لماذا هتف أهالي ترملا للأسد؟

أحمد مراد
الخميس   2017/03/02
تركيز الفصائل العسكرية على "القشور" (المدن)
انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي مقطع مصور، يُظهر البعض من أهالي بلدة ترملا في جبل شحشبو في ريف إدلب الجنوبي الغربي، يهتفون لبشار الأسد، رداً على استهداف النظام لبلدتهم بالغارات الجوية، نتيجة وجود مقرات عسكرية داخل البلدة المطلة على سهل الغاب، والقريبة من جبهات القتال في ريف حماة.

"المجلس المحلي" في بلدة ترملا أصدر بياناً رداً على اتهام أهالي البلدة بإطلاق هتافات تؤيد بشار الأسد، متّهماً 4 أشخاص وصفهم بـ"ضعاف النفوس" بالهتاف، وهم ممن "تجري ملاحقتهم" لتقديمهم إلى "المحكمة الشرعية". وتعهد المجلس "بالضرب بيد من حديد، لكل من يحاول المساس بالثورة السورية".

وتتعرض بلدة ترملا البالغ عدد سكانها 2000 نسمة لقصف مكثف من راجمات الصواريخ والطيران الحربي، نتيجة وجود مقرات عسكرية داخل البلدة، ووجودها بالقرب من مناطق المعارك الدائرة في ريف حماة الشمالي، وقربها من بلدات سهل الغاب. ما دفع الأهالي للخروج بتظاهرة للمطالبة بإخلاء المقرات داخل البلدة، وضد الفصائل العسكرية التي قالوا إنها "تستبيح دماء المدنيين"، وهتف بعضهم لبشار الأسد، وصدر عنهم هتاف غريب: "حافظ أسد.. رمز الأمة العربية".

ناشطون رأوا في تصرف بعض أهالي ترملا عملاً "تشبيحياً" في القرية القريبة من مناطق سيطرة النظام في ريف حماة الشمالي، معتبرين أن كافة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام هي مشاريع أهداف لطائراته الحربية وآلته العسكرية. فقصف الطائرات لترملا، تزامن مع قصف الطائرات الحربية لمدينة أريحا وسط محافظة إدلب، من دون صدور ردّ فعل عن أبناء "عروس الشمال" التي أنهكتها المجازر.

فيما عدّه آخرون أمراً مشروعاً في حالة الغليان التي تشهدها المناطق المحررة، مع هيمنة الفصائل العسكرية والإسلامية، وقمعها للحريات العامة، وحالة التخبط وانتشار المحسوبيات والاغتيالات وقتل الشبهة، وإعادة استنساخ تجربة نظام البعث في المناطق المحررة بهيئة مختلفة.

ما حصل في ترملا هو ترجمة لما يجري في مناطق متفرقة من ريف إدلب؛ فانعدام الأمن هو من أبرز المشاكل التي يعاني منها أبناء المحافظة، مع وجود حواجز عسكرية للفصائل المقاتلة، تقتصر مهمتها على اعتقال عناصر من فصائل أخرى، خاصة في حالات الاقتتال الفصائل البيني، وانتشار السرقات من دون التوصل إلى الجناة أو القبض عليهم، وعدم وجود قوانين ناظمة للمناطق المحررة، أو أجهزة تنفيذية لها تتولى حفظ الأمن، خاصة على الطرقات، مع انتشار ظاهرة الاغتيال والجثث مجهولة الهوية، مع اتساع الريف الإدلبي، من حماه جنوباً وحتى الحدود التركية، ومن ريف حلب الغربي وحتى جبال الأكراد في اللاذقية.

