معركة القابون: بوابة الغوطة الشرقية

منتصر أبو زيد
الإثنين   2017/02/20
معركة القابون فصل جديد من الحرب على الغوطة الشرقية (انترنت)
قد تكون عبارة: القابون بوابة الغوطة الشرقية، هي عنوان أو ملخص لخطة يتبعها النظام، للبدء بحملة عسكرية فعلية للسيطرة على الغوطة الشرقية. فمع آذان ظهر السبت بدأت قوات النظام ومليشياته حملة قصف عنيف لم تشهده أحياء دمشق الشرقية منذ العام 2014.

وقام الطيران الحربي بقصف مدينة دوما بست غارات جوية، الأحد، ما تسبب في مقتل 3 مدنيين. وتعرض شارع الحافظ في حي برزة الدمشقي المُهادن، صباح الإثنين، لقصف تسبب في مقتل 4 أشخاص.

وقامت مليشيات النظام باستهداف أحياء القابون وتشرين وحرستا الغربية "غربي الأوتستراد"، بقذائف الهاون وراجمات الصواريخ، وقصفتها لأول مرة بصواريخ أرض-أرض من نوع "فيل". وتجاوز عدد صواريخ "فيل" التي سقطت على حي القابون 30 صاروخاً.

وكانت قوات النظام قد ارتكبت مجازر متعددة منذ السبت، فقتلت في حي البلعلة "حرستا الغربية" شخصين، وعند تشييعهم استهدفت المقبرة بقذيفة هاون ما تسبب في مقتل 15 شخصاً، كما قتل أربعة بينهم امرأة ومتطوع من "الدفاع المدني" في حي القابون، وأصيب العشرات بجروح نتيجة القصف العنيف. واستهدفت قوات النظام الطرقات الواصلة بين هذه الأحياء بالرشاشات الثقيلة، وبرصاص القناصة.

في موازاة ذلك، تجري مفاوضات لإخراج حي برزة من المعركة تماماً، فالنظام قام بتقسيم برزة إلى قطاعين؛ الأول آمن ومحيّد عن المعارك، والثاني المتاخم للقابون وحرستا وحي تشرين، الذي تعرض إلى غارة جوية للمرة الأولى. وعقدت اجتماعات متكررة لـ"لجنة مفاوضات" من برزة والقابون، مع العميد في "الحرس الجمهوري" قيس فروة، لم تثمر عن أي نتائج واضحة على الارض، في حين نتج عن اجتماع بين وفد المعارضة من حرستا الغربية ووفد النظام، رفع علم النظام في حرستا الغربية، الإثنين، مقابل وقف القصف عليها.

إعلاميو برزة نفوا حدوث مفاوضات مع النظام، وقالوا إن الأمر متروك بيد العسكريين. كما أن رفع العلم السوري الرسمي في حرستا الغربية هو أمر مشكوك فيه، إذ إن المنطقة التي رفع فيها هي قطعة عسكرية "انطانيوس بيطار"، بالقرب من لوحة "البانوراما"، وعليها أعلام روسية وعلم النظام منذ فترة طويلة. 


(المصدر: LM)

وتأتي هذه التطورات في حي القابون الدمشقي، بعد انتهاء المدة المحددة التي أعلن عنها النظام، لفتح "معبر آمن" من الغوطة الشرقية باتجاه مخيم الوافدين، لخروج المدنيين، بين 3 و13 شباط/فبراير. ولم يشهد المعبر خروج أي شخص من الغوطة الشرقية. وكان النظام قد أعلن عن نيته فتح عشرة "معابر آمنة" من الغوطة الشرقية، ومن أحياء دمشق الشرقية المحاصرة، للتذرع بخروج المدنيين وبقاء المسلحين فقط، ما يعطيه رخصة بالقتل.

وتتوالى هذه التطورات بعد سلسلة من التكتيكات العسكرية التي اتبعتها قوات النظام على جبهات الغوطة الشرقية، ولا سيما جبهة المرج الجنوبية، حيث تمكنت قوات النظام من السيطرة على بلدة الميدعاني منذ أكثر من شهرين، وتابعت تقدمها باتجاه "كتيبة الصواريخ" في حزرما.


(المصدر: LM)

ودارت اشتباكات طاحنة على مشارف الكتيبة وتبادلت قوات النظام والمعارضة الأدوار الهجومية، مرات متعددة، تزامنت مع تبادل نقاط التمركز. وكانت نية قوات النظام الارتكاز على المزارع الغربية لـ"كتيبة الصواريخ" والتقدم باتجاه طريق حوش الصالحية-النشابية، لقطعه نارياً، وهو الطريق الوحيد الذي يصل الغوطة ببلدات منطقة المرج. وقد تمكنت قوات النظام من قطع هذا الطريق، إلا أن المعارضة أدركت خطورة العمل، وتمكنت من استرداد المزارع الغربية، وإعادة فتح الطريق.

