"أحرار الشام" في مرمى الاغتيالات

المدن - عرب وعالم
الأحد   2016/06/19
تمثل "القاعدة" بفرعها السوري "جبهة النصرة"، عدواً واضحاً وصريحاً، لـ"حركة أحرار الشام"، بحسب المصدر (انترنت)
لا يكاد يمر أسبوع من دون أن تجري محاولة اغتيال لقائد ميداني من "حركة أحرار الشام الإسلامية"، ووصل الأمر إلى تصفية نقاط رباط أو حراسة لعناصر من الحركة في إدلب. فمن الذي يقف خلف هذه الاغتيالات؟

يقول مصدر مطلع، لـ"المدن"، إن الحركة ألقت القبض على متهمين في تنفيذ عمليات الاغتيال، لكنها لم تصل إلى شيء حتى الآن. ولا بد، بحسب المصدر، من "توصيف أعداء الحركة لفهم المستفيد من الاغتيالات ضمن الواقع اليومي في الشمال السوري تحديداً". فالشمال بات مخترقاً من أجهزة المخابرات العالمية والمحلية، والحركات الجهادية، وتنظيم "الدولة الإسلامية" والمليشيات الكردية.

وتمثل "القاعدة" بفرعها السوري "جبهة النصرة"، عدواً واضحاً وصريحاً، لـ"حركة أحرار الشام"، بحسب المصدر. وعدم مبايعة "الأحرار" لأمير "النصرة" الجولاني، والنزاع معها للسيطرة على الشمال السوري يمثل إحدى أهم نقاط الخلاف والعداء بين الفصيلين. ولقد نجحت الحركة في الابتعاد عن شبهة الانتماء ومبايعة "القاعدة"، بحسب المصدر، وأعلنت "هويتها السورية البحتة". ولا مثال خير على ذلك، بحسب المصدر، من موقف "الأحرار" حيال علم الثورة ودعمهم واحترامهم له، ما أشعل نار الاتهامات من مؤيدي "القاعدة" ضد "الحركة" واتهامها بـ"الردة ورفع راية الكفر والضلالة".

ويأتي ذلك بالتزامن مع تسريبات تفيد برغبة "القاعدة" في نقل مقراتها العالمية إلى سوريا، بعد تثبيت وضعها على الأرض. فبفضل "جبهة النصرة" و"جند الأقصى" ستضمن "القاعدة" موقعاً قوياً قد تستطيع من خلاله استعادة سيطرتها على الوسط الجهادي، بعد انشقاق "الدولة الإسلامية" عنها ونجاحها في سحب البساط من تحت قيادة أيمن الظواهري.

الإعلان في 9 أيار/مايو، عن احتمال وصول الابن الأكبر لأسامة بن لادن، حمزة، إلى سوريا، ترافق مع سجال في المراسلات الجهادية والردود الفقهية، بين حمزة بن لادن، وأمير "القاعدة" الظواهري. السجال تعلق بعدم قدرة الظواهري على قيادة "القاعدة" في مرحلة تمّ فيها إعلان "الدولة الإسلامية" لـ"الخلافة" وسحبها البساط من تحت "القاعدة". فالظواهري الذي تعوزه كاريزما أسامة بن لادن، لم يستطع فرض سيطرته على تشعبات وتيارات السلفية الجهادية عموماً، و"القاعدة" خصوصاً. حمزة بن لادن، في تسجيله الصوتي، شنّ هجوماً مزدوجاً؛ على الظواهري متهماً إياه بالتقصير، وعلى زعيم "الدولة الإسلامية" ابو بكر البغدادي متهماً إياه بشق الصف والخروج على بيعة "القاعدة".

حمزة بن لادن، وإن لم يهاجم "الأحرار" في تسجيله الصوتي، إلا أن أوساط "النصرة" باتت تحفل بالهجوم على "الأحرار" واعتبارهم "معارضة مفحوصة تدين بالديموقراطية"، خاصة بعد مشاركة "الأحرار" في مؤتمر المعارضة السورية في الرياض، في كانون الأول/ديسمبر 2015. "القاعدة" في ظل إعادة تموضعها الجديد، واحتمال صعود نجم حمزة بن لادن كقائد جديد لها، باتت بحاجة إلى استعادة زعامة السلفية الجهادية، واختيارها لسوريا كملعب لهذا الأمر، يُرجح دخول الشمال السوري في مرحلة مخاض دموية، قد تقوم "القاعدة" فيها بتصفية الحركات الجهادية الأخرى، التي ترفض الانصياع لها، ومن أبرزها "أحرار الشام".

وقد بادر الداعية السعودي عبدالله المحيسني، المقرّب من "النصرة"، أكثر من مرة لرأب الخلاف بين "النصرة" و"الأحرار" وتوحيد البندقية في وجه النظام وإيران، ولكن لم يكن الأمر أكثر من محاولات وفقاعات إعلامية، لم تنجح سوى في تأجيل الصراع، الذي باتت تسبقه موجات من الاغتيالات تستهدف قادة ميدانيين في "الأحرار".

