الطبقة مشتعلة..والغارات التركية لتحسين شروط معركة الرقة

خليل عساف
الخميس   2017/04/27
الضربة التركية رسالة محدودة في المكان والزمان تتبعها تعديلات في تركيبة القوى المساهمة في معركة الرقة (أ ف ب)
انتقل القتال الدائر منذ أكثر من شهر حول مدينة الطبقة بين "قوات سوريا الديموقراطية" وتنظيم "الدولة الإسلامية" إلى داخل أحيائها الجنوبية، منذ الثلاثاء، فيما تقلصت رقعة سيطرة التنظيم واقتصرت على المدينة الحديثة المحاذية لبحيرة الطبقة "الأسد" والحارات الغربية والشمالية من "قرية الطبقة". الهجوم المتواصل من جهة الجنوب والجنوب الشرقي يجري تحت غطاء من قصف مكثف على مدار الساعة من الطيران الحربي الأميركي وبإدارة وإسناد بري من قوات أميركية ترابط في مواقع غربي المدينة وفي مطار الطبقة العسكري. ويبدو أن الهجوم من الجهة الجنوبية والجنوبية الشرقية يأتي بعد فشل محاولة أخرى من "قسد" هدفت إلى اقتحام المدينة من جهتها الشمالية، عبر جسم سد الفرات ذاته. شراسة المعركة الحالية التي تجري من شارع إلى شارع تخلّف دماراً كلياً في الأحياء التي نجحت "قسد" في السيطرة عليها في الساعات الأخيرة.

التكتيك العسكري الذي يستخدمه "التحالف الدولي" و"قسد" في معركة الطبقة أدى إلى وقوع حوالي 30 ألف شخص، هم نصف سكان الطبقة تقريباً داخل "مدينة الثورة" و"قرية الطبقة"، المتصلتين عمرانياً، تحت حصار كامل، ضمن دائرة لا يزيد قطرها عن 5 كيلومترات في أحسن الأحوال. وهؤلاء تزداد أحوالهم سوءاً بعد 22 يوماً من نجاح "التحالف" في تعطيل كل أجهزة البث الفضائي من داخل المدينة، ثم انقطاع الماء والكهرباء منذ تم قصف غرفة التحكم في سد الفرات، وبعد يومين من تدمير مركز الهاتف الأرضي في قلب المدينة بغارة من الطيران الأميركي، بحسب الناشط والصحافي مهاب الناصر، الذي أضاف في حديثه لـ"المدن": "لا نعرف ما الذي يجري الآن داخل المدينة مع فقدان كل سبل التواصل مع أهلها؛ الغذاء شحيح أيضاً، والطيران دمر معظم أفرانها، ولا معبر إنسانياً يسلكه المدنيون للنجاة بأرواحهم، والأطباء سبق وأن نزحوا من المدينة".

وبعد الضربة الجوية التركية لأحد مواقع "وحدات حماية الشعب" الكردية في قرة تشوك في ريف الحسكة، بدأت وسائل إعلام "الوحدات" وحزب "الاتحاد الديموقراطي" حملة منظمة تستهدف الضغط على الأميركيين لفرض حظر جوي على الشمال والشمال الشرقي من سوريا، في استعادة لصيغة منطقة "الحظر الجوي" في شمال العراق خلال تسعينيات القرن الماضي، والتي تمخض عنها إقليم كردستان العراق في صورته الحالية. حملة "وحدات حماية الشعب" وصلت حد الادعاء أن مقاتلي "الوحدات" سينسحبون من معركة الرقة، ويعودوا إلى قراهم للدفاع عنها ضد "العدوان" التركي. كما أشارت بعض المصادر إلى أن قادة عسكريين أكراد، تركوا مواقعهم في مناطق القتال حول الرقة، وعادوا إلى مقرات لهم في مدينة تل أبيض الخاضعة لسيطرة "الوحدات" منذ حزيران/يونيو 2015، في مسعى للضغط على الأميركيين.

إلّا أن مصادر مطلعة في تل أبيض نفت هذه الأخبار جملة وتفصيلاً، ورأت فيها محاولة لابتزاز الأميركيين ودفعهم للتصادم مع الأتراك. المصادر ذاتها قالت إن الجيش التركي قام خلال الأيام الماضية بحشد كبير لقواته على طول الحدود السورية التركية، ومن المناطق المقابلة لقرة تشوك في أقصى شرق سوريا إلى المناطق التركية المقابلة لبلدة عين العرب، بتوزع وتسلح يوحيان أن الهدف ربما يتجاوز هذه المرة التهديد أو استعراض العضلات. ورأت هذه المصادر أن الاشتباكات بين "وحدات حماية الشعب" والجيش التركي في شرق سوريا هي بداية صراع تركي-تركي على الأرض السورية، وأن حزب "العمال الكردستاني" التركي ربما ينجح في جر تركيا إلى حرب عصابات طويلة الأمد في الشمال السوري، إن نجح في الإبقاء على الغطاء الغربي والروسي لمشروعه في سوريا.

لكن تحليلات من هذا النوع قد لا تصمد أمام أهمية الدور المركب الذي يلعبه الأكراد عموماً في هذه المرحلة، خاصة في الأولوية الأميركية لـ"محاربة الإرهاب". لذا يبدو مرجحاً أكثر أن تكون الضربة التركية في قرة تشوك رسالة محدودة في المكان والزمان تتبعها تعديلات في تركيبة القوى المساهمة في معركة الرقة، من دون أن تتغير طبيعة وحصيلة المعركة ذاتها. طبيعة لمس نازحو الرقة والطبقة قسوتها، لكنها يُرجح أن تكون برداً وسلاماً بالنسبة إلى ما يعانيه سكان الطبقة الآن، وما ينتظر من بقي من سكان الرقة بعد حين.