حلب:التفاوض على طرق إدخال المساعدات لم يتقدم

خالد الخطيب
الإثنين   2016/08/29
تخوف المعارضة من وجود قوات الروسية على الأرض لتأمين طريق الكاستللو (خالد الخطيب)
انتهت الأحد، المهلة التي أعطاها المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لطرفي النزاع في سوريا، بشأن "الهدنة الإنسانية" التي تقتضي مرور المساعدات إلى مدينة حلب بقسميها الشرقي والغربي، عبر طريق الكاستللو الذي سيطرت عليه قوات النظام منذ منتصف تموز/يوليو. ويتضمن مشروع الهدنة وقفاً للأعمال القتالية في مناطق حددتها الخطة، لمدة 48 ساعة أسبوعياً، وعلى مدى أربعة أسابيع قابلة للتمديد.

وفي الوقت الذي أبدت فيه روسيا الموافقة على الهدنة المقترحة نيابة عن النظام، انقسمت المعارضة المسلحة بين مؤيد للمبادرة، لكن بشروط كما جاء في بيان "غرفة عمليات فتح حلب"، ورافض للهدنة جملة وتفصيلاً كما جاء في بيان آخر لفصائل مقاتلة.



وأيد الموقف المعارض للهدنة "مجلس مدينة حلب الحرة" وجمعيات إغاثية محلية ونشطاء مستقلون عبر بيانات وتسجيلات مصورة، مهددين بعرقلة أي مسعى لجعل طريق الكاستللو معبراً إنسانياً، في الوقت الذي تستخدمه قوات النظام ومليشياته كممر عسكري، تُحاصرُ من خلاله الأحياء الشرقية الخاضعة لسيطرة المعارضة. وجاء رد هذه الفعاليات المدنية بعدما قام "مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية" التابع لـ"الأمم المتحدة" و"برنامج الغذاء العالمي" بالاتصال مع المنظمات والمؤسسات الإغاثية العاملة في حلب، وعرض عليها المقترح وناقش معها بنود الهدنة.

وربطت غرفة عمليات "فتح حلب" موافقتها على الهدنة بشروط وردت في بيانها الصادر الجمعة، وجاء فيه: "إننا نرحب بقوافل الإغاثة التابعة للمنظمات المدنية الدولية والمحلية، وبقوافل الأمم المتحدة، للدخول إلى مدينة حلب من خلال باب الهوى مروراً بالراموسة، ونتعهد بحمايتها ونشير إلى أن هذا الطريق الذي قمنا وبالتعاون مع فصائل أخرى بفتحه لفك الحصار عن مئات آلاف المدنيين في مدينة حلب وهو الطريق الأقصر والأسرع لوجستياً".

وأضاف البيان "إننا أمام الإصرار غير المفهوم من قبل الأمم المتحدة على إدخال هذه المساعدات عن طريق الكاستيللو، واحتراماً منا لمهنية هذه المؤسسة الدولية، فلا يسعنا إلا القبول، ولكن ضمن شروط يفرضها علينا واقعنا الميداني والداخلي، ولا يمكن لنا تجاوزها. وهي أن تكون هدنة الـ48 ساعة شاملة لجميع المناطق المحاصرة في عموم سوريا، وهي الغوطة الشرقية والوعر والريف الشمالي لحمص ومضايا. وأن يتم إدخال المساعدات وبوقت متزامن لجميع هذه المناطق من دون استثناء، واعتبار طريق الراموسة طريقاً رديفاً وموازياً لطريق الكاستيللو لإيصال المساعدات الإنسانية إلى حلب الشرقية".

المنسق الإعلامي في الجيش السوري الحر، في "فتح حلب"، يحيى مايو، أكد لـ"المدن"، أن الغرفة وكّلت "الهيئة العليا للمفاوضات" لتدرس الخطة المقترحة من قبلها وتطرحها على المبعوث الدولي، والتي تتضمن الموافقة على الهدنة الإنسانية، على أن تشمل مناطق أوسع، في الشمال والجنوب والوسط السوري.

