هل تنتظر درعا شتاءً ساخناً؟

قتيبة الحاج علي
السبت   2017/12/09
تحوّل فصل الشتاء إلى هاجس أمام فصائل المعارضة (انترنت)
على أبواب شتاء العام 2018 تتصاعد وتيرة الأنباء عن دفع قوات النظام والمليشيات الإيرانية، بالمزيد من تعزيزاتها نحو محافظة درعا، في الوقت الذي تنشغل فصائل المعارضة بدراسة وتحليل الجبهات المتوقع اشتعالها خلال فصل الشتاء، والحلول البديلة المتوفرة في حال انقطاع طرق إمدادها.

وتحوّل فصل الشتاء إلى هاجس أمام فصائل المعارضة، مع انتشارها وتمركزها في المساحات الزراعية. وفشلت المعارضة في أكثر من مناسبة في التعامل مع أزمات الشتاء بشكل صحيح. إذ تمثل المنطقة الممتدة بين الحدود الأردنية جنوباً والجولان المحتل غرباً وصولاً إلى الغوطة الغربية في ريف دمشق شمالاً، ما يُعرف بـ"سهل حوران" ذي الطبيعة السهلية المنبسطة.

وتنتشر الحواضر السكانية في المنطقة على شكل مدن وبلدات رئيسية تغيب عنها القرى الصغيرة. وتتخلل هذا السهل مجموعة من التلال المرتفعة المطلّة على مساحات واسعة من الأراضي، لتفرض هذه الطبيعة الجغرافية والحضرية نفسها على الواقع العسكري جنوبي سوريا. المواجهات بين فصائل المعارضة وقوات النظام في الجنوب السوري باتت تهدف إلى السيطرة على "التلال الحاكمة" التي تتيح لمن يعتليها التحكم بالمساحات المحيطة بها. كما تتميز معارك الجنوب بسعي أطرافها للسيطرة على طرق المرور المعبدة، التي تتيح لمن يتحكم بها سهولة الحركة وتجاوز المسافات بين المدن والبلدات.


(المصدر: LM)

في مثل هذا النوع من المعارك يُعتبر فصل الشتاء عدواً لمن يستخدم الطرق الترابية في تحركاته، إذ تتحول هذه الطرقات بفعل الأمطار إلى أراضٍ طينية تُعيق حركة الآليات والأفراد، وهذا ما يحد من مساحة المواجهات العسكرية لتُحصر في الأراضي الممتدة على جانبي الطرقات المعبدة فقط.

واستغلت قوات النظام الأجواء الماطرة في شتاء 2015 لتشن هجوماً واسعاً على المنطقة الواصلة بين أرياف درعا والقنيطرة وريف دمشق والمعروفة بـ"مثلث الموت"، وانتهت بالسيطرة عليها. ومنذ ذلك الوقت، صار تل الحارة هدفاً لقوات النظام، بعدما توقفت المعارك على أطراف بلدات كفر شمس وكفر ناسج وجدية. وتفرض الطبيعة الجغرافية للمنطقة خلال فصل الشتاء، قيوداً على المعارضة التي تعتمد على مجموعة محدودة من الطرق المُعبّدة لتنقلها بين الجبهات، نتيجة تباعد المسافات بين البلدات في تلك المنطقة، وصعوبة الاعتماد على الطرقات الفرعية فقط. وهو ما سهل على قوات النظام استهدافها بالعبوات الناسفة بشكل متكرر، خاصة الطريق الواصل بين بلدتي كفر شمس وعقربا، الذي تعرض لعمليات تفخيخ وتفجير كان أعنفها في حزيران/يونيو 2017، وراح ضحيته 9 من مقاتلي فصائل المعارضة. ويعتبر تل الحارة من أهم تلال ريف درعا الشمالي، ويتيح لمن يسيطر عليه الإشراف على مساحات واسعة من ريفي درعا والقنيطرة الشماليين.

