"تحرير الشام" و"أحرار الشام": اتفاق على التهدئة

عقيل حسين
الخميس   2017/03/09
في النهاية رضخت "هيئة تحرير الشام" لحملة الانتقاد وردود الأفعال (انترنت)
يبدو أن مستوى رد الفعل، الذي كان عالياً جداً هذه المرة، ضد هجوم "هيئة تحرير الشام" على أحد أكبر مواقع "حركة أحرار الشام الإسلامية"، والذي تجاوز مجرد النقد والإدانة، قد دفع "الهيئة" إلى وقف الهجوم، الذي كان، كما هو واضح، بهدف إجبار "الحركة" على الانضمام إلى "الهيئة". وذلك تحت ضغط التهديد واستخدام القوة الخشنة هذه المرة، باعتبارها الطريقة الوحيدة التي باتت قيادة "هيئة تحرير الشام" مقتنعة بها، وتعتبرها الوسيلة الناجعة في تحقيق ذلك.

بعد يومين من التوتر عقب سيطرة "هيئة تحرير الشام" على معسكر وبلدة المسطومة في ريف إدلب، بعد طرد قوات "حركة أحرار الشام" التي كانت متمركزة هناك، إثر جولة مواجهات استمرت لساعات، ليل السبت/الأحد، قالت مصادر من الجانبين إن الحركة والهيئة اتفقتا على وقف التصعيد، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الجمعة 3 آذار/مارس، مع إحالة ملف الخلافات بينهما إلى القضاء.

وبحسب المصادر، فإن اجتماعات مكوكية عقدت بين الجانبين الثلاثاء، وانتهت بالاتفاق على انسحاب قوات "هيئة تحرير الشام" من بلدة المسطومة ومعسكرها، وإعادة السلاح الذي تم الاستيلاء عليه إلى "حركة أحرار الشام"، وتكليف الشيخ حسن صوفان ممثلاً عن "الحركة"، ومظهر الويس ممثلاً عن "الهيئة"، لدراسة أسباب الخلاف بين الجانبين، والعمل على حلها، مع التأكيد على وقف التصعيد الإعلامي من الطرفين.

والحقيقة، فإن التصعيد الإعلامي كان بالفعل هذه المرة أحد أسباب التوتر والخلاف بين "الحركة" و"الهيئة" اللتين استخدمتا سلاح الإعلام ضد بعضهما كما لم يحدث من قبل. وكان واضحاً خلال الأسابيع الأخيرة الماضية مدى استخدام الماكينة الدعائية من قبل الجانبين، بعدما بدا أن المواجهة بينهما قادمة لا محالة، ما جعل كلا الطرفين يركز على الناحية الإعلامية لحشد الرأي العام إلى جانبه.

النجاح الساحق الذي حققته "هيئة تحرير الشام" في القضاء على قوة ستة من الفصائل الرئيسية في الشمال خلال الشهرين الماضيين، ما أجبر من تبقى من هذه الفصائل على الانضمام إلى "حركة أحرار الشام" بحثاً عن الحماية والبقاء، يبدو أنه قد شجع "الهيئة" للمضي قدماً في هذا الطريق، وإجبار الفصائل على التوحد معها تحت التهديد، أو باستخدام مستويات من القوة إن لم ينجح الأمر، بحسب ما تمليه الحاجة.

وقد عزز قناعة "الهيئة" في تبني هذا الحل، كما يستنتج المراقبون، أنها لم تجد مقاومة من هذه الفصائل، بما فيها "أحرار الشام"، إلا ما ندر، على عكس ما فعل "لواء جند الأقصى" قبل إجباره على الخروج إلى مناطق تنظيم "الدولة الإسلامية". استنتاجات يعززها سياق كامل من الأحداث ومن تصريحات قادة "الهيئة" وبياناتها، خاصة الأخير الذي أصدرته بمناسبة المواجهة مع "حركة أحرار الشام". ولطالما كانت "الحركة" الهدف الأول والفصيل الأبرز الذي تحلم "جبهة فتح الشام"، بأن يكون شريكها في أي عملية توحد.