وأوضح مايو أن ترحيب "فتح حلب" بالهدنة بعد إضافة بعض التعديلات عليها، قرار صائب، لأنها تدرك تماماً أن الرفض المطلق للمبادرة سينعكس سلباً على الأرض، وسوف تضغط روسيا أكثر وتنفذ المزيد من الغارات الجوية والمجازر بحق المدنيين، وسيكون المتضرر الأكبر بذلك أكثر من 300 ألف مدني في حلب الشرقية لم تصلهم إلى الآن أي مساعدات إنسانية رغم الحاجة الملحة إليها.

في المقابل، لم يعجب مقترح "فتح حلب" وموافقتها على الهدنة عدداً من الفصائل المسلحة، والتي أصدرت بياناً عبرت فيه عن رفضها للهدنة، وبررت ذلك بمخاوف تراها مشروعة، فتأثير المبادرة سيكون سلبياً للغاية على المعارضة في الوقت الذي ستحظى فيه قوات النظام والمليشيات عبر الكاستللو بمزيد من الدعم، ويمنحها طريقاً أكثر أماناً، ويُسهّلُ عليها معاودة حصار الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة.

وعبّرت 8 فصائل في بيان مطول، نشر السبت، ووقعت عليه كل من "حركة أحرار الشام" و"فيلق الشام" و"حركة نور الدين زنكي" و"الجبهة الشامية" و"جيش المجاهدين" و"الفوج الأول" و"كتائب الصفوة" و"تجمع فاستقم"، عن تخوفها من الدور الروسي في تأمين طريق الكاستللو، وفقاً للخطة التي تسمح للقوات الروسية بالتواجد العسكري على الأرض. وأشارت الفصائل إلى أن الاصرار على اعتماد طريق الكاستللو يمنح النظام وسيلة جديدة للاستثمار والاستغلال السياسي، بالإضافة إلى استخدامه كوسيلة لمواصلة سياسة الحصار عبر استهداف طريق الراموسة وقطعه.

وعرضت الفصائل أن يكون طريق الراموسة هو الممر الإنساني للأحياء الشرقية، فهو أكثر أماناً، لأن وقف اطلاق النار يجعل كل الطرق آمنة، متعهدة بتأمين الحماية الكاملة لجميع الفرق والسيارات التي ستمر من خلاله.

تبريرات "الأمم المتحدة" لاختيار طريق الكاستللو، الذي وصفته بالمثالي تبعاً للضرورات الأمنية واللوجستية، وذلك على لسان مبعوثها الخاص إلى سوريا، أو عبر المتحدثين الرسميين باسم المكاتب الإنسانية، لم تقنع المعارضة؛ فطريقا الراموسة والكاستيللو يشبهان بعضهما من الناحية الأمنية، وكلاهما مستهدف نارياً، فالمعارضة تستطيع أن تقطع طريق الكاستللو على النظام والمليشيات إذا استهدفته بشكل متواصل، وكذلك بإمكان النظام أن يفعل الشيء ذاته في الراموسة. وكانت قوات النظام قد نجحت في التأثير على امداد المعارضة من الراموسة عبر استهدافه نارياً براً وجواً.

وتعاني المعارضة من مخاوف وخيبة أمل، من الانحياز الواضح في بنود الهدنة، والتي تصب في صالح روسيا والنظام وحلفائهما من المليشيات، وربما لا تثق المعارضة بالأمر الإيجابي الوحيد الذي ستحصل عليه من الموافقة على الهدنة الإنسانية، وهو إيصال المساعدات الإنسانية لمئات آلاف المدنيين في مناطقها، فالشاحنات ستعبر مناطق النظام وحواجز قواته ومليشيات "حزب الله" والأفغان، ما يعني أن طريقها سيكون مهدداً دائماً، وعرضة للتفتيش والنهب وفرض الخوات.

