حلب: الطيران الروسي يحرق العيس

خالد الخطيب
الخميس   2016/04/07
سُجلت أكثر من خمسين غارة جوية ليل الأربعاء (انترنت)
لليوم الثالث على التوالي، فشلت قوات النظام والمليشيات المساندة له في استعادة العيس والتلال الاستراتيجية المحيطة بها، وتكبدت خسائر بشرية في صفوفها تجاوزت 50 قتيلاً بينهم عناصر تابعين لمليشيا "حزب الله" اللبناني، ومليشيا "حركة النجباء"، ومن مليشيات "الحرس الثوري" الإيراني، بينهم قياديون بارزون.

واعتادت قوات النظام والمليشيات، منذ سيطرت المعارضة على العيس مؤخراً، على شن هجماتها ليلاً، مدعومة بتمهيد ناري كثيف، مدفعي وصاروخي، بمعدل كبير ورشقات متتالية تطال معظم مواقع المعارضة في خطوطها الأمامية والخلفية. ولكنها كانت تفشل حينما تفكر بالتقدم البري، فسرعان ما تقع في كمائن تابعة للمعارضة تتسبب في مقتل عدد كبير من عناصرها وتجبرها على الانسحاب.

وربما يعود نجاح المعارضة هذه المرة إلى التحصينات الهندسية التي اتخذتها في مواقعها التي سيطرت عليها، والخنادق والحفر الفردية والجماعية ونظام الكمائن المتنقلة على خطوط التماس والالتفاف على القوات المعادية، إذا ما فكرت بأي تقدم على الأرض، بعد أن تظن أنها طهرت كامل المنطقة بسياسة الأرض المحروقة جراء قصفها بلا هوادة بالأسلحة الثقيلة على اختلاف أنواعها.

وفي تطور جديد، دخل الطيران الروسي مجدداً على خط العمليات القتالية في ريف حلب الجنوبي، إلى جانب قوات النظام والمليشيات، مساء الأربعاء. وكانت أسراب طائرات "Su" تنطلق من مطارات حميميم وحمص وحماة، لتستهدف العيس ومحيطها وريف حلب الغربي والجنوبي بشكل عام. وسُجلت أكثر من خمسين غارة جوية ليل الأربعاء، استخدم فيها الطيران الحربي الروسي قنابل النابالم  الحارق، الفوسفور الأبيض المحرم دولياً، والقنابل العنقودية، والصواريخ الفراغية.

المتحدث الرسمي باسم "الجبهة الشامية" العقيد محمد الأحمد، أكد لـ"المدن" أن طيران النظام لم يستطع خلال الأيام الأخيرة التي تلت سيطرة المعارضة على العيس قلب المعادلة، فطائراته التي تحلق منفردة لا تستطيع تغطية كامل النقاط والتحركات على جبهات القتال ولا تملك القدرة على شل حركة طرق الامداد كما يفعل الطيران الروسي الذي لطالما حلق على شكل سرب يتجاوز عدد طائراته الستة في بعض الأحيان. و"من هنا استدلينا على أن الطيران الروسي، قد دخل المعركة أخيراً منذ الأربعاء، فباتت الضربات الجوية أكثر، واستخدمت فيها قنابل ذات فاعلية أكبر، وبدأ يقصف كما هو معروف عنه من مسافات بعيدة وعلى علو مرتفع لكي لا يقع في مرمى نيران المعارضة التي أسقطت سوخوي 22 مؤخراً لحليفه نظام الأسد في بلدة البوابية قرب العيس بريف حلب الجنوبي"، بحسب العقيد الأحمد.

من جهة أخرى، أحرزت المعارضة الحلبية تقدماً متسارعاً خلال الساعات الـ48 الماضية، في حي الشيخ مقصود، في مدينة حلب، والذي تسيطر عليه مليشيا "وحدات حماية الشعب" الكردية، الذراع العسكرية لحزب "الاتحاد الديموقراطي". وسيطرت المعارضة على خمس كتل سكنية، وعلى حواجز متقدمة في الحي الغربي من الشيخ مقصود.

وجاء هجوم المعارضة وتقدمها على حساب "الوحدات" الكردية في الشيخ مقصود، على خلفية تقدم الأخيرة مدعومة بمليشيا "قوات سوريا الديموقراطية" إلى مواقع بالقرب من طريق الكاستيلو، مساء الإثنين، والذي يصل مناطق سيطرة المعارضة في المدينة بضواحيها الشمالية والغربية.

