المعتقلون المصريون "رهائن".. كم جنيهاً تساوي الحرية؟

محمد عبدالمعطي المحمد
الأحد   2016/05/29
من تظاهرات جمعة الأرض في مصر أمام مقر نقابة الصحافيين (أ ف ب - أرشبف)

يدفع المصريون في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي ثمن حريتهم حرفياً، وفقاً لما يبدو أنه نهج جديد للقضاء، الذي لجأ مؤخراً إلى فرض الغرامات المالية كعقوبة، بديلاً عن الحبس، وطلب كفالات مالية لإخلاء سبيل معارضي النظام، أياً كانت انتماءاتهم، حتى لو كانوا من جماعة الإخوان المسلمين.

يبدو الأمر وكأن النظام يتعامل مع مخطوفين لديه، يطلب فدية ومقابلاً مادياً لإطلاق سراحهم، تحت شعار "ادفع لتشتري حريتك"، ومعظم أولئك كانت تهمتهم الاعتراض على تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية.


ومؤخراً، درجت المحاكم والنيابات المصرية على تغريم المتهمين على خلفية قضايا سياسية، أو إخلاء سبيلهم في تحقيقات النيابة بمبالغ مالية كبيرة، لا تستطيع الغالبية العظمى منهم توفيرها بسهولة.


آخر القضايا المحكوم فيها بالغرامة هو حكم محكمة الاستئناف المصرية، بإلغاء عقوبة السجن خمس سنوات ضد 47 شاباً، نسبت إليهم تهم التظاهر في جمعة الأرض، الرافضة لتنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير، وقررت المحكمة تغريم كل شاب مبلغ 100 ألف جنيه، مقابل حصولهم على إخلاء سبيل، كما رفضت المحكمة طلبات فريق الدفاع عن المتهمين بتقسيط المبلغ على دفعات.


وبالنظر إلى عدد المعتقلين بعد 30 يونيو/حزيران، والكفالات المطلوبة لإخلاء سبيلهم على ذمة التحقيقات، أو الحكم بغرامات عليهم، يمكن التوصل إلى حقيقة أن النظام يتعامل مع المعتقلين على أنهم مصدر من مصادر الدخل لديه، خصوصاً مع ارتفاع الكفالات في بعض الحالات إلى 25 ألف جنيه، وهو ما يبدو أنه "خطة استثمارية" جديدة للنظام.


أسلوب الغرامات المالية بديلاً لعقوبة الحبس، يضرب للنظام أكثر من عصفور بحجر واحد، فهو يتخلص أولاً من "الصداع" الذي يواجهه في الداخل والخارج، بوجود عدد كبير من المحكوم عليهم في السجون بلا تهم حقيقية، إلا إذا كانت تهمهم طرح آراء مغايرة لما يراه رئيس يخاطبهم قائلاً "ما تسمعوش كلام حد غيري"!


الغرامات والكفالات المبالغ فيها جداً، وتصل إلى 10 آلاف دولار كما في حالة معتقلي "جمعة الأرض"، المحكوم عليهم سابقاً بالسجن خمس سنوات، قبل إلغاء الحبس في الاستئناف وفرض غرامة 100 ألف جنيه لكل شاب، ترهق كاهل الأسر، التي تضغط بطبيعة الحال على أبنائها لتجنب السير في طريق معارضة السيسي، نظراً للتكلفة العالية التي تتكبدها.


السخرية من قسوة المبالغ المطلوبة من الشباب، دفعت مستشار الرئيس السابق محمد مرسي للشؤون العربية محمد عصمت سيف الدولة، إلى القول عبر صفحته في "فايسبوك": "كده الصورة وضحت ونقدر نعمل اتفاق كويس مع السلطة والداخلية، فمع كل مظاهرة فيها عشرة آلاف متظاهر، ومع احتمال اعتقال ١.٥٪ منهم، نحط في خزينة الدولة ١٥ مليون جنيه بدل ما يقبضوا على الشباب، وكده نبقى بنتظاهر بفلوسنا وبمعدل ١٥٠٠ جنيه لكل متظاهر، ياخدوها ويأجروا بيها ١٠٠ مواطن شريف الواحد بـ١٠٠ جنيه للواحد، يعني عشرة آلاف جنيه، ويحطوا الباقي في جيبهم وكده يبقى الكل مبسوط وكسبان".


ومن المفترض أن تردّ الكفالة إلى صاحبها في حالة الحكم بالبراءة، بعد أن تقدر النيابة العامة قيمتها، إلا أن الإجراءات المعقدة لاستردادها تدفع كثيرين إلى التخلي عنها، تجنّباً للدخول في سلسلة طويلة من الإجراءات، لينتهي الأمر بالكفالة في خزانة وزارة المالية. أما الغرامة، فهي حكم محكمة يصدر كعقوبة، بديلاً عن الحبس، ولا سبيل للتهرب من دفعها.


وفي حالة عدم دفع الغرامة المفروضة كعقوبة، يقضي المدانون "إكراهاً بدنياً" وهو الحبس، بقيمة 5 جنيهات لليوم الواحد، ما يعني أن الحبس لشهر متواصل يخصم من قيمة الغرامة 150 جنيها فقط، وهو ما يعني عملياً أن مدة الحبس لعدم دفع الغرامة تتجاوز أضعاف مدة الحكم الأصلي.