في شتاء العام 2016 هاجمت قوات النظام مدينة الشيخ مسكين مستفيدة من انقطاع معظم طرق إمداد المعارضة إلى المدينة بفعل الأجواء الماطرة، وانتهى الهجوم بسيطرتها على المدينة الاستراتيجية. وفي شتاء العام 2017 كان الدور على "جيش خالد بن الوليد" المتهم من المعارضة بمبايعته لتنظيم "الدولة الإسلامية"، للهجوم على مواقع المعارضة في حوض اليرموك. وانتهى هجوم "جيش خالد" بسيطرته على عدد من البلدات والتلال الاستراتيجية، مستغلاً الأجواء الماطرة وضعف حركة فصائل المعارضة خلالها.

القيادي الميداني في الجيش الحر حمدي شباط، تحدث لـ"المدن"، من أطراف مدينة الشيخ مسكين التي سبق وخسرتها فصائل المعارضة في "معارك الشتاء"، قائلاً إن "الأشهر القادمة قد تشهد محاولات تقدم على أكثر من جبهة وبشكل خاص في ريفي درعا الغربي والشمالي الغربي، فمعظم نقاط الرباط للجيش الحر هي ضمن مناطق زراعية تتحول في الشتاء إلى وحل وطين، وقد تستغل قوات النظام هذا الوضع للتقدم خاصة باتجاه مدينة تل الحارة، ومدينة نوى وبلدة ابطع". وحذّر شباط من تعرض المناطق المحررة في محيط حوض اليرموك لهجمات من قبل "جيش خالد بن الوليد"، خاصة بلدتي حيط والشيخ سعد.

تحوّل مدينة نوى وبلدة ابطع إلى هدف للنظام، سيحمل تبعات كارثية على ريف درعا الغربي، خاصة مدينة نوى التي يقطنها عشرات آلاف المدنيين، وتعتبر أهم وأكبر مدن ريف درعا، وسط غياب كامل لأي فرص للجوء منها إلى الأردن. أما بلدة ابطع فالحفاظ عليها يعتبر أولوية لدى فصائل المعارضة، لأن سقوطها سيعني انتقال المواجهات إلى مدينة داعل، آخر معاقل المعارضة في ريف درعا الأوسط.

الحلول المتاحة أمام فصائل المعارضة ليست كثيرة، بحسب القيادي شباط، فـ"التركيز حالياً على تأمين حركة المقاتلين ووصولهم لنقاط الرباط، وتأمين نقاط متباعدة وتدعيمها بقواعد مضادات الدروع، وهي أفضل طريقة لإعاقة القوات المهاجمة التي تستخدم الطرق المعبدة فقط، ما يسهل اكتشاف كيفية تقدمها وصدها". وهذه الطرق العسكرية، هي ذاتها، التي منعت فصائل المعارضة من شن هجمات خلال فصل الشتاء. فالتكتيك المستخدم لديها يعتمد على تنوع خطوط الإمداد وفتح أكثر من محور للهجوم في محاولة لتشتيت قوات النظام التي يسهل عليها مراقبة الطرق المعبدة ورصدها من خلال الطيران.

الحديث عن بلدة حيط يعتبر مثالاً واضحاً لتأثير فصل الشتاء على الواقع العسكري، فالبلدة الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، محاصرة من ثلاث جهات من قبل "جيش خالد بن الوليد"، ولا تملك إلا منفذاً واحداً وخط إمداد وحيد يمر من وادي اليرموك، ويصبح هذا الطريق في فصل الشتاء خطراً ووعراً جداً وغير قابل للاستخدام، ما يجعل البلدة محاصرة بشكل كامل.

ولا تبدو فصائل المعارضة في درعا قادرة في الوقت الراهن على إحداث أي تغيير في خريطة السيطرة في جنوب سوريا، في ظل التزامها المعلن باتفاقية "خفض التصعيد" ضد قوات النظام، والموقعة بين روسيا وأميركا منذ تموز/يوليو. ومع فشلها المتكرر في السيطرة على مواقع "جيش خالد بن الوليد" في منطقة حوض اليرموك، وبالنظر لما آلت عليه "معارك الشتاء" خلال السنوات القليلة الماضية، يعتبر كثيرٌون من المتابعين أن إحتفاظ هذه الفصائل بخريطة سيطرتها حتى ربيع 2018 إنجاز يُحسب لصالحها.