مؤتمر سوتشي:الروس ما بين التأجيل والالغاء

بسام مقداد
الأحد   2017/11/05
Getty ©

نقل موقع "غازيتا.رو" عن ممثل لوزارة الخارجية الروسية، لم يذكر اسمه، أن الوزارة سحبت عن موقعها الإلكتروني النبأ المتعلق بمؤتمر "الحوار الوطني السوري" في سوتشي "إلى حين تدقيق تفاصيل المشروع".

وكان النبأ قد ظهر على موقع الوزارة في 31 اكتوبر/تشرين الاول، وذكر أن المؤتمر سوف يعقد في 18 من نوفمبر/تشرين الثاني في منتجع سوتشي، وتضمن لائحة من 33 حزباً وتنظيماً تمت دعوتهم للمشاركة في المؤتمر، بمن فيهم حزب "البعث" الحاكم والتنظيمات المواليه له، وكذلك القوى المعارضة والأكراد.


وكان الإرتباك والتردد قد طبعا سلوك المسؤلين الروس، منذ أن أطلق الرئيس الروسي بوتين فكرة عقد "كونغرس الشعوب السورية" من منصة منتدى "فالداي" في منتجع سوتشي نفسه في 19 أكتوبر/تشرين الأول.  فقد تغير اسم المؤتمر وتغير مكان انعقاده وكذلك لائحة المدعوين، حيث أصبحت 161 منظمة، بحسب ما أفدت وكالة "نوفوستي" الروسية في وقت سابق الجمعة. وجاءت خطوة وزارة الخارجية بسحب نبأ عقد المؤتمر من على موقعها الإلكتروني لتعزز هذا الارتباك حيال المؤتمر، إذ لم تذكر الوزارة ما إن كان ذلك يعني تأجيل المؤتمر إلى موعد آخر أو احتمال إلغائه.


لكن ما كان واضحاً منذ البداية، أن فكرة المؤتمر بذاتها، من حيث التسمية، التي أطلقت عليه والمكان الأولي الذي اقترح لانعقاده، واللائحة الأولية للمشاركين المفترضين فيه، لم تكن تحيط على نحو كاف بكل تعقيدات الواقع السوري في المرحلة الراهنة، التي بلغتها الحرب السورية. فلم يذهب الرئيس الروسي بعيداً لإطلاق اسم "كونغرس الشعوب السورية" على المؤتمر، بل استعارها من الواقع الروسي، حيث يوجد "كونغرس الشعوب الروسية" لتنظيم العلاقات بين اقليات وشعوب الشمال الروسي وسيبيريا، و"جمعية الشعوب الروسية" (Assembly of the Peoples of Russia) في القفقاز، و"الكونغرس الروسي لشعوب القفقاز".


تعكس فكرة عقد مؤتمر سوتشي التعجل الروسي لإنهاء الحرب السورية. وقد عكست هذا الإستعجال تصريحات السياسيين والعسكريين الروس في الفترة الأخيرة؛ يرى أولئك أن الحرب السورية تسير نحو نهايتها. وقد نقل موقع "ار.بي.كي" الإخباري الروسي في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني عن مصدر في وزارة الدفاع الروسية قوله، إن مهمة القائد الجديد للقوات الروسية في سوريا الجنرال ألكسندر جورافلوف، الذي تم تعيينه منذ أيام، هي "الإعداد لإنجاز العملية العسكرية في سوريا".


وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن الواقع السياسي الداخلي في روسيا قبل الإنتخابات الرئاسية المقبلة قد يكون أحد الأسباب في هذه العجلة. فقد أخذ هذا الوضع يزداد تعقيداً، ليس بسبب الحرب السورية وفظائعها فقط، بل بسبب كلفتها في ظل الفساد المستشري والوضع الإقتصادي والإجتماعي، الذي يزداد سوءاً منذ عام 2014. وقد برزت دعوات في الفترة الأخيرة إلى اعتبار سلطة الكرملين الراهنة "سلطة احتلال" ومقاطعتها في ما يقارب الدعوة إلى عصيان مدني. وقد دعت الجهات المعارضة، التي تتبنى مثل هذا الطرح، إلى النزول إلى الشارع في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني، يوم مئوية انقلاب أوكتوبر البلشفي عام 1917.


