردني لا يكفي لتغطية جنوب سوريا ومنع التماس بين الميليشيات الموالية لطهران والمناطق التي تحتلها اسرائيل.

تل أبيب، بدورها، كانت قد حاولت إقامة توازن عسكري في الجنوب هو بمثابة فراغ هش تشرف عليه جوياً بضرب اي محاولات تسلل أو إقامة بنية تحتية عسكرية من قبل الميليشيات الايرانية. كذلك مارست اسرائيل نفوذها لدى روسيا، فامتنعت الاخيرة عن تقديم مؤازرة جوية تذكر لقوات الأسد وحلفائها جنوب سوريا، مع بعض الاستثناءات، وهو ما أبقى مشاهد البراميل المتفجرة التي ترميها قوات الأسد حاضرة في معارك محافظتي درعا والقنيطرة.

لكن طهران تبدو مصممة على استعادة الجنوب بالكامل من الميليشيات المحلية المنتشرة فيه، وهو ما يدق ناقوس الخطر لدى الاسرائيليين، الذين أوحوا لحلفائهم في واشنطن بضرورة حض الادارة الاميركية على القيام بما يلزم لمنع الميليشيات الايرانية من الاستيلاء على الجنوب السوري.

أولى بوادر تحرك أصدقاء اسرائيل جاءت في رسالة من عضوين في الكونغرس، لا يعرف عنهما اطلاعهما في السياسة الخارجية، الى البيت الابيض، حذرا فيها من نية ايران اقامة قاعدة عسكرية بالقرب من حدود الاردن او اسرائيل. وقال العضوان، الجمهوري بيتر روسكام والديموقراطي تيد دويتش، إن ايران تسعى إلى تأمين نافذة لها على المتوسط (وهو أمر لا يحتاج الى سيطرتها على الجنوب السوري بل على الشمال الشرقي لوصله بمناطق الأسد الساحلية).

الرسالة الكونغرسية لا تعني الكثير سياسياً، ولكنها تشي بقلق اسرائيلي من التوسع الايراني الداهم في الجنوب السوري، وهو ما سيحتم على أميركا في عهد ترامب، المؤيد لاسرائيل بشكل مطلق، القيام بما يلزم لمنع الايرانيين من التمدد جنوباً. ولكن في غياب أي ميليشيات على الأرض يمكنها التصدي لإيران وحلفائها في محافظتي درعا والقنيطرة، قد تجد واشنطن نفسها مجبرة على نشر المزيد من المستشارين العسكريين الأميركيين والقوات الخاصة، مع ما يعني ذلك من ضرورة الدفاع عن هؤلاء في إمكان انتشارهم، ومع ما يعني ذلك من قيام "منطقة آمنة" بقوة الأمر الواقع، تبقي الأسد وحلفائه بعيداً عن الأردن وإسرائيل، وهو ما يعني تورطاً أميركياً أوسع في الحرب السورية.

السعي الايراني للتمدد جنوباً، وهو ما ينعكس في المعارك المتجددة في درعا، والسعي الاسرائيلي-الاردني-الاميركي لمنع هذا التمدد، مع ما يعني ذلك من تدخل جوي ومحاولة العثور على مقاتلين يردعون الميليشيات الايرانية، كلها أمور تعني أن السباق الدولي نحو درعا بدأ يشتد، وهو سباق يغيب عنه السوريون، المعارضون منهم ممن منع العالم تسلحهم لدفاعهم عن أنفسهم وقراهم (خصوصاً اسرائيل في دفاعها عن الأسد لاعتقادها بامكانية بقائه في مواجهة الايرانيين)، كما الموالين، مع تحول الأسد إلى واجهة شكلية لقوة إيران الفعلية على الأرض.