تقول مصادر "المدن" إن "النصرة" اتهمت "أحرار الشام" بتسريب معلومات من مقر الشرعي في "النصرة" أبو فراس السوري، الذي اغتالته طائرة بدون طيار، في ريف إدلب في 6 نيسان/ابريل 2016. نفي "أحرار الشام"، عن طريق وسطاء، لأي علاقة لها بمقتل أبو فراس، لم يبعد الاتهام عنها. فأبو فراس كان ينتقد الحركة بشدة في تغريداته في "تويتر"، وسبق واعتبر الأحرار "مرجفين" واتهمهم بكونهم "صحوات"، في خطاب يتماهي مع خطاب "الدولة الإسلامية" عن الأحرار. أبو فراس لم يوفر مناسبة، إلا وهاجم "أحرار الشام" وكال الاتهامات لها.

وتعد "أحرار الشام" من أكثر الفصائل المسلحة المعارضة في سوريا، مرونة وبراغماتية. وسبق أن أثبتت الحركة قدرتها على الصمود، بعيد اغتيال قاداتها، في 9 أيلول/سبتمبر 2014، في تفجير غامض لم تُعرف الجهة التي نفذته، والذي قضى فيه مؤسس الحركة حسان عبود، ومعاونوه، وقادة العمل العسكري والشرعي.

من جهته، تنظيم "الدولة الإسلامية" يكن العداء لـ"الأحرار"، ويتهمهم بـ"الردة المغلظة" أي لا استتابة لهم ولا مناص من قتلهم. وقد قام "الأحرار" مؤخراً بضرب مناطق "داعش" وكبدوهم خسائر شديدة. "الدولة الإسلامية" تُجاهر بأي عملية اغتيال تقوم بها، إلا أنها، وبحسب مصدر "المدن" يمكن ألا تتبنى عمليات اغتيال قادة "أحرار الشام"، حفاظاً على سرية خلاياها العاملة، والرغبة بتكرار التجربة.

"وحدات حماية الشعب" الكردية، بدورها أيضاً، على عداء شديد مع "أحرار الشام" كونهم مدعومين من تركيا. ويعتبر حزب "الاتحاد الديموقراطي" الكردي، جناح "العمال الكردستاني" السوري، أن "الأحرار" أهم فصيل يمكن أن يمنع مشروع الدولة أو مناطق الحكم الذاتي للأكراد في الشمال السوري. مصدر "المدن" لا يعتقد بأن للأكراد دوراً أساسياً في عمليات الاغتيال لقادة "الأحرار"، ولكنه لم ينفِ عنهم ذلك بشكل مطلق.

من جهة أخرى، فإن أجهزة المخابرات الغربية باتت على اطلاع كبير بملفات المليشيات من كل الاتجاهات في سوريا، وقد يقع قادة "أحرار الشام" بين حجري رحى لأجهزة مخابرات تتنازع في ما بينها، ما يجعل الفصائل المقاتلة على الأرض ضحية لهذا الصراع. وقد تكون مواقف "حركة أحرار الشام" المتشددة حيال مستقبل أي تسوية سياسية في سوريا، بحسب المصدر، سبب تحريض مراكز صنع القرار، فتشرع باب اغتيال القادة والمتعلمين والأكاديميين في الحركة، رغبة في إضعافها ومنعاً لمشروعها في تحويل الحركة إلى حزب سياسي يشارك بقوة في فرض أساسيات يعتبرها الأحرار خطوطاً حمراء في منهجهم السياسي.

في المقلب الآخر، قد تكون أجهزة الاستخبارات الروسية قادرة على الحصول على معلومات مهمة، ظهرت نتائجها في اغتيال قائد "جيش الإسلام" زهران علوش في غوطة دمشق. هذا التحليل يصطدم بحسب مصدر "المدن"، بأن الاغتيالات الجارية بحق "الأحرار" تمس شخصيات غير معروفة ويقتصر دورها على في قيادة المعارك. فأغلب الذين تم اغتيالهم من القادة الميدانيين، مؤخراً، هم من قيادات الصف الثاني في العمل العسكري.

يعتبر الأحرار أن الجميع معني بتصفية الحركة. فالمصدر يرى أن الأحرار هم القوة الوحيدة القادرة على محاربة انتشار "القاعدة" في بلاد الشام، وأنها حصينة من الانهيار الذي يتمناه خصومها. فالأحرار في حال براءة من مبايعة "القاعدة" سراً أو علانية، ما يرجح فرضية مسؤولية "القاعدة" عن الاغتيالات. وقد يكون هناك خلايا نائمة تساعد في تنفيذ الاغتيالات، الأمر الذي لم يستبعده مصدر "المدن"، الذي اعتبر أن هذه الخلايا هي من بقايا عملية التغيير الجذرية التي قامت بها الحركة لتأكيد هويتها السورية العروبية، وتمايزها عن أي خط متطرف يقارب أو يشابه "القاعدة".