ماذا وراء اقتطاع السلطة رواتب موظفيها في غزة؟

أدهم مناصرة
الجمعة   2017/04/07
رئيس حكومة التوافق الفلسطينية رامي الحمدالله خلال زيارة سابقة إلى غزة (انترنت-أرشيف)

لا يزال الغضب والاستغراب يُخيّمان على المشهد في أعقاب الخطوة "المُفاجئة" التي اتخذتها حكومة التوافق الفلسطينية، والمتمثلة بإقدامها على اقتطاع أجزاء من رواتب 60 ألف موظف من قطاع غزة تابعين للسلطة، بحجة الوضع المالي الصعب الذي تواجهه الموازنة.

عددٌ من قيادات "فتح" وخاصة المتحدرين من غزة، إلى جانب الفصائل الأخرى، توافقت في ردود أفعالها إزاء هذا القرار الحكومي، إذ عبرت عن انتقادها الشديد له واعتبرت أنه يتناغم مع مشاريع إقليمية هادفة إلى تكريس الانفصال بين غزة والضفة الغربية.


ووصفت حركة "فتح" في غزة القرار بالجائر، ودعت إلى إلغائه وإقالة حكومة رامي الحمدالله. كما اعتبر عضو اللجنة التنفيذية في "منظمة التحرير" زكريا الآغا، خلال اجتماع هيئة العمل الوطني في غزة، قيام الحكومة بالخصومات على رواتب الموظفين أنه إجراء يفتقد لأي أساس أو سند قانوني. ودعا بإسم فصائل "منظمة التحرير" رئيس السلطة محمود عباس إلى التدخل الفوري ووقف هذا القرار الحكومي.


ولم تُقنع مُبررات الحكومة- على لسان الناطقين باسمها- الرأي العام الفلسطيني، ورغم قولها إن الخصومات طالت العلاوات فقط، وجزءاً من علاوة طبيعة العمل من دون المساس بالراتب الأساسي، إلا أن معظم الموظفين قالوا إنه لم يتبقَ من رواتبهم إلا القليل الذي لا يكفي لتدبير حياتهم المعيشية الصعبة أصلاً.


حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وصفت الإجراء الحكومي بأنه جاء "مُفتعلاً"، مؤكدة أن الإجراء يضيف أزمة جديدة للازمات التي يعاني منها القطاع، حيث دعت الحكومة لتحمل بمسؤولياتها.


القيادي في "حماس" أحمد يوسف بدا مُتحفظاً إزاء التعليق على الأمر، وقال لـ"المدن": "سمعت الكثير من ردود الأفعال على هذا الأمر ولكن لازلنا ننتظر الموقف الرسمي للإجابة على التساؤلات، وربما خلال أيام يتم التراجع عن الموضوع، فما فائدة الانتقاد واللوم لخطوة لا نعرف ما وراءها؟".


وبينما بررت الحكومة خطوتها بأنها نتيجة الحصار المالي الخانق، يُرجح الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم أن دوافع هذا القرار ليست مالية، موضحاً  لـ"المدن" أن الوضع المالي للسلطة لم يتغير ولم يختلف عما هو عليه في السنتين الأخيرتين، فرغم تراجع المساعدات الخارجية إلا أن الحكومة أكدت مراراً عبر مسؤوليها زيادة اعتمادها على أموال "المقاصّة" والضرائب.


ويتساءل عبد الكريم "ما الجديد في الوضع المالي للحكومة حتى تتخذ هذا الإجراء؟". ويتابع "عجز الموازنة في العام الحالي يُماثل العجز الذي كانت عليه في العام الماضي. وتلقت السلطة ما بين 600 و 700 مليون دولار كمساعدات خارجية، وسوف تتلقى المبلغ نفسه أيضاً هذا العام.. إيرادات السلطة زادت العام الماضي بأكثر من 13 في المائة ويُتوقع أن تتزايد وفقاُ لموازنة 2017 بعشرة في المائة فلا يوجد شيء مفاجئ".


