الغوطة الشرقية: ميدان لتجريب الأسلحة السورية والروسية

منتصر أبو زيد
الجمعة   2017/11/24
لم يسمع الأهالي أصوات الإنفجارت لحظة وقوع الغارة (المدن)
تشهد الغوطة الشرقية، منذ 14 تشرين الثاني/نوفمبر، تصعيداً بالقصف على مختلف مدنها وبلداتها، ما أدى إلى مقتل 118 مدنياً بينهم 31 طفلاً و9 نساء، وأكثر من 800 جريح، وفق إحصائيات "مركز الغوطة الإعلامي". وهذا ما أنهك فرق الإسعاف والدفاع المدني، بالإضافة إلى المشافي التي غصّت بالمصابين.

وشهدت الحملة الراهنة الاستخدام الأكثر تنوعاً لأسلحة جديدة في قصف مدن وبلدات الغوطة الشرقية؛ إذ استخدمت فيها الصواريخ الإرتجاجية، وصواريخ "جولان"، والغازات السامة، وغارات طائرات "سوخوي-24".

ففي الساعة 5:08 من مساء الأحد 19 تشرين الثاني، أصدر "مرصد الطيران السوري" التابع للدفاع المدني تحذيراً بـ"إقلاع طائرة حربية روسية من مطار حميميم متجهة إلى الجنوب الغربي، ومن المتوقع أن تكون وجهتها الغوطة الشرقية". وفي الساعة 5:17 أصدر المرصد تحذيراً مفاده: "تحليق دوراني للطيران الحربي الروسي فوق مدينة عربين في الغوطة الشرقية". وفي هذه الأثناء تعرضت بلدات مديرا ومسرابا وعربين لغارات جوية تسببت إحداها بارتكاب مجزرة في بلدة مديرا راح ضحيتها عائلة كاملة مؤلفة من 6 أفراد.

ولم يسمع الأهالي أصوات الإنفجارت لحظة وقوع الغارة، بل شعروا بهزة أرضية قوية تسببت بانهيار أبنية سكنية متعددة. وبعدما هرعت فرق الإنقاذ نحو مكان الغارات، لنجدة المصابين، لاحظت وجود حفر كبيرة، يزيد قطرها عن 10 أمتار، ناجمة عن اختراق الصواريخ للأرض، لمسافة أمتار، أن تنفجر وتحدث ما يُشبه الهزة الأرضية.

وهذه الغارات الروسية هي الأولى منذ توقيع اتفاقي "خفض التصعيد" في الغوطة الشرقية، في آب/أغسطس، ولم يصدر أي تصريح روسي حولها يؤكدها أو ينفيها.

في 20 و23 تشرين الثاني استهدفت قوات النظام بلدتي كفربطنا وجسرين بصواريخ شديدة الانفجار، أدت لمقتل عدد من المدنيين وخروج أحد المشافي عن الخدمة. وقد نشرت صفحات موالية للنظام، في مواقع التواصل الاجتماعي، صوراً ومقاطع فيديو تظهر لحظة إطلاق صواريخ "جولان"، وقالت إنها نسخة مطورة عن صواريخ "الفيل" من حيث الحشوة الدافعة التي زادت مداها إلى 2.2 كيلومتراً، وكذلك من حيث كتلة المقذوف المتفجر كي تُحدِثَ أثراً تدميرياً كبيراً. الأمر الذي فسّر القدرة التدميرية الكبيرة لتلك الصواريخ المُعدّلة في محيط المنطقة، وخروج المشفى عن الخدمة كلياً، وفق بيان إدارته.

الصواريخ التي تحمل القنابل العنقودية "المحرمة دولياً"، لم يكن استخدامها جديداً على ساحة الغوطة الشرقية، إنما غزارة استخدامها لقصف الأحياء السكنية، لتوقع أكبر قدر ممكن من الإصابات. وتم استهداف مدن الغوطة ما بين 14 و23 تشرين الثاني، وفق إحصائية "مركز الغوطة" بحوالي 70 صاروخاً عنقودياً، يحمل كل منها عشرات القنابل مختلفة الأشكال والأحجام. وتأتي خطورة هذه القنابل في آنية انفجارها، فمنها ما ينفجر إثر ارتطامها بالأرض، ومنها ما يستغرق دقائق لينفجر، وهذا ما قد يوقع إصابات جديدة إن تم الاقتراب منها قبل انفجارها.

ولطالما كانت الغازات السامة حاضرة على خطوط جبهات الغوطة الشرقية، إذ تلجأ إليها قوات النظام في الحالات الحرجة، وعند عجزها عن التصدي للمعارضة، بالأسلحة التقليدية. وتمتاز الغازات السامة بسهولة استخدامها، كونها تستخدم كحشوات للصواريخ والقذائف والقنابل العادية، وفعالية أدائها مرتفعة إذ توقع أعداداً كبيرة من المصابين ممن لا يمكن إصابتهم بسهولة بالأسلحة النارية العادية. اللافت في التصعيد الأخير هو تكثيف استخدام النظام لهذا السلاح الفتاك، فقد تم استخدام القنابل اليدوية التي تحوي الغازات السامة أربع مرات؛ ثلاث منها على جبهة حرستا وواحدة على جبهة جوبر.

في 18 تشرين الثاني تم استخدام الغازات السامة ما تسبب بإيقاع 39 إصابة في صفوف مقاتلي المعارضة، نقلوا على أثرها إلى المشافي. وفي شهادة مصورة للطبيب أحمد الحر، العامل في "مشفى الكهف" قال: "أعراض الإصابات هي حدقات دبوسية، وإقياء، وضيق تنفس وتشويش بالنظر"، من دون أن يُشخّصَ طبيعة الغاز المستخدم. وهذه الأعراض كفيلة بإنهاك المقاتلين جسدياً وقلب موازين السيطرة في لحظات الاشتباك، وهذه هي الغاية المرجوة لدى استخدام الغازات السامة.

الطائرات الحربية التقليدية "ميغ 21" و"ميغ 23" و"سوخوي 22"، المغيرة على الغوطة، باتت من المظاهر الاعتيادية شبه اليومية، رغم آثارها التدميرية الكبيرة. أما طائرات "سوخوي 24" والتي تعمل في كافة الظروف المناخية، نهاراً وليلاً، فقلما كانت تستخدم. النظام لم يتوانَ عن زج "سوخوي 24" في حملة القصف الأخيرة، إذ مرت ليالٍ كاملة لم تغادر تلك الطائرات سماء الغوطة الشرقية. وشنّت عشرات الغارات الليلية، ما أوقع أعداداً كبيرة من الضحايا المدنيين، وهم نيام في منازلهم، وأرهب مئات الآلاف من الذين يسمعون صوتها ولا يرونها. وربما يكون هذا أحد أسباب استخدام "سوخوي 24".

بعد عشرة أيام من تصعيد القصف على منطقة يشملها اتفاق "خفض التصعيد" برعاية "الضامن" الروسي، أصبحت الأسلحة الجديدة المستخدمة، تقليدية. فالأهالي سرعان ما اعتادوا على وسائل التدمير الجديدة، وهم من غير المتأملين بوجود من يحميهم منها. فأهالي الغوطة كانوا أول من استنشق غاز السارين في آب/أغسطس 2012، وما زال الفاعل طليقاً يرتكب جرائمه اليومية بحقهم، مُجرباً وسائل جديدة، ومفلتاً من العقاب.