"المغول".. مسلخ بشري في صحراء الفيوم

عمرو فؤاد
الأحد   2017/05/14
شهد سجن "المغول" نشاطاً كبيراً خلال الأعوام الثلاثة الماضية على خلفية زيادة عدد المعتقليين بداخله (انترنت)

ظل يوسف قاسم قابعاً في سجن الفيوم العمومي لشهرين، في "قضية فض اعتصام رابعة العدوية"، قبل أن ينتقل في أواخر عام 2013 داخل سيارة عسكرية، وهو معصوب العينين ويداه مقيدتان، إلى مكان احتجاز في وسط صحراء الفيوم.

يروي يوسف شهادته، بعدما أفرج عنه لأسباب صحية نهاية عام 2016، ويقول "انتقلت إلى مقر الاحتجاز كتأديب لي بعد رفض الاعتراف بكافة التهم الموجهة لي، باعتبار هذا المكان منفى للسجناء المغضوب عليهم، لبعد موقعه، وسوء الظروف المعيشية به، ووجود كافة أنواع التعذيب داخله، فضلاً عن المناخ السيء المرتبط بموقعه في الصحراء".

ويضيف "قضيت أول ليلة داخل عنبر الإيراد مرتدياً الشورت فقط، بعد حرق كافة ملابسنا الداخلية أمامنا، قبل أن أنتقل للدور الثالث من مكان الاحتجاز، وأتعرض للصعق بالكهرباء بعد خلع الشورت بمناطق حساسة بالجسم، لانتزاع اعترافات منا عن وقائع لم أرتكبها، وتسجيلها بالفيديو".


قضي يوسف 3 شهور داخل مقر الاحتجاز. يصف المكان قائلاً "يقع في قلب صحراء الفيوم، والدور الأرضي من المبنى كان أشبه بمبيت لعساكر الأمن المركزي، وعنابر السجن تأخذ شكل حرف (اتش بالانجليزية)، وهناك باب حديدي يفصل بين كُل عنبر، كما أن كُل عنبر مقسم على عدد من الزنازين".


وثق تقرير صادر عن "مؤسسة الحقانية" للحقوق والحريات، ومقرها القاهرة، نهاية عام 2016، أبرز أماكن الاحتجاز غير الرسمية خلال الأعوام الثلاثة الماضية التي لا تخضع لإشراف النيابة العامة، كالسجون الحربية والتي تعد مكان احتجاز غير قانوني للمدنيين، مثل سجن العازولي الحربي وسجن المنيا العسكري، ومعسكرات قوات الأمن المركزي، ومقرات الأمن الوطني ومديريات الأمن.


المحامي في مؤسسة حرية "الفكر والتعبير" مختار منير يقول إن مقار الاحتجاز السرية التي يُودع فيها السجناء هي أماكن غير مُعلن عنها بقرار من وزير الداخلية، ولا تخضع للإشراف من أي جهة خلافاً للسجون المُنشأة بقرار رسمي منشور في الجريدة الرسمية، فضلاً عن خضوعه للإشراف من النيابة العامة، ويلتزم وفقاً لقرار تأسيسه باللائحة الداخلية للسجون.


ويضيف منير لـ"المدن"، إن النزلاء في السجون الرسمية مُسجلين في دفاتر رسمية، وكُل سجين له ملف، يخضع للإشراف من النيابة العامة، أما المحتجز في الأماكن السرية فهو مجهول وغير مُعترف به من جانب أجهزة الدولة، فضلاً عن كون هذه الأماكن غير مُلزمة بتقييم حصر بكافة المحتجزين داخلها، أو ظروف الاحتجاز، وممنوع دخول المدنيين لها.


يكمل منير "جريمة الاخفاء في أماكن مجهولة مخالفة لنصوص الدستور والقانون، التي تقضي بأحقية الشخص في المحاكمة العادلة والتمتع بحقوق دفاعه، فضلاً عن وجوب القانون المصري على وزارة العدل ممثلة في أجهزتها المختلفة أن تُشرف على جميع السجون في مصر".


في نهاية عام 2015، فقدت يسرية عزيز زوجها، الذي تعرض لأشكال عديدة من صنوف التعذيب داخل هذا المقر على مدار ثلاثة أشهر. وتقول "زوجي انتقل من سجن شبين الكوم لمقر احتجاز بمنطقة الفيوم، حيث تعرض لتعذيب جسدي ونفسي، لانتزاع اعترافات منه، قبل أن ينتقل بعد قضائه 3 شهور في هذا المكان إلى مقر احتجازه الرسمي، ويتعرض للوفاة بعد أقل من أسبوع على خلفية آثار التعذيب التي تعرض لها".


وتحكي عزيزة عن وقائع الأيام الأخيرة لزوجها داخل هذا المقر، وتقول إن الظروف "غير الآدمية" هي التي أدت لوفاته. وتوضح أن زوجها كان يقول لها "إن هذا السجن كان في الصيف جهنم، وفي الشتاء تلج"، وأنه فقد أكثر من نصف وزنه خلال الزيارة الأخيرة.


بحسب ما تنقل عزيزة عن زوجها، فإن مقر الاحتجاز يعتمد على المياه الجوفية، والمعروف عنها في هذه المنطقة احتوائها على المعادن وارتفاع ملوحتها. وتقول "المياه كان فيها حديد زايد وكانت حمرة (حمراء اللون)، والأزازة بتحمر من المياه في ظرف أسبوع"، وهو ماكان سببأ في تعرض زوجها إلى فشل كلوي، فضلاً عن ظهور أمراض جلدية نتيجة استخدام هذه المياه في الاستحمام.


ضابط شرطة برتبة نقيب، يخدم في سجن الفيوم العمومي، قال لـ"المدن" إن هذا المقر تأسس في منتصف التسعينيات كمبيت لعساكر الأمن المركزي، الذين تتوزع خدماتهم بالقرب منه، قبل أن يتحول إلى مقر احتجاز غير رسمي للسجناء السياسيين، خصوصاً ممن تجد جهات التحقيق صعوبة في انتزاع اعترافات منهم.


ويضيف الضابط، أن هذا المقر يمتد على مساحة تصل قيراطين من الأرض (حوالى 350 متراً مربعاً) ويتكون من 3 أدوار، وأن نشاطاً كبيراً شهده خلال الأعوام الثلاثة الماضية على خلفية زيادة عدد المعتقليين بداخله، لدرجة أن المحتجزين أطلقوا عليه اسم "المغول" لشدة ما يلاقونه في الداخل.


ويتابع "عدد السجناء بداخله حوالى 300 سجين، أغلبهم من قضايا سياسية، وتصل أطول فترات الإقامة داخله لسنة كاملة، ويكون السجين ممنوعاً من التواصل مع أي شخص حتى ذوييه".