"الاتحاد الديموقراطي" وأميركا: مقايضة الرقة بغربي الفرات

سميان محمد
الخميس   2016/05/19
أي تواصل أميركي مع "الإتحاد" هو في الوقت عينه، ولو بشكل غير مباشر، تواصل مع "العمال" (أ ف ب)
عُقد اجتماع الثلاثاء في منزل الرئيس المشترك لحزب "الاتحاد الديموقراطي" صالح مسلم، في كوباني/عين العرب، بين قيادات سياسية وعسكرية من "الاتحاد الديموقراطي" وعسكريين وسياسيين أميركيين.

مصدر مطلع في "الاتحاد"، قال لـ"المدن"، إن الاجتماع كان بهدف اقناع القيادة العسكرية لـ"وحدات حماية الشعب" –الذراع العسكرية لـ"الاتحاد"- بالمشاركة في الحملة الأميركية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في مدينة الرقة، مقابل ضم مدينة الرقة إلى "فيدرالية روج آفا" شمالي سوريا، بعد السيطرة عليها.

وأضاف المصدر بأن مسلم وصل إلى كوباني بحوامة أميركية خاصة قادماً من إقليم كردستان العراق، هبطت به في القاعدة العسكرية الأميركية في كوباني، مشيراً إلى أن النقاش دار حول المناطق التي يجب محاربة "داعش" فيها الآن، مؤكداً أن الجانب الأميركي فرض على "الاتحاد الديموقراطي" تأجيل مسألة تقدم "الوحدات" الكردية باتجاه مناطق غربي الفرات، وتأجيل الاعتراف بـ"الإدارة الذاتية" إلى ما بعد السيطرة على الرقة.

وكالة "فرانس برس" نشرت خبراً بأن الوفد الأميركي كان بقيادة المبعوث الأميركي في الحرب ضد "داعش" في سوريا والعراق بريت ماكغورك، بحضور عسكريين فرنسيين وبريطانيين، إلا أن مصدراً أمنياً خاصاً في "الإدارة الذاتية" أكد لـ"المدن" بأن ماكغورك لم يتواجد في الاجتماع الذي اقتصر على عسكريين وسياسيين أميركيين من دون الكشف عن اسمائهم.

وكانت مدينة كوباني قد تحولت إلى منطقة عسكرية بعد الدمار الذي لحق بها جراء الحرب مع "داعش"، قبل أن تقوم الولايات المتحدة ببناء قاعدة لوجستية قبل شهر تقريباً، في قرية "سبت" على بعد 35 كيلومتراً جنوبي كوباني.

وتزامنت زيارة الوفد الأميركي مع زيارة يقوم بها وفد من "الإدارة الذاتية" برئاسة الرئيسة المشتركة لـ"مجلس سوريا الديموقراطية" إلهام أحمد، إلى واشنطن، مع تردد أنباء عن قبول واشنطن بفتح ممثلية لـ"الإدارة الذاتية" في واشنطن، وهو الأمر الذي يفهمه مراقبون على أنه خطوة أخرى يبتعد فيها "الاتحاد الديموقراطي" عن المحور الروسي باتجاه المحور الأميركي. مع الإشارة إلى أن المناوشات التي تجري منذ حوالى أسبوع بين قوات النظام والوحدات الكردية في الحسكة، تدخل ضمن هذا الإطار.

الكاتب الكردي هوشنك أوسي، أوضح لـ"المدن"، أن الزيارات المتبادلة للمسؤولين الأميركيين إلى مناطق "الإدارة الذاتية" الخاضعة لسلطة حزب "الاتحاد الديموقراطي"، وزيارات مسؤولي الحزب إلى واشنطن، ليست بالجديدة، وهي تشير إلى أن التنسيق الأمني والعسكري بين الطرفين بخصوص "مكافحة الإرهاب" والحرب على "داعش" قد يصل إلى المستوى السياسي أيضاً. وهذا ما يسعى إليه حزب "الاتحاد الديموقراطي" ومن خلفه حزب "العمال الكردستاني". فأي تواصل أميركي مع "الاتحاد" هو في الوقت عينه، ولو بشكل غير مباشر، تواصل مع "العمال".