تركيز الفصائل العسكرية على "القشور" بحسب الناشط الإعلامي أبو بكر جبل، وإهمالها الشؤون الأساسية للمدنيين، تثير استياء الأهالي، مع وقوفها عاجزة أمام الحوادث الكبيرة وعمليات الخطف في وضح النهار. وأضاف أبو بكر لـ"المدن"، أن الفصائل "تهتم بمنع مظاهر الاختلاط في الجامعات والمدارس والمستشفيات، واللباس الشرعي للمرأة، ومنع رفع علم الثورة السورية في المظاهرات، وتحارب الدعوات إلى المجتمع المدني والديموقراطية، وكل ما يتصل بالدولة المدنية، بصفتها عوامل تهدم الدولة، فيما تهمل حفظ أمن المدنيين، مع انتشار الحواجز العسكرية التي تنتظر عناصر الفصائل الأخرى لاعتقالها وسلبها سلاحها، أو لمداهمة مقراتهم الموجودة داخل المدن والقرى، وفي نهاية المطاف الخسارة يتحملها المدنيون وحدهم، دون الاكتراث لهم".

ولعل حادثة إغلاق "راديو فرش" التابعة لـ"اتحاد مكاتب الثورة" في مدينة كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي، ومصادرة معداتها أكثر من مرة، بحجة بثها الأغاني باعتبارها أحد "الأسباب لتأخير النصر"، وأحد "مظاهر الفساد في المجتمع"، هي دليل واضح على تدخل "اللجان الأمنية" في المناطق في الحياة المدنية، من دون الاهتمام باحتياجات الناس ومراقبة غلاء الأسعار والانفلات الأمني.

وتعزز حادثة "مشفى الكلاوي" في مدينة جسر الشغور غربي إدلب، تدخل الفصائل العسكرية في المجال الطبي، ووضع أشخاص ليكونوا "أمنيين شرعيين" داخل المرافق العامة، مهمتهم كتابة "التقارير الأمنية الشرعية".

الإعلامي طارق عبد الحق، قال لـ"المدن": "اعتقلت جبهة فتح الشام الدكتور نجيب كلاوي، مالك المشفى، الذي تحول من مشفى خاص إلى ميداني لخدمة أبناء المدينة. حادثة الاعتقال تمت نتيجة طلب أحد عناصر الجبهة، المدعو خالد سويداني من درعا، باعتقال الطبيب نتيجة مظاهر غير لائقة، ووجوده في وضعية غير شرعية مع ممرضتين من كوادر المشفى في مكتبه. وحقيقة الأمر أن مدير المشفى رفض توظيف زوجة سويداني، ليدخل عنصر فتح الشام وزوجته إلى المشفى، ويهددان الكادر بجبهة فتح الشام، ليعين سويداني نفسه مديراً للمشفى، وزوجته رئيسة للممرضات، في حين تم اعتقال صاحب المشفى لمدة أسبوعين، ومن ثم تم إخلاء سبيله".

سويداني، كان قد ذكر في منشور له في صفحته الشخصية في "فايسبوك"، أنه "مكلف" من إدارة منطقة جسر الشغور "بضبط المخالفات الشرعية في المشفى، والإبلاغ عن حالات السفور والمعاصي"، التي وجدها عند أغلب الكادر النسائي العامل في المشفى، فضلاً عن مظاهر الاختلاط. وأشار إلى توليه مهمة "حفظ الحشمة" و"صون المرأة"، وعدم تحولها إلى "مرتع للشهوات".

عبد الحق تساءل: "هل طرد مدير المشفى، واتهام كوادره التي تقوم على خدمة المدينة بأعراضهم هو أمر شرعي من دون وجود أدلة، وبناء على تقرير من أحد عناصرهم فقط، وأين الشرع من السماح لفصائل بالتوغل في دماء الفصائل الأخرى وحماية المفسدين منهم".

وكان "لواء الأقصى" قد قتل ما يزيد عن 140 عنصراً من عناصر فصائل الجيش الحر من أبناء منطقة ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، مطلع شباط/فبراير، في "مجزرة معسكر الخزانات". واستولى "لواء الأقصى" على المعسكر من الجيش الحر، الذي كان قد خسر مئات الضحايا لتحريره. اللواء أحرق دبابات وعتاداً ثقيلاً كان قد سلبه من فصائل الحر التي بغى عليها سابقاً، قبل أن يفتح له "إخوة المنهج" في "هيئة تحرير الشام" الطريق مؤخراً تسهيلاً لخروجه إلى مناطق سيطرة "داعش" في ريف حلب الجنوبي، ومنه إلى الرقة.