بعد ذلك، بدأت قوات النظام مرحلة تقدم جديدة على جبهة البحارية، وبسطت سيطرتها على جميع أراضي البلدة، ووصلت إلى مشارف بلدة حزرما، ما عنى حصار البلدة من الجهتين الشمالية والشرقية. ولم تتوقف قوات النظام هناك، وإنما تابعت تقدمها متبعة سياسة "الأرض المحروقة" نحو بلدة القاسمية، وتمكنت من السيطرة عليها وعلى مزارعها بالكامل، ووصلت إلى مشارف بلدة النشابية من جهة الشرق.

تطبيق خطة "فكي الكماشة" مدعوماً بالقصف العنيف، كان التكتيك الأنجح والأكثر فعالية لدى قوات النظام، في كل عمليات التقدم السابقة، إذ تمكنت من تطويق بلدتي حزرما والنشابية معاً، من ثلاث جهات، وبقي المنفذ الوحيد لهما إلى بلدات الغوطة هو طريق النشابية-حوش الصالحية من جهة الغرب.

بعد ذلك، حاولت قوات النظام التقدم من المحور الشرقي لـ"كتيبة الصواريخ" باتجاه "جامع الفتح" في حزرما، لتتوجه بعده نحو طريق النشابية-حوش الصالحية، إلا أنها لم تنجح في ذلك. وتمكنت المعارضة من إعادة تحرير كل نقطة سبق وسيطرت قوات النظام عليها. وقد كبدت المعارضة قوات النظام أعداداً كبيرة من القتلى، بالإضافة إلى تدمير آليات ثقيلة وعربات نقل. وأصبح هذا المحور موقع استنزاف لقوات النظام، التي أيقنت استحالة التقدم فيه، الأمر الذي يشابه معركة مدينة المليحة.

اضطرت قوات النظام بعد ذلك إلى تغيير محور الاقتحام مجدداً، والانتقال إلى بلدة حوش نصري، محرقةً المنطقة بصواريخ "فيل" وراجمات الصواريخ وقذائف الهاون، التي يُصحَحُ رميها برصدها بواسطة طيران الاستطلاع. وتمكنت قوات النظام من التقدم في هذا المحور، بشكل بطيء، وتكبدت خسائر مادية وبشرية كبيرة. وأدركت المعارضة أن هدف مليشيات النظام هو التوجه إلى "فوج الشيفونية" أو "كتيبة الباتشورا". وفي الحالتين لن تكون المعركة سهلة، إذ تصدّت المعارضة لتقدم المليشيات الى الموقعين اللذين يبعدان حوالي كيلومترين عنها. وقد تكون خطة النظام في التوجه إليهما، هي الإلتفاف على بلدة حوش الضواهرة، من جهة الغرب، وإحراز مكاسب جديدة من الأراضي الزراعية بالتزامن مع الاقتراب نحو "كتيبة الباتشورا".


(المصدر: LM)

مثّلت جبهة حوش نصري، تحدياً صعب للمليشيات، تماماً كجبهة أوتستراد دوما، التي لم تتمكن من التقدم إليها. حينها تريّثت المليشيات على هاتين الجبهتين، واكتفت بالاستطلاع وتبادل القصف مع المعارضة بالرشاشات وقذائف الهاون. وتوقف العمل على الجبهتين لمدة أسبوع، قبل أن تفتح المليشيات معركة القابون، السبت، بتمهيد مدفعي وصاروخي عنيف على أحياء القابون وتشرين وحرستا الغربية، ما تسبب في تهجير السكان وأحدث دماراً كبيراً في المنطقة.

في المقابل، تقول الفصائل العسكرية المتواجدة في الغوطة الشرقية وفي أحياء دمشق الشرقية، إنها أخذت الاحتياطات اللازمة لهذه المعركة المفترضة، لصد تقدم المليشيات ومنعها من السيطرة على هذه المنطقة، فأحياء دمشق الشرقية تعتبر عمقاً استراتيجياً بالنسبة للغوطة الشرقية.

قد تكون معركة القابون فصلاً جديداً من الحرب على الغوطة الشرقية، تتزامن مع الضغط على حي برزة المهادن لعزله عن الغوطة، وتهجير المعارضة منه إلى إدلب، بعد إغلاق المعابر إليه وتأليب الأهالي على المقاتلين. وبعدها قد يتفرغ النظام لمعركة يسميها إعلامه بـ"معركة الغوطة الكبرى"، التي قد يكون لها أثر جوهري على الساحة السورية.