لقد انعكست العجلة الروسية هذه في إنهاء التورط في الحرب السورية في التعجل بالدعوة إلى مؤتمر سوتشي، من دون الإعداد اللازم له. وتقول صحيفة "كومرسانت" الروسية، إن المناقشات في مؤتمر أستانة الأخير أظهرت أن عقد المؤتمر بهذه السرعة لن يكون أمراً سهلاً. وتستشهد على ذلك بالآراء السلبية تجاه المؤتمر من قبل عدد من المعارضين السوريين، والتي أصبحت معروفة من الجميع.


ولم تقتصر الآراء السلبية حيال المؤتمر على السوريين فحسب، بل نقلت الصحيفة عن مدير مركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الإستشراق الروسي فاسيلي كوزنتسوف قوله، إنه ليس من المفهوم تماماً ما هي النتائج الملموسة، التي يمكن توقعها من مؤتمر يضم مثل هذا العدد الكبير من المدعوين للمشاركة فيه. وقال، إنهم قد يقترحون على الأعضاء المشاركين إصدار بيان مشترك ما، أو أن يكون عقد المؤتمر بذاته هو الحدث المهم والمطلوب فقط.


أما صحيفة "البرافدا" الناطقة باسم الشيوعيين الروس، والمعروفة بتأييدها المطلق للتدخل الروسي في سوريا، فقد تحدثت عن خلاف بين موسكو ودمشق، ورأت أن "سوريا جديدة سوف تولد في سوتشي". وتقول الصحيفة، إنه من المتوقع أن يناقش المؤتمر إعداد دستور جديد للبلاد، وتشير إلى أن دمشق قد أهملت تماماً مشروع الدستور، الذي قدمته روسيا مطلع العام الحالي.


وتلفت الصحيفة إلى أن الكرملين، وخلال الأسبوع الأخير، قد أفهم دمشق والعالم ككل أن ثمة تغييرات قادمة في السياسة الروسية حيال سوريا. فقد أعلن الرئيس الروسي نفسه، وكذلك وزير الدفاع سيرغي شويغو، أن الأراضي السورية قد "تحررت تقريباً من داعش"، وأن المهمات، التي كانت ملقاة على عاتق القوات الجوية الروسية قد أُنجزت، وأن "الحرب ضد الإرهابيين قاربت نهايتها". ومن المنطقي أن يُستنتج من كل ذلك أنه قد آن أوان التسوية السياسية للصراع الداخلي، وأنه لم يعد لدى نظام الأسد من سبب لتأجيل بداية هذه العملية. فلم يعد هناك من إرهابيين، ومن بقي منهم لا يستطيع عرقلة عملية السلام. أما القوى الأخرى المتبقية في الساحة فيجب إقامة حوار معها.


وتؤكد الصحيفة أن موسكو تكون بذلك قد رفضت حجج الأسد القائلة إن "الإرهابيين ليسوا فقط داعش" والمجموعات المماثلة لها، بل هم جميع من يحارب ضد النظام. ويضم هؤلاء، بشكل خاص، المعارضين الموالين للرياض والقاهرة، العاصمتين اللتين تحسنت علاقات روسيا بهما في الأشهر الأخيرة. وتضيف الصحيفة، إنه من غير المستبعد أن يتم التوافق على الدستور الجديد حتى نهاية عام 2017، حين ينبغي أن تجري الإنتخابات الرئاسية في سوريا، كما ترى منظمة الأمم المتحدة.


وهنا قد تبرز مسألة مصير الرئيس السوري وأسرته، والقوى السياسية المؤيدة له، على حد رأي الصحيفة. فهل سيبقي الدستور الجديد على الأسد في الحياة السياسية؟ وهل سيسمح له بالمشاركة في الانتخابات المقبلة؟ وتختم "برافدا" بالتساؤل ما إذا كان مصير الأسد سيصبح ذريعة لحرب جديدة بين السوريين؟