تجارب المعارضة السابقة مع مساعدات "الأمم المتحدة" الإنسانية السابقة، أثبتت صحة مخاوفها. فقوات النظام والمليشيات تسرق وتصادر المواد الغذائية والطبية الرئيسية، وتبقي على أشياء غير ضرورية، بينما تحظى مناطق سيطرة النظام في حلب الغربية بمرور سلس للقوافل الإنسانية القادمة من دمشق وصولاً إلى الكاستللو، من دون الحاجة للمرور في مناطق سيطرة المعارضة.

المعارضة في حلب بكل مكوناتها العسكرية والمدنية، متخوفة للغاية من تبعات "الهدنة الأممية" التي تحظى بمباركة روسيا. وفي حال وافقت المعارضة عليها، فالبنود الواردة في مقترح الهدنة تخدم النظام بشكل كبير؛ فوقف إطلاق النار يشمل معظم الأحياء التي يسيطر عليها النظام في حلب الغربية، بينما لم يدخل في الخطة نفسها سوى منطقة صغيرة تسيطر عليها المعارضة، وهي محاذية لطريق الكاستللو.

وتعزز "الهدنة" سيطرة قوات النظام والمليشيات على طريق الكاستللو، والذي سيحظى بتأمين من ضربات المعارضة، في الوقت الذي تستمر فيه الهجمات البرية والجوية على جبهات جنوب غربي حلب، في منطقة الراموسة، لإغلاق الطريق الذي فتحته المعارضة وفرض الحصار مجدداً على الأحياء الشرقية.

وتعيش الأحياء الشرقية في حلب حالة إنسانية صعبة جداً رغم فك الحصار مطلع آب/أغسطس، فالهجمات المتكررة  وبشكل يومي من قبل قوات النظام ومليشياتها على محاور متعددة بالقرب من منطقة الراموسة، لاستعادة مواقعها، واستهدافها الطريق المؤدي إلى الأحياء الشرقية بالمدفعية والهاون، والقصف الجوي الروسي، وذلك التابع للنظام، يجعل المرور من طريق الراموسة مخاطرة حقيقية.

قوات النظام والمليشيات، تمكنت مؤخراً من رصد طريق الراموسة بشكل أكبر بعد سيطرتها على تلة القرع الواقعة إلى الجنوب من "كلية التسليح"، ما يسمح لها بكشف أجزاء واسعة من الطريق، مستهدفة إياه على مدار الساعة بمختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة، موقعة عدداً كبيراً من الضحايا المدنيين يومياً بين قتيل وجريح.

السؤال المهم الآن، كيف سيكون رد المبعوث الدولي على رفض المعارضة للهدنة؟ وهل ستبقى المعارضة المسلحة في حلب متمسكة بموقفها، أم أنها ستستجيب للضغوط الأميركية، وضغوط الحلفاء الإقليميين الذين حثهم دي ميستورا على بذل جهودهم لإقناع المعارضة بالقبول بالهدنة؟ التي يعتبرها حلاً مثالياً للتخفيف من حدة المأساة الإنسانية التي يعيشها أكثر من مليون ونصف حلبي موزعين على شطري المدينة.

ربما لا تتخوف المعارضة من ردّ دي ميستورا والحلفاء على قرارها، بالقدر الذي تتخوف فيه من رد روسيا التصعيدي الذي يستهدف حصد المزيد من أرواح المدنيين، والذي بدأت علاماته تظهر على الأرض. فقد شهدت مناطق ضواحي حلب الشمالية، منطقة حريتان ومحيطها، عندان وكفر حمرة ومنطقة أسيا وقبر الإنكليز وحيان، إلى الشمال من الكاستللو قصفاً جوياً روسيا مكثفاً. كما قصف الطيران المروحي المنطقة بعشرات البراميل المتفجرة، بعضها كان محملاً بغازات سامة كغاز الكلور الذي استهدف منطقة قبر الإنكليز، ما تسبب بإصابة عشرات المدنيين والعسكريين بحالات اختناق وضيق تنفس.