الانتخابات الاميركية:ترمب وكلينتون على عتبة "الثلاثاء الكبير"

محمد العزير
الأحد   2016/02/21
الجولة الثالثة من الإنتخابات التمهيدية كرست دونالد ترمب في صدارة المرشحين الجمهوريين. (أ ف ب)
كرّست الجولة الثالثة من الإنتخابات التمهيدية للرئاسة الأميركية، رجل الأعمال الشعبوي دونالد ترمب في موقع الصدارة بين المرشحين الجمهوريين، وأطاحت بالأحلام الإنتخابية لسليل العائلة العريقة، جيب بوش، منعشة آمال ربيبه السياسي، الذي انقلب عليه، السيناتور ماركو روبيو الذي حل ثانياً، على حساب زميله في مجلس الشيوخ، ومثيله في الأصل اللاتيني تيد كروز، الذي كان يراهن على المتدينين ليعزز موقعة المتشدد، بعد حلوله أولاً في ولاية ايوا.

ففي ولاية كارولاينا الجنوبية المشهورة بحدة منافساتها السياسية والتي شهدت السبت، الجولة الثالثة من الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، حل ترمب أولاً بحوالي ثلث الأصوات، وبفارق تجاوز عشر نقاط عن روبيو الذي حل ثانياً بفارق أقل من نقطة عن كروز، محققاً المفاجأة البارزة لحملة انتخابية لم تفتقر إلى الغرابة والتشويق. المفاجئ في النتيجة أن روبيو، الذي استفاد من الاصطفاف شبه الكامل للمؤسسة الجمهورية في الولاية خلفه، والذي توجته تزكية حاكمة الولاية نيكي هايلي، التي تتمتع بشعبية غير معتادة، تمكن من إزاحة كروز، الذي كانت استطلاعات الرأي تضعه في المرتبة الثانية بفضل الحجم الكبير للمتدينين، في صفوف جمهوريي الولاية.

لم تتأخر المفاجأة الثانية في كارولاينا الجنوبية عن الحضور، فأعلن ابن الرئيس الأسبق جورج بوش الأب، وشقيق الرئيس السابق جورج بوش الإبن، وحاكم ولاية فلوريدا السابق جيب بوش، انسحابه من السباق. ليخلو بذلك التنافس من الثلاثة الذين كانوا طوال السنتين الماضيتين يمثلون أمل الحزب الجمهوري في العودة إلى البيت الأبيض، وهم إلى جانب جيب بوش؛ حاكم ولاية نيو جرسي كريس كريستي، الذي انسحب بعد نتائجه المخيبة في جولة نيوهامبشير الأسبوع الماضي، وحاكم ولاية وسكونسن سكوت والكر، الذي بكّر بالإنسحاب قبل جولة ايوا بسبب شح التبرعات الكبيرة لحملته.

وكان بوش يتصرف بشكل واضح، منذ انتهاء انتخابات نيوهامبشير التي حل فيها في المرتبة الرابعة وانعشت بعض الأمل لديه، على أن محطة كارولاينا ستكون حاسمة بالنسبة له، ولم يوفر أياً من أسلحته الكبيرة لخوض معركتها. فأحضر بوش إلى هذه الولاية التي ترتبط مصالح كثيرة فيها بالقوات المسلحة وتضم قواعد عسكرية ضخمة، شقيقه الرئيس السابق ليشارك في حملته، كما استعان بوالدته التي تجاوزت التسعين من العمر بربارة بوش، التي تعتبر أكثر امرأة احتراماً في الأوساط الجمهورية، والتي أمضت اسبوعاً كاملًا متنقلة من مناسبة ألى أخرى أملاً في حجز مقعد بين المراتب الثلاث الأولى.

عملياً خروج بوش، يعني أن كل آمال المؤسسة الجمهورية التقليدية تنحصر الآن في حاكم ولاية اوهايو جون كايسك، آخر الحكام في السباق والذي حل ثانياً في نيوهامبشير. لعل انتخابات الثلاثاء الكبير، في الأول من آذار/مارس المقبل والتي ستشمل عشر ولايات، قد تصنع المعجزة، وتضعه في موقع منافس مع ترمب الذي يبدو أنه المعجزة الجمهورية الوحيدة حتى الآن.

إلا أن موقع ترمب، الذي تترواح النظرة إليه بين المعجزة (بعيون مناصريه) والإعجاز (بعيون الخبراء والمختصين والسياسيين المحترفين)، لم يحسم بعد. فالمألوف أن المرشح الجمهوري الذي يفوز في كارولاينا الجنوبية بعد فوزه في أي من أيوا أو نيوهامبشير، يكون حتماً المرشح الرسمي لإنتخابات الخريف. إلا أن هذا المعيار لا ينطبق على ترمب الآتي إلى السياسة والانتخابات من خارج العمل الحزبي ومن خارج المؤسسات المنتخبة ومن خارج السياسة كلها.