وسيطرت "قوات سوريا الديموقراطية" على كتلتين مرتفعتين على أطراف الشيخ مقصود من الجهة الغربية التي تطل بشكل مباشر على الكاستلو، واستهدفته بشكل متواصل بالهاون والرشاشات الثقيلة والقناصة، ما تسبب بقطعه أمام المارة، وقتل خمسة مدنيين وعسكريين. وتزامن القصف المدفعي وبالهاون من قبل "قوات سوريا الديموقراطية" للطريق مع قصف جوي لطيران النظام الحربي الذي استهدفه أكثر من مرة بالصواريخ والرشاشات.

وبدأت المعارضة فجر الثلاثاء معركتها في حي الشيخ مقصود، ومهدت بالأسلحة الثقيلة والهاون، ما تسبب بمقتل عدد من المدنيين في الحي، القاطنين بالقرب من خطوط الجبهات، والحواجز المتقدمة التي نصبتها القوى الكردية في القسم الغربي منه، ومن ثم تقدمت كتائب المعارضة واستعادت السيطرة على الكتل التي خسرتها ليل الإثنين، وسيطرت على كتل سكنية وصولاً إلى شارع العشرين داخل الشيخ مقصود.

القائد العسكري في "الفرقة 16" محمد حيان، قال لـ"المدن"، إن العملية العسكرية التي بدأتها الفصائل في الشيخ مقصود ماضية حتى إبعاد خطر "وحدات الحماية" الكردية عن طريق الكاستيلو، و"بعد سيطرتنا على ثلاث حواجز وعدد من الكتل السكنية في الطرف الغربي من الحي نكون قد اقتربنا من تحقيق الهدف الذي هاجمنا من أجله". حيان أكد مقتل عدد من عناصر الوحدات بينهم قائد العمليات البارز أبو روان، وأسر عدد من مقاتلي الوحدات خلال المعارك.

وأوضح حيان أن الوحدات الكردية نالت دعماً مضاعفاً خلال اليومين الماضيين من قبل النظام، عبر القصف المدفعي والصاروخي والقصف الجوي الذي وفره لها خلال معاركها مع المعارضة على أطراف الشيخ مقصود وفي المواقع التي دخلتها. وأوضح حيان أن الوحدات تطلب باستمرار من قوات النظام المساندة أكثر وتزويدها بذخائر معينة، خاصة للرشاشات الثقيلة عيار 23.

وأشار حيان إلى أن الوحدات الكردية تنقل عناصرها المصابين من حي الشيخ مقصود الى مشفى الربيع في السريان، وهو حي خاضع لسيطرة قوات النظام، وكان من بين المصابين المسؤولة في "الاتحاد الديموقراطي" جاكيناز شيارعلو.

وبدا أن المعارضة كانت تنتظر الفرصة، لتشن هجومها الذي اعتبرته مبرراً في حي الشيخ مقصود مستهدفة القوى الكردية التي أرقتها منذ قرابة الشهرين بالقرب من شريانها الوحيد في حلب. والمعارضة كانت جاهزة فعلياً لتلك العملية العسكرية، فما أن قامت الوحدات الكردية بتحرك استفزازي بالقرب من الطريق واستهدفته كما جرت عادتها برشاشاتها وقذائفها، حتى بدأت المعارضة بالتقدم.

القائد العسكري في "جيش المجاهدين" النقيب علاء أحمد، أكد لـ"المدن" أن الوحدات الكردية لم تتوقف منذ بداية العام 2016 عن استهداف طريق الكاستيلو، وهي تسعى بشكل مستمر للتقدم نحوه، من خلال السيطرة على كتل سكنية وتجمعات عمرانية مرتفعة على تخوم الطريق، كالسكن الشبابي والقسم الغربي من حي الشيخ مقصود والذي يتربع على تلة مرتفعة. واعتبر النقيب علاء أن الوحدات الكردية بدت كأنها تمد يد العون للنظام الذي أصبح في ورطة في الريف الجنوبي بعد تقدم المعارضة هناك، فأوعز للوحدات بالتحرك للضغط عليها على مشارف المدينة وتهديدها بالحصار. وأوضح أن رد فعل المعارضة كان منطقياً في هذه الفترة، وهو أمر لابد منه، وإلا ستحاصر بشكل كامل، وتنفصل مناطق سيطرتها بحلب عن الضواحي الشمالية والغربية.