النظام بدأ معركة حصار حلب

خالد الخطيب
الثلاثاء   2016/02/02
لم تتمكن المعارضة الحلبية حتى الآن من "امتصاص الصدمة" وإعادة ترتيب صفوفها للتصدي للقوات المهاجمة. (خالد الخطيب)
بدأت قوات النظام وحشد المليشيات الشيعية (عراقية وأفغانية ولبنانية وإيرانية)، وبدعم جوي روسي كبير، عملية عسكرية برية واسعة، فجر الإثنين، في ريف حلب الشمالي، على أربعة محاور. وتمكنت القوات المهاجمة من التقدم على محورين، لتسيطر على قرى وبلدات تل جبين ودوير الزيتون ومعرستة الجهاد، بالإضافة إلى عدد من المواقع المتقدمة التي كانت تتمركز فيها المعارضة، إلى الشرق من حيان وحردتنين.



وبدأت قوات النظام وحشد المليشيات الهجوم بالتسلل مع ساعات الفجر الأولى نحو المواقع المستهدفة، مستغلة الظروف الجوية المواتية ووجود الضباب الكثيف الذي منع الرؤية. وسيطرت على الدفاعات الأولى للمعارضة وتمركزت على أطراف القرى بانتظار التمهيد المدفعي والصاروخي والجوي.

واتبعت قوات النظام كعادتها، سياسة "الأرض المحروقة" في هجومها على مناطق المعارضة، بعد التمهيد لاقتحامها بقصف مكثف بالصواريخ والمدفعية المتمركزة في جمعية الزهراء وكلية المدفعية غربي مدينة حلب، ومن تلة الشيخ يوسف والمنطقة الصناعية في الشرق. وألقى الطيران المروحي عشرات البراميل المتفجرة على الخطوط الأمامية لمقاتلي المعارضة. وفي الوقت ذاته كان الطيران الروسي يقصف كل شيء يتحرك في المنطقة، ولم يغادر سماء المناطق المستهدفة، وبذلك شلّ حركة الإمداد بشكل شبه كامل، وقتل عدداً كبيراً من مقاتلي المعارضة والمدنيين، في أكثر من 100 غارة جوية طالت خطوط القتال والمدن والبلدات القريبة كعندان وحيان وحريتان ورتيان وتل رفعت ومارع وبينون وكفرحمرة.

واستمرت المعارك الطاحنة في مختلف محاور القتال، الإثنين، وتقدمت قوات النظام والمليشيات الشيعية من جديد، فجر الثلاثاء، لتسيطر بشكل كامل على بلدة حردتنين بعد التمهيد لدخولها بأكثر من عشرين غارة جوية روسية، ومئات القذائف الصاروخية التي كانت السبب الأبرز في انسحاب المعارضة إلى خطوطها الخلفية في معرستة الخان، وهي البلدة الوحيدة التي تفصل النظام عن الوصول إلى بلدتي نبل والزهراء المواليتين في الغرب.

وبذلك أصبح طريق المعارضة الحلبية الواصل بين مارع وإعزاز في الشمال، وبين حلب وضواحيها الشمالية، شبه مقطوع، بسبب الرصد الناري الذي حققته قوات النظام بعد سيطرتها على حردتنين. بالإضافة إلى القصف الجوي الروسي للطريق الوحيد بأكثر من ثلاثين غارة جوية، الثلاثاء، ما تسبب بتوقف حركة المرور فيه.

ولم تتمكن المعارضة الحلبية حتى الآن من "امتصاص الصدمة" وإعادة ترتيب صفوفها للتصدي للقوات المهاجمة. وبرغم تمكنها من وقف زحف المليشيات على المحاور التقليدية في بشكوي وتل مصيبين، واستعادتها بعض النقاط التي خسرتها فجر الإثنين، وقتلها أكثر من ثلاثين عنصراً لقوات النظام والمليشيات، وتدميرها ثلاث عربات مدرعة واغتنام اثنتين، إلا أنها لم تكن قادرة على الرد بهجوم معاكس منظم في المحاور الرخوة التي تقدمت منها قوات النظام والمليشيات. ولا تزال القوات المهاجمة تسعى للسيطرة على المزيد من المناطق للوصول إلى هدفها غرباً في نبل والزهراء، والذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من التحقق.

رئيس قسم الإشارة في "الجبهة الشامية" النقيب أبو فيصل، أكد لـ"المدن"، أن قوات النظام والمليشيات جهزت للمعركة بشكل جيد، ولديها تذخير عالٍ من الأسلحة الثقيلة المدفعية والصاروخية. كما أن غرفة العمليات التي يرأسها ضباط إيرانيون ومن مليشيا "حزب الله" اللبناني، كانت على تواصل مباشر مع الطيران المروحي التابع للنظام والحربي الروسي الذي لم يفارق الأجواء منذ بدء المعركة. وكان للطيران الدور الكبير في خسارة العديد من المواقع.

وأشار النقيب أبو فيصل، إلى أن المعارضة الحلبية لم ترتقِ حتى اللحظة، إلى مستوى الخطر المحدق بها في الشمال، ولا تزال غرفة عملياتها التي تضم جميع فصائلها المقاتلة في حلب غير منضبطة، حيث لا تزال المؤازرات الواجب إرسالها غير كافية ولا يمكن أن تغطي كامل الجبهات المفتوحة لتكون نداً قوياً للقوات المعادية.

وفي السياق، تحشد المليشيات الموالية للنظام في بلدتي نبل والزهراء، كامل عتادها على الأطراف الشرقية للبلدتين، وتنتظر إشارة البدء لتدعم الهجوم البري للقوات "الحليفة"، بعدما أصبحت على بعد كيلومترات معدودة منها. وجرت اشتباكات متقطعة بين مليشيات نبل والزهراء وقوات المعارضة، الإثنين والثلاثاء، بالتزامن مع العمليات العسكرية التي تشهدها المناطق شمالي حريتان.

وتحمل الساعات القادمة الكثير من التطورات الميدانية في ريف حلب الشمالي كما يبدو، وهي ستكون في صالح النظام إذا لم تتخذ المعارضة الحلبية إجراءات سريعة وتشن هجوماً معاكساً تستطيع من خلاله استعادة ما خسرته في وقت قياسي خلال الساعات الماضية. ولن يغفر لها بأي حال هروب فصائلها من تحمل المسؤولية، وكيل الاتهامات لبعضها البعض، فالخطر يطال الجميع بلا استثناء وحصار حلب وتقطيع أوصال المناطق المحررة أصبح وشيكاً.

من جانب آخر، تهدد العملية العسكرية التي تشنها قوات النظام والمليشيات بدعم جوي روسي، أكثر من 300 ألف مدني بتهجيرهم من بلداتهم المحيطة بنبل والزهراء شمالي حلب. وفي الساعات الأولى من بدء المعركة غادر 50 ألف شخص بلدات بينون وحيان وحردتنين وتل جبين نحو المناطق الحدودية، وعمليات التهجير في تصاعد طالما استمرت المعارك والقصف الجوي الروسي، ما ينذر بكارثة إنسانية وشيكة على غرار الكوارث التي تعرضت لها حلب خلال العام 2015 في ريف حلب الجنوبي.