أين ذهب مقاتلو المعارضة الحلبية؟

خالد الخطيب
الخميس   2017/01/12
شهدت "جبهة فتح الشام" انشقاق أعداد كبيرة من صفوفها، وكذلك تفكك "تجمع فاستقم كما أمرت" (المدن)
خرج قرابة 5 آلاف عنصر من مقاتلي المعارضة المسلحة، من الأحياء الشرقية في حلب نهاية العام 2016، ممن كانوا يتحصنون في الأحياء الأربعة الأخيرة التي بقيت في قبضتهم في المرحلة الأخيرة من الحصار، والذي أنهي باتفاق ضَمِنَ خروج المعارضة مع آلاف المدنيين، نحو ريف حلب الغربي وريف إدلب. لكن فصائل المعارضة التي خرجت من المدينة تعرضت لهزات بنيوية، وفقدت الكثير من عناصرها. بعض الفصائل تلاشى، ولم يعد له وجود البتة.

وكان عدد مقاتلي المعارضة قبل بدء مليشيات النظام معركة السيطرة على الأحياء الشرقية في حلب يتجاوز 10 آلاف مقاتل، يتوزع معظمهم بين "الجبهة الشامية" و"حركة نور الدين الزنكي" و"الفوج الأول" و"تجمع فاستقم كما أمرت" و"فيلق الشام" و"حركة أحرار الشام الإسلامية" و"جبهة فتح الشام". بينما تتوزع أعداد قليلة منهم على فصائل أصغر منها؛ "ألوية صقور الشام" و"جيش الإسلام-قطاع الشمال" و"أشداء"، وكتائب محلية نشأت في شهور الحصار الأخيرة، في الأحياء الطرفية، التي كانت الهدف الأول للعملية العسكرية التي شنتها مليشيات النظام.

فعلياً تناقص عدد مقاتلي المعارضة بشكل متسارع، مع بدء المعركة وتصاعد عملياتها، والتي أسفرت عن تقدم سريع للمليشيات، وقضم مناطق واسعة كانت تسيطر عليها المعارضة شرقي المدينة. كثير من عناصر الفصائل تركوا العمل المسلح، وانضم عدد كبير منهم إلى صفوف المدنيين، وعمل آخرون بشكل منفرد بعيداً عن الفصيل العسكري الذي يتبعون له. ناهيك عن الأعداد الكبيرة التي قُتلت وجرحت أثناء المعارك التي استمرت لأكثر من شهر في ظل قصف عنيف من قبل الطيران الروسي والمليشيات، استهدف مواقع ومقار حساسة كانت تتحصن فيها المعارضة.

الفصائل الأبرز التي بقيت محافظة على وجودها حتى خروجها، رغم التناقص الكبير في أعداد مقاتليها، هي؛ "الجبهة الشامية" و"حركة أحرار الشام الإٍسلامية" و"حركة نور الدين الزنكي"، بينما شهدت "جبهة فتح الشام" انشقاق أعداد كبيرة من صفوفها، وكذلك تفكك "تجمع فاستقم كما أمرت" الذي سبق وتعرض لهجوم من "حركة نور الدين الزنكي" و"كتائب أبو عمارة" قبل فترة قصيرة من النهاية المؤلمة لحلب الشرقية.

كثر الحديث نهاية العام 2016 عن توجه مقاتلي المعارضة الخارجين من الحصار للقتال في "درع الفرات" في ريف حلب الشمالي. وبالتزامن مع تنفيذ عمليات التهجير من حلب وفق الاتفاق الروسي-التركي ، فالمقاتلون الذين يتبعون لفصائل الجيش الحر، سيتم الزج بهم في معارك "درع الفرات" في ريفي حلب الشمالي والشرقي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، وفقاً لرغبة تركيا في حسم المعركة هناك من خلال وضع المزيد من الثقل الحربي والبشري في جبهات القتال. لكن ذلك لم يحصل، فترك القرار للمقاتلين، كما أن "درع الفرات" ليست بحاجة لأعداد إضافية على جبهات تنظيم "الدولة الإسلامية" و"وحدات حماية الشعب" الكردية.

بعض الفصائل المسلحة فضلّت سحب معظم مقاتليها من ريف حلب الغربي باتجاه ريفي حلب الشمالي والشرقي، ومن بينها "الجبهة الشامية" و"الفوج الأول" و"فرقة الصفوة الإٍسلامية"، باعتبارها فصائل رئيسية في معارك "درع الفرات" وينتمي معظم مقاتليها إلى مناطق ريف حلب الشمالي. كما تعتبر المنطقة هناك مناطق نفوذ لها، بعكس الريف الغربي الذي تسيطر عليه "حركة نور الدين الزنكي" بشكل شبه كامل مع عدد من الفصائل الإسلامية الأخرى.