ويضيف أوسي المختص بالشؤون التركية والكردية أن هذه الزيارة ليست لفرض الإملاءات بل لخلق نوع من الضغط على تركيا وحلفائها ضمن المعارضة السياسية والعسكرية السورية، بغية القبول بالمطالب الكردية في سوريا ما بعد نظام الأسد.

وأكد أوسي ان احتمال هجوم "الوحدات" على الرقة وتحريرها من "داعش" بالتنسيق مع الأميركيين، وارد جداً، وهو يأتي بالضد من رغبة تركيا و"الائتلاف" السوري المعارض، مرجحاً أن يكون الهجوم منوطاً بحصول حزب "الاتحاد الديموقراطي" على ضمانات من واشنطن بخصوص مقايضة الرقة بالمناطق الحدوديّة العربيّة الفاصلة بين كوباني وعفرين على الحدود السورية التركية. ويريد "الاتحاد الديموقراطي" خلق إقليم جغرافي كردي يمتد من منطقة ديريك "المالكية" شرقاً وحتى عفرين غرباً، مروراً بكوباني وأعزاز ومنبج وجرابلس، وهذا ما ترفضه تركيا وحلفاؤها في المعارضة السوريّة.

تكثيف التواجد العسكري الأميركي في مناطق "الإدارة الذاتية" لا يقتصر على مدينة كوباني، فقد شهدت منطقة الجزيرة أيضاً كثافة أميركية ملحوظة في الآونة الأخيرة. ويتركز الوجود الأميركي في قاعدة عسكرية على سفوح جبل كراتشوك ونقاط عسكرية ممتدة بين رميلان والمالكية في الحسكة. وبحسب مواطنين في الريف الجنوبي لمدينة رميلان، فإن القاعدة العسكرية في جبل كراتشوك يلفها الكثير من الغموض لجهة تواجد عسكريين من جنسيات مختلفة بينهم ألمان وأتراك وأميركيون، ما يرجح أن تكون فرعاً غير معلن عنه للقواعد في أربيل وأنجرليك التابعة لـ"حلف شمال الأطلسي". كما أن الطيران المروحي الأميركي يسجل نشاطاً يومياً بين القاعدة العسكرية في كراتشوك والأراضي التركية والعراقية.

وفي السياق، يؤكد نشطاء على أن المطار الزراعي الواقع في قرية روباريا الواقعة على بعد 10 كيلومترات جنوبي مدينة ديرك، ومطار رميلان، يشهدان منذ منتصف نيسان/إبريل نشاطاً ملحوظاً للحوامات أثناء الليل، وتقوم القوات الأمنية لـ"الاتحاد الديموقراطي" المعروفة بـ"الأسايش" بقطع جميع الطرق المؤدية إليهما.

وقام حزب "الاتحاد الديموقراطي" خلال الشهرين الماضيين، بنشاطات تهدف إلى تقوية الجانب العسكري، حيث قام "المجلس التشريعي للإدارة الذاتية" بالتصديق على مسودة مشروع بتمديد خدمة التجنيد الاجباري من ستة أشهر إلى تسعة أشهر، كما قامت "هيئة التربية والتعليم" في "الإدارة الذاتية" بإلزام موظفيها بالتوقيع على كرّاس يتضمن الالتحاق بالقوى العسكرية التابعة لـ"الإدارة الذاتية" في حالات الطوارئ، وفصلت جميع العاملين الذين رفضوا التوقيع.

وإذا ما شاركت "الوحدات" الكردية في الهجوم على مدينة الرقة بالتزامن مع حملة تحرير الموصل، فإن المناطق الكردية في سوريا والعراق المتداخلة ديموغرافيا مع مناطق العرب السنّة، ستكون جبهات مفتوحة على جغرافية تمتد لمئات الكيلومترات، ما سيؤدي إلى نتائج كارثية، تحقق المخططات الأميركية الرامية إلى ضرب شعوب المنطقة بعضها ببعض.