يبدو جمهور هذا المرشح الوقح والسليط اللسان الذي لا يقيم وزناً لأي مقال أو مقام، وكأنه لا يتأثر بما حوله. ففي أسبوع واحد ارتكب ترمب من "المحرمات" ما كان لواحدة منها أن تطيح بأي سياسي يحلم بمنصب كبير. إلا أن هذا العرف لم يؤثر على ترمب الذي فاجأ الجميع في المناظرة التي سبقت الجولة الأخيرة بأسبوع فقط، ليس بانتقاد الرئيس بوش الإبن وإدارته بالفشل في حماية الشعب الأميركي من هجمات 11 أيلول/سبتمبر الإرهابية وحسب، بل اتهم بوش شخصياً بالكذب على الشعب الأميركي لجره إلى الحرب في العراق، ودعا إلى محاكمته، ولم تتأثر شعبيته في ولاية تبنت الحرب ولا تزال.

وزاد ترمب على ذلك، منتصف الأسبوع، بالهجوم الشخصي على رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس، الذي قال إن من يدعو إلى بناء الجدران بين البشر ليس مسيحياً، واختتم عشية الإنتخابات أسبوعه بالدعوة إلى إعدام "الإرهاب" المسلم برصاص مغمس بدم الخنزير تيمناً بأحد الجنرالات الأميركيين في الفيلبين.

إلا أن المحللين والمراقبين والعديد من قادة الحزب الجمهوري، الذين خابت آمالاهم وفشلت توقعاتهم في ما يتعلق بترمب منذ إعلان ترشيحه وحتى الآن، أصروا بعد اعلان نتائج الجولة الثالثة، أن فوزه الأخير لا يحسم النتيجة. وأشار بعضهم إلى أن ثبات جمهور ترمب على نسبة الثلث من الناخبين الجمهوريين، وعدم تفاعل هذه النسبة مع التطورات أو تأثرها بالمستجدات، يعني أن ترمب سيكون عرضة للهزيمة إذا اقتصر ميدان السباق على مرشحين اثنين فقط، أحدهما يحوز على دعم الحزب ومؤسساته التقليدية.

لكن دون هذا السيناريو المتفائل عقبتين؛ الأولى عملية وتتمثل في أن المرشح الأكثر قابلية ليكون في الموقع الثاني، السيناتور تيد كروز، لا يقل عداءً أو استعداءً للمؤسسة الحزبية التقليدية، وهو الواصل إلى مجلس الشيوخ على موجة "حزب الشاي"، والذي دأب على مهاجمة رموز الحزب علناً واتهامهم بالكذب والخيانة. وبالتالي لا يوحي كروز بالثقة ولا يؤتمن على دور بهذا الحجم، بعد سلوكه المشاكس والمعطل أحياناً منذ وصوله إلى واشنطن.

ولا يقف الأثر المعطل لكروز عند هذا الحد، فحتى لو ارتأت المؤسسة، بناء على نتائج الثلاثاء الكبير، أن تدعم روبيو المقبول نسبياً وصاحب الحظ الأوفر، أو كايسك المرغوب تماماً والذي يحتاج إلى معجزة، بعد خروج بوش وكريستي ووالكر، فلن ينسحب كروز. وسيؤدي ذلك إلى المعضلة الثانية، وهي عدم قدرة مرشح المؤسسة على حيازة عدد كاف من المندوبين للتزكية في المؤتمر الوطني للحزب. لكن ذلك يُبقي بعض الأمل في أن لا يتمكن ترمب من الحصول على العدد المطلوب من المندوبين وهو 1237، ما يعيد القرار إلى قبضة المؤسسة الحزبية، مع أن لذلك محاذير كثيرة.

في الجانب الديمقراطي الذي انشغل بالجولة التمهيدية لولاية نيفادا، التي شهدت انعقاد المجمعات الإنتخابية للحزب في اليوم ذاته، فازت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلنتون على منافسها السيناتور بيرني ساندرز، بفارق خمس نقاط. كلينتون عززت موقعها في صدارة الترشيح في الحزب وهيأت الساحة لحسم الموقف في الثلاثاء الكبير، بعد محطة كارولاينا الجنوبية التي ستجري السبت المقبل. وتتطلع كلنتون إلى تلك المحطة لتعزيز صدارتها مستفيدة من تعددية الولاية إثنياً والحجم الكبير للصوت الأفريقي الأميركي الذي يصب بغالبه لصالحها.