ووصلت أعداد كبيرة من مقاتلي المعارضة إلى ريف حلب الشمالي، معظمها ممن تركوا العمل المسلح مع الفصائل، قبل عمليات الإجلاء من حلب، والتحقت بعائلاتهم التي فرت من الأحياء الشرقية عن طريق الأحياء التي تسيطر عليها "وحدات حماية الشعب"، وصولاً إلى عفرين، و استقرت أخيراً في جرابلس ومارع وإعزاز وأخترين، في ريف حلب الشمالي. مقاتلو المعارضة وصلوا الى ريف حلب الشمالي مروراً بتركيا، مع دفعات تبديل مقاتلي "درع الفرات" التي عادة ما تحدث شهرياً، من معبر أطمة في ريف إدلب نحو معبري حوار كليس وجرابلس شمالي حلب.

وانتسبت أعداد من المقاتلين الذين وصلوا إلى ريف حلب الشمالي إلى صفوف عدد من الفصائل المحلية، كـ"لواء المعتصم" و"فرقة الحمزة" و"فرقة الصفوة"، وغيرها من الفصائل التي يتركز عملها فقط على جبهات تنظيم "الدولة الإسلامية" وتعتبر بطبيعة الحال العمود الفقري لـ"درع الفرات" في المنطقة.

مقاتلو "حركة نور الدين الزنكي" و"حركة أحرار الشام الإسلامية" وجبهة فتح الشام، بقوا في مناطق ريفي حلب الغربي وإدلب، لكنهم إلى الآن لم ينتشروا على جبهات القتال في ظل "وقف إطلاق النار" رغم الخروق المتواصلة، والتي تتركز في ريفي حلب الجنوبي والغربي. الخروق لم تترقَ حتى اللحظة إلى معارك جدية، وتقتصر على عمليات تسلل وقصف متبادل.

قائد "غرفة عمليات الراشدين" النقيب أمين ملحيس، أكد لـ"المدن"، أن عدداً قليلاً جداً من المقاتلين الذين خرجوا من الأحياء الشرقية في حلب التحقوا بجبهات القتال "فالجميع في حالة ركود، وإلى الآن يعاني كثيرون منهم من مشاكل تأمين السكن والمعيشة لعائلاتهم بعد خروجهم من مدينة حلب تاركين وراءهم كل ما يملكون".

وإلى الآن، تعوّل المعارضة، وفق النقيب أمين، على استمرار "الهدنة" رغم الخروق المستمرة من قبل مليشيات النظام، وهي تعتمد على دفاعاتها التقليدية، حتى الآن، طالما بقي العمل بـ"وقف إطلاق النار"، فليس هناك حاجة لاستنفار أعداد جديدة من مقاتلي المعارضة، خاصة مقاتلي الفصائل الذين خرجوا من أحياء حلب الشرقية.

من جانبها، مليشيات النظام تنتظر الفرصة لوقف العمل بـ"اتفاق وقف إطلاق النار" لتشن هجمات برية جديدة في محيط مدينة حلب وضواحيها الغربية والجنوبية الغربية، بهدف توسيع طوق السيطرة، وتأمين مواقعها من ضربات المعارضة الصاروخية والمدفعية. وكثّفت مليشيات النظام من قصفها لمواقع المعارضة في ريف حلب، بشكل كبير، خلال الساعات الـ48 الماضية، بالمدفعية والصواريخ، كما شنت الطائرات الحربية والمروحية التابعة للنظام أكثر من عشرين غارة جوية استهدفت مناطق، الراشدين والمنصورة وسوق الجبس وخان العسل والأتارب ومحيط "الفوج 46" والملاح ومحيط حريتان وكفر حمرة.

كما نفذت المليشيات محاولات تسلل في جبهات ريف حلب الجنوبي، مساء الثلاثاء، في محاور العيس وخان طومان، التي شهدت اشتباكات متقطعة بين عناصر المليشيات ومقاتلي المعارضة الذين تصدوا للمحاولات، وأعلنوا أنهم قتلوا عدداً من العناصر المتسللة.

مدير "المكتب السياسي" في "تجمع فاستقم كما أمرت" زكريا ملاحفجي، أكد أن اجتماع أنقرة، الأربعاء، والذي جمع المفاوضين عن المعارضة بالمسؤولين الروس، برعاية تركية، سيحدد ما إذا كانت الهدنة ستستمر، أو أنها ستنتهي. فالمعارضة قدمت قائمة بخروق النظام، وعرضت مطالبها على روسيا باعتبارها الطرف الضامن لـ"وقف إطلاق النار" من جهة مليشيات النظام.

وأشار ملاحفجي إلى أن المعارضة المسلحة مستعدة لأي تطور ميداني، وهي على أهبة الاستعداد للمواجهة إن تخلت روسيا عن وعودها بضمان الهدنة. فالمليشيات لم تلتزم منذ اليوم الأول بالاتفاق، وعلى الرغم من ذلك بقيت المعارضة متمسكة بها للوصول إلى مفاوضات جدية، كما هو مقرر في وقت لاحق في العاصمة الكازاخستانية أستانة.