ويقول عبد الكريم إنه لو افترضنا جدلاً أن القرار فعلاً يندرج في إطار مالي، فإن هذا يجب أن يكون في سياق سياسة تقشفية مدروسة وتشمل الجميع من دون استثناءات، إذ إن أي قرار، بحسب عبد الكريم، يجب أن يُسوغ فنياً وقانونياً وخصوصاً عندما يتعلق بموضوع حساس هو رواتب موظفي غزة.


ويرى البعض أن اقتطاع ما مقداره 300 دولار أميركي من رواتب نحو 60 ألف موظف في غزة، يعني أن الحكومة وفرت سيولة نقدية تصل إلى ما معدله 15 مليون دولار، غير أن عبد الكريم يقول إنه إذا كان السبب توفير سيولة نقدية فعلى الحكومة أن توضح للمواطنين "بأنها لا تستطيع صرف كامل الراتب هذا الشهر على أن تصرفه لاحقاً، وأن تُجيب أيضاً لماذا استثنت موظفي الضفة؟".


مصدر قيادي في حركة "فتح" كشف لـ"المدن" أن القرار جاء من عباس مُباشرة وليس من رئيس الحكومة. وبينما التزم العديد من قيادات الصف الأول في حركة "فتح" والسلطة الصمت، أكد المصدر أن تعليمات من السلطة طالبتهم بعدم الحديث الإعلامي عن الموضوع.


القيادي الذي فضل عدم ذكر اسمه، اعتبر أن في طيات هذا القرار من عباس رسالة مفادها "أنه لن يقبل بالوضع الحالي في الإنفاق على غزة دون سيطرة السلطة الفلسطينية كاملاً على قطاع غزة وتمكنها من جمع كامل الإيرادات من القطاع". ويضيف أن القرار بمثابة "وسيلة ضغط" بُغية جلب حركة "حماس" إلى قطر من أجل التباحث والاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، والترتيب لانتخابات المجلس الوطني لـ"منظمة التحرير" الفلسطينية. مع العلم أن عباس بذل جُهده لإتمام انتخابات المجلس قبل القمة العربية، سواء بتجديد نسخته القديمة مع تطعيم وتغيير بعض أعضائه في حال رفضت "حماس" المشاركة، أو بانتخابات تضمن تجديداً وتغييراً نسبياً. لكن الجهات ذات العلاقة أخبرت عباس حينها "أن الوقت غير كافٍ".


وفي هذا السياق يقول مصدر "المدن" إن "حماس" أبلغت القيادة الفلسطينية عبر الدوحة أنها مستعدة للجلوس بعد العاشر من نيسان/أبريل الحالي، حيث ستكون الحركة قد أنجزت انتخاباتها الداخلية، مشيراً إلى ما وصفها "بوادر ايجابية" وصلت الى عباس من الدوحة بأنها ستبذل جُهداً في سبيل إقناع "حماس" للقبول بحكومة وحدة، وربما المضي قُدما نحو تطبيق "إعلان بيروت" الذي صدر عن اجتماع الفصائل الفلسطينية قبل أشهر حول المشاركة في انتخابات "الوطني".


وبحسب المصدر، فإن عباس يريد تقوية الوضع الداخلي قبل الذهاب لأي مفاوضات سياسية مع الجانب الإسرائيلي حتى يعزز موقعه فيها، لأنه دون ذلك سيكون موقفه ضعيفاً، الأمر الذي يُفسر سبب ظهور رئيس السلطة غاضباً ومُتشدداً في كلامه اتجاه "حماس" بعد إعلانها تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة، إذ قال في تصريح صحافي إنه ذاهب لانتخابات المجلس الوطني حتى من دون مشاركة "حماس" فيها، وأنه سيقابل تشكيل "حماس" لجنة لإدارة غزة بردود مختلفة.