فالبيان خلا من أي تبريرات اعتادت "جبهة فتح الشام" على تقديمها في كل مرة تهاجم فيها فصيلاً من الفصائل، ما بين الاتهام بالفساد أو الارتهان للداعم أو التبعية للخارج. وركز البيان من دون أي مناورة على الهدف، وهو تحقيق التوحد والإرغام عليه، بعد تحميل قيادة "الحركة" المسؤولية عن فشل جميع محاولات التوحد، واتهامها بتحريض عناصرها ضد "الهيئة" وتحضيرهم نفسياً لقتالها، "من أجل الحفاظ على مصلحة الفصيل، وذلك على حساب مصلحة الثورة والجهاد في الشام".

واعتمدت الهيئة على اصرار قيادة "الحركة" الدائم على عدم التوحد مع "جبهة فتح الشام"، ولاحقاً الدخول معها في سباق تسلح وتجنيد، بعدما أصبحت "الجبهة" في "هيئة تحرير الشام". وترافق ذلك مع تصعيد الحملة الإعلامية بينهما، وبشكل بدا معه أن لا فرصة ممكنة اليوم لتحقيق حلم "الجبهة" في التوحد مع "الحركة". ما جعل "الهيئة"، بحسب مراقبين، تنتقل إلى "التغلب الناعم" من أجل تحقيق أهدافها، مع شعور متضخم بالقوة، وقراءة تحليلية لواقع "الحركة" كانت نتائجها مشجعة من أجل المضي في تحقيق ما تسعى إليه "الهيئة".

قيادة "الحركة" اليوم، بحسب الخلاصة التي بنت عليها "الهيئة" تحركها الجريء، هي قيادة ضعيفة ولا تمنح الفرصة للملمة الشتات وترتيب الأوراق، وعناصرها في الغالب الأعم، مثل عناصر جميع فصائل المعارضة الأخرى التي ما زالت تتواجد في مناطق انتشار "جبهة فتح الشام"، غير مستعدين للقتال ضد "الهيئة/الجبهة" حتى وإن كان لمجرد الدفاع عن النفس، لأسباب باتت معروفة. وبالتالي فإن هذا الواقع يشكل فرصة لا يمكن لـ"الجبهة" تفويتها من أجل تحقيق ما طمحت له دائماً، وهو احتواء "أحرار الشام"، الفصيل الوحيد الذي يمكن أن يظل منافساً حقيقياً لـ"الهيئة" في الساحة السورية.

لكن مستوى ردود الفعل التي أعقبت تحرك "الهيئة" الأخير، والذي تجاوز مجرد الانتقاد والتنديد، بل وشمل مرجعيات جهادية وازنة، يبدو أنه أجبر "الهيئة" في النهاية على إعادة النظر في الأمر، وفرض عليها التهدئة.

فعقب هجوم "الهيئة" على معسكر المسطومة، أعلن اثنان من أبرز أعضاء لجنتها الشرعية؛ عبدالحليم عطون وعبدالرزاق المهدي، انسحابهما منها، وهو الأمر الذي أدى إلى إحراج شديد لقيادتها وجمهورها، خاصة مع التعليقات شديدة اللهجة التي قدمها الشيخان حول قرارهما.
عطون الذي كان من أبرز قيادات "حركة أحرار الشام" المنتقلين إلى "الهيئة"، اعتبر أن ما تقوم به "هيئة تحرير الشام" ضد "أحرار الشام" هو أمر محرم شرعاً، يجب التبرؤ منه ومنع استمراره، مؤكداً أن موقفه هذا لا يعني قبوله بقيادة "حركة أحرار الشام" الحالية وتوجهاتها.

وأضاف عطون في تعليقه على هذه التطورات: "إن من الأمور التي قصدتها بالانضمام إلى الهيئة هو التعرف عليهم عن قرب. لكنهم حتى الآن لم يسيروا في الطريق الصحيح الذي يجعل النفس تطمئن إليهم، ولذلك فأنا اعتزلهم الآن، لأنهم مازالوا بنفس العقلية، من التعالي والصلف والغرور، وهذا لا يعني تزكية قيادة الأحرار السيئة على كافة المستويات".

من جانبه، فقد كانت لهجة عبدالرزاق المهدي أقل حدة، وبعيدة عن المباشرة في اعلانه الخروج من "الهيئة"، إذ ركّز على عدم قدرته على التغيير فيها. وقال المهدي في تغريدات له في تويتر: "ازدادت التجاوزات التي تصدر عن أفراد ينتسبون لهيئة تحرير الشام، وبما أن الكثير من أصحاب الحقوق يطالبونني برد حقوقهم، وآخرون يضعون اللوم علي ويحملونني المسؤولية عن ذلك، وبما أنني غير قادر على رفع الظلم وإعادة الحق لصاحبه، فإني أعلن خروجي من هيئة تحرير الشام".

ولم تقتصر الاستقالات من "الهيئة" على الكوادر المحسوبة على التيار الجهادي فيها، أو المقربين من "جبهة فتح الشام"، بل شمل كذلك شخصيات من المكون الرئيس الآخر في "الهيئة"؛ "حركة نور الدين زنكي"، التي أعلن اثنان من أعضاء مكتبها السياسي استقالتهما، وهما بسام حجي مصطفى، وياسر ابراهيم اليوسف.

وفي رسالة مفتوحة وجهها العضوان المستقيلان إلى زملائهم في "نور الدين زنكي" الأربعاء، قال اليوسف وحجي مصطفى: "حيث أن المشاريع الدولية أدت إلى تعطيل وإضعاف الثورة والثوار، فأصبحت المشاريع تيهاً على تيه، وآخرها الاندماج الذي لم يكن لنا فيه رأي، وبعد تعاطم الفوضى، نعلن أننا سنترك ما لم نوافق عليها، وسنلجأ إلى ما خرجنا من أجله، علم الثورة ومبادئها وأفكارها".

وإذا كانت محاولات جمهور "هيئة تحرير الشام" التقليل من أهمية المواقف السلبية من الهجوم الأخير على "حركة أحرار الشام"، والتشكيك في قيمة أو أسباب ودوافع المنشقين، وهو الأمر الذي يمكن وضعه في إطار الحرب الإعلامية التي يخوضها "جيش الهيئة الالكتروني"، فإن الموقف الذي كان بمثابة الضربة التي لا يمكن تفاديها أو الرد عليها بهذا الخصوص، جاءت من الشيخ أبو قتادة الفلسطيني، أحد أبرز المرجعيات الجهادية.

أبو قتادة الذي لم يسبق له انتقاد "جبهة فتح الشام" من قبل، اعتبر أن "هيئة تحرير الشام" بدأت بدايات مخيفة، بسبب هجماتها على الفصائل الأخرى، وهي هجمات اعتبرها "سقوطاً في فخ من لا يريدون نجاح المشروع الإسلامي"، داعياً قيادة "الهيئة" إلى التوقف عن ذلك والتركيز على قتال النظام.

وفي تعليق له في "تليغرام"، الثلاثاء، قال الفلسطيني: "إن الهيئة بدأت بدايات مخيفة، كلها توجه نحو القتال الداخلي، وقد حذرها الناصحون بعدم الاستطراد في هذا التوجه، والواجب عليها اشغال الساحة بعمليات جهادية ضد النظام، فهذا الذي سيحقق لها الشرعية في الاحتواء وغيره، ولذلك كان المطلوب عدم استدراجها الى المستنقع الداخلي، من خصومات يشعل نارها القابعون في تركيا وغيرها، من مفكري ومشايخ الفساد والانحراف، بل والعمالة المستورة بستار الدين وتولي المشروع الاسلامي، مع أنه زيف كله".

في النهاية رضخت "هيئة تحرير الشام" لحملة الانتقاد وردود الأفعال التي لم تتوقعها على ما يبدو، وخاصة من داخل التيار الإسلامي والجهادي منه بوجه خاص. حملة لم تكن لتصل إلى هذا المستوى من التصعيد لولا أن المستهدف من هجوم "الهيئة" الأخير هو فصيل إسلامي، بينما تم التغاضي سابقاً عن كل الهجمات التي شنتها "جبهة فتح الشام" قبل تشكيل "الهيئة" ضد فصائل الجيش الحر. الأمر الذي يؤكد بالنسبة لأصحاب هذه الملاحظة، أن ما أنقذ "حركة أحرار الشام" اليوم، هو انتماؤها إلى الفضاء الجهادي بالأصل، وليس أي شيء آخر، لكن إلى أي حد سيبقى أثر هذا الانتماء مفيداً بمواجهة قوة وتطلعات "هيئة تحرير الشام".