استراتيجية أميركا بلا الأسد

حسين عبد الحسين
الأحد   2017/10/01
AFP ©

السياسيون يثرثرون. العسكر أكثر وضوحاً وصراحة. في هذا السياق، قدم رئيس الاركان الاميركي الجنرال جوزف دانفورد اكثر التصورات الاميركية وضوحاً عن استراتيجية الولايات المتحدة، اثناء مثوله في جلسة استماع امام لجنة "شؤون القوات المسلحة" في مجلس الشيوخ.

قال دانفورد، إن هدف الولايات المتحدة في سوريا هو القضاء على تنظيم "الدولة الاسلامية"،  وحدد ذلك بالقول إنه يشمل إضعاف التنظيم الى درجة لا يعود فيها قادرا على الامساك بأي ارض، أو القيام بأعمال عنفية خارجية، وهو ما يعني أن قوات حفظ الأمن المحلية قادرة على ضبط التنظيم واحتواء ما تبقى من عنفه.

عدا عن القضاء على "داعش"، لا تتمتع سوريا بأي اهمية استراتيجية تذكر في نظر حكومة الولايات المتحدة، وهو ما يعني أن واشنطن تلتزم بالاهداف العامة التي يلتزم بها حلفاؤها والمجتمع الدولي عموماً.

يقول دانفورد، إنه عدا عن "داعش"، تتلخص الاهداف الاميركية في سوريا "خفض التصعيد"، والتخفيف من المعاناة والأزمة الانسانية. ويضيف أن بلاده تعمل مع شركائها وحلفائها في المنطقة لمساعدتهم على ضبط حدودهم؛ أي بكلام آخر، تسعى أميركا لحصر الحرب داخل الحدود السورية، وضمان أن هذه المواجهة المسلحة لن تتوسع لتشمل البلدان الخمسة المجاورة، وكلها حليفة لواشنطن. بعد ذلك، تأتي عملية التسوية السياسية، والثرثرة الديبلوماسية، من وجهة نظر عسكر الولايات المتحدة.

ما لا يقوله دانفورد هو إنه قبل اندلاع الثورة السورية، كانت أهمية سوريا الاستراتيجية في نظر الولايات المتحدة تتلخص بأمرين قدمهما نظام عائلة الأسد على مدى عقود: استقرار الحدود في الجولان السوري الذي تحتله اسرائيل، والتعاون الاستخباراتي الذي قدمه آل الأسد في مساعدة الاستخبارات الغربية في مراقبة واعتقال من تصنفهم العواصم الغربية ارهابيين.

موقع سوريا الجغرافي لم يكن له أهمية لواشنطن، إذ يمكن الاستعاضة عنه عسكرياً بقاعدة انجرليك العسكرية التركية، أو بقواعد في اسرائيل، أو بالاقلاع من حاملات طائرات اميركية في المتوسط. ونفط سوريا، الذي كان يصل إنتاجه إلى 200 ألف برميل نفط يومياً فقط، لم يكن يدخل في حسابات أميركا أو سوق النفط العالمية.

اليوم، أفلتت من ايدي نظام الأسد الورقتان الاستراتيجيتان اللتان أعطتاه أهمية في الماضي، بالنسبة للاميركيين. انكسرت الجرة بين الأسد والتنظيمات المتطرفة، ولم يعد الأسد مسيطراً على قرارات "حزب الله" اللبناني، ولم يعد بإمكان الأسد تالياً تسليم مطلوبين للغرب أو الوشاية عنهم أو تصفيتهم. أما في الجنوب السوري، فاستنبطت اسرائيل نظاماً جديداً بديلاً يغنيها الى حد بعيد عن سيادة الأسد على هذه المنطقة، على الرغم ان اسرائيل تبدي استعدادها يومياً لعودة سيادة الأسد الى الجنوب ليغنيها عن حاجة مراقبة هذه الاراضي عن كثب.

على ان اسرائيل أصبحت تدرك، كما أميركا، ان انفصال الأسد عن ايران صار شبه مستحيل بسبب ضعفه، وهو ما يعني ان تسليمه جنوب سوريا يعني فعليا تسليمه لايران والميليشيات المتحالفة معها.

يختم دانفورد بالقول، إنه على الرغم من تشابه أهداف أميركا وروسيا في سوريا، لناحية تخفيض العنف وانهاء المأساة الانسانية، إلا أن واشنطن تختلف مع روسيا حول الشركاء السياسيين والاصدقاء داخل سوريا، وتدرك الولايات المتحدة أن الروس يسعون الى تصفية وجوه المعارضة السورية للطعن بمصداقية المعارضة وتحسين موقع الأسد. إلا أنه لا يبدو أن ألاعيب موسكو السياسية في سوريا تنطلي على الاميركيين او تدفعهم لتغيير موقفهم والتعامل مع الأسد.

في الماضي، كان الأسد يراهن على التغيير في الادارة الاميركية، على اعتبار ان ذاكرة الغرب قصيرة، وان كل ادارة اميركية قادمة تفتح صفحة جديدة معه، وتعفو عما مضى، وتعيد الصداقة الضمنية بينهما. هذه المرة، لا تبدو اميركا انها ترى في الأسد ما يستأهل اعادة استئناف العلاقة. لذا، تلاشت استراتيجية اميركا الماضية حول سوريا، وتم استبدالها بواحدة جديدة، وهذه الاستراتيجية الجديدة لا ترى ضرورة استخدام القوة العسكرية للاطاحة به، لكنها لا ترى اي فائدة ترتجى من "الانخراط" معه، بعدما اصبحت مفاتيح قرار دمشق في